الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

أين تكمن المشكلة الحقيقية في عجز الطبقة السياسية عن إنتاج قانون للانتخاب؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
أين تكمن المشكلة الحقيقية في عجز  الطبقة السياسية عن إنتاج قانون للانتخاب؟
أين تكمن المشكلة الحقيقية في عجز الطبقة السياسية عن إنتاج قانون للانتخاب؟
A+ A-

للنائب السابق نجاح واكيم تعليل مبتكر للأسباب المضمرة التي حالت الى الآن دون توصّل الأفرقاء الى وضع قانون جديد للانتخابات وأدت بالتالي الى هذه الضجة القائمة حالياً والمترافقة مع حال لايقين واختلال وزن. والتعليل هذا يقوم على فكرة ان أسّ المشكلة هو ان الذين رعوا التفاهم الذي طوى صفحة الفراغ الرئاسي والحكومي بعد طول انتظار، لم يكملوا "معروفهم" ويستكملوا صنيعهم بالتفاهم على قانون انتخاب يسير به الجميع ويجنب البلاد هذا الصخب ويبدد بسرعة قياسية الانجاز السابق ويضيّع الشعور بالفرج والانفراج الذي رافقه.


ربما شاء صديقنا نجاح ان يتوسل الطرافة والانتقاد المرير في اطلاق هذا التعليل على جاري عادته، ولكن الاكيد انه تعليل ينطوي على استنتاجات لا بد من التوقف عندها، وتتمثل في العجز الذاتي للاطراف الداخليين المعنيين عن ايجاد تفاهمات تحول دون بلوغهم عنق زجاجة المأزق وتوصد ابواب الصراع وتصفية الحسابات، واستطرادا تتيح انفلات حبل الهواجس والمحاصصات والحسابات الضيقة على غاربه. وأمر العجز عن الفعل والاقدام ليس مستجداً، فبراهينه يمكن استقاؤها دونما صعوبة من تجارب الشراكة السياسية التي تم استيلادها بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فهي باعتراف الجميع تجارب تتصف بالهشاشة لان "الشركاء" اخفقوا في ترسيخ جسور الثقة ومناخات الاطمئنان بين بعضهم البعض من جهة، ولم يستطيعوا ان يجدوا قواسم مشتركة لبناء ارضية توحد رؤاهم في اتجاه تطوير النظام السياسي واخراجه من احتمالات التأزيم المستدامة.
لذا كان العقد الماضي عبارة عن سنوات جمر ورماد وتصارع إرادات وتضارب رهانات. ومن باب التذكير فان "التحالف الرباعي" الذي نسجت خيوطه بعد نحو اربعة أشهر من اغتيال الحريري الذي هز كل المعادلات والتوازنات، أُعدَّ على عجل وتحت وطأة الحدث. فقوى 14 آذار اقتنصت الفرصة لتقبض على مفاصل السلطة والحكم عبر اكثرية مريحة وفرها هذا التحالف، في حين ان فريق 8 آذار أراد تمرير المرحلة بأي ثمن والخروج من اسر الاتهام الذي وجد نفسه فيه مع حليفته دمشق وبغية امتصاص الصدمة وتداعياتها. ولا جديد في الاشارة الى ان انتخابات عام 2009 جرت ايضا تحت وطأة تسوية الدوحة بعدما وجدت قوى 14 اذار فيها فرصة لترد الاعتبار الى نفسها بعد الصفعة القوية التي كانت تشبه الهزيمة والتي تلقتها في احداث 8 ايار عام 2008، فيما رامت قوى 8 اذار من خلال تجاوبها مع الاتفاق ان تلملم الموقف وتبدد الاحتقان الذي تولد في شوارع طائفية بعينها.
وليس جديدا القول ان هاتين التجربتين قد استنفدتا نفسيهما وسقطتا بفعل مرور الزمن وتبدل المعادلات في الداخل والاقليم، وبالتالي فان المشهد الحالي يعطي انطباعا وكأن الامور عادت سيرتها الاولى، اي الى دائرة الازمة العميقة والمراوحة فيها.
وبما ان الشيء بالشيء يُذكر، ثمة اجماع لبناني على ان عهد الوصاية السورية الذي امتد من عام 1990 حتى عام 2005 عطل فرصة التطبيق العملي لاتفاق الطائف ومندرجات دستوره، والذي كان من شأنه ان يمنع بروز الازمات والتعقيدات عشية كل استحقاق انتخابي، اذ ان كل قوانين الانتخاب التي ركّبت في ذاك العهد (3 صيغ مختلفة) اعتمدت معيارا يوشك ان يكون حصريا: ضمان اكثرية موالية للوصاية وتطبيق نظرية "قافلة قريش" التي اطلقها السياسي المخضرم الرئيس حسين الحسيني، والتي تسمح بان يكون لكل فريق، أياً يكن حجمه، "جمله" او "جمّاله" في القافلة، اي اللائحة الكبرى المضمونة النجاح، فخرج الجميع من تلك التجربة راضيا مرضيا، وكان بالامكان إبعاد ذلك الجمل ومعاقبة صاحبه، وثمة امثلة عدة منها تجربتا يحيى شمص وخالد الضاهر. وبناء على ما سبق فان اطراف ما بعد الطائف اعتادوا ان تأتيهم الامور والقوانين والتسويات جاهزة، او تجد من يكون الحكم الفصل، وتتكرر تجربة القانون لمرة واحدة واخيرة ذريعة لتمرير الامور.
وعليه ثمة من يجد الآن في السجال الحاصل شيئا من روحية التجربة الآفلة، اذ ينام الناس على صيغة قانون انتخاب يمكن ان يمر ليستيقظوا صبيحة اليوم التالي على قانون آخر يأخذ اعتباره ومداه.
لماذا هذا العجز عن انضاج قانون جديد، واستطرادا، لماذا يخفق الاطراف المعنيون في ايجاد اسس تجربة نيابية وفق معايير مختلفة تكون في جوهرها استكمالا لتجربة ملء الشغور الرئاسي؟
من الاجوبة البديهية التقليدية القول إن السبب يعود الى طبيعة البنية التكوينية للنظام الطائفي والى صراعات الطوائف والمحاور مما يستعصي على اي عملية تغيير وتطوير له. ومع وجاهة ذلك ثمة من يجد في الاونة الاخيرة سببا اضافيا لهذا القصور ويتجسد في غياب التحالف السياسي الذي يمكن ان يشكل عصب المرحلة ويكون في مقدوره ان يوفر الحماية اللازمة للتجربة الجديدة، خصوصا ان التحالفات الراهنة وجدت نفسها في حال تصادم الحسابات والمصالح بعد غياب القضايا الكبرى الجامعة. واللافت ان للرئيس نبيه بري ريادة استشراف المرحلة وما يمكن ان تبلغه من تعقيدات تعيد "كربجة" مسار الاوضاع، فكانت فكرة السلة المسبقة التي له قصب السبق في عرضه،ا ثم كان نعيه المبكر للاصطفافات السياسية التي بسطت حضورها على الاوضاع منذ عام 2005 توطئة لقواعد لعبة جديدة يكون هو والنائب وليد جنبلاط لولبها. لكن رياح الامور هبّت خلاف ما تشتهيه مراكبه، لاسيما ان "حزب الله" لم يجاره، وان "تيار المستقبل" وعده وتركه فوجد نفسه في رأس قائمة المتضررين واول العاجزين عن رسم تسويات تحفظ دوره وتصون فاعلية "مملكته" في ساحة النجمة.
واللافت ان "التيار الوطني الحر" بدأ يتصرف وكأن وسادة اللعبة السياسية قد ثنيت له، فكان كلام مؤسسه الرئيس ميشال عون عن تفضيله الفراغ على القانون الاكثري او التمديد، وكان ايضا التصور الذي اطلقه رئيس "التيار" والذي قوبل برفض الثنائي الشيعي.
إذاً انها مرحلة انعدام الوزن التي ستكون طويلة، وستتبدى اكثر فأكثر ازمة الطبقة السياسية، وايضا وايضا مأزق الحراك المدني والمجتمع الاهلي الذي اخاف هذه الطبقة بعض الوقت لكنها ما لبثت ان عادت الى موقع الهجوم بعدما رأت بأم العين حراكا غير منظم وبلا فاعلية تغييرية.


ibrahim [email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم