الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

صراع الأحزاب على الفوز بالأكثرية النيابية يجعل الخلاف يشتد على قانون الانتخاب

اميل خوري
A+ A-

كلما كان لبنان عند مفترق ويواجه أحياناً مصيره، تتحوّل الانتخابات النيابية بين القوى السياسية المتنافسة معركة للفوز بالأكثرية التي تكون لها الكلمة في تقرير مصيره. فالأكثرية التي فازت في الانتخابات بعدما نال لبنان الاستقلال أكدت ذلك وعدّلت الدستور بما يتلاءم ووضع لبنان الجديد. وعندما انقسم اللبنانيون بين مَنْ هم مع "المد الناصري" ومن هم ضده، قام "حلف ثلاثي" من الرئيس كميل شمعون والشيخ بيار الجميل والعميد ريمون إده اكتسح مقاعد جبل لبنان في الانتخابات وأوقف هذا المد. فكان الرد عليه الحؤول دون وصول أي من أركانه الى رئاسة الجمهورية، ففاز مرشح "تكتل الوسط" النائب سليمان فرنجية بالرئاسة. وفي انتخابات 1992 التي أجريت في ظل الوصاية السورية على لبنان، وعلى أساس قانون مفصّل على قياس الموالين لها، قررت القوى السياسية المناهضة لاجراء الانتخابات في ظلها المقاطعة مخافة أن تأتي أكثرية نيابية تدعو الى الوحدة مع سوريا فيخسر لبنان كيانه واستقلاله وسيادته وقراره الحر، لكن رغم تلك المقاطعة التي بغلت نسبتها الثمانين في المئة تقريباً من عدد الناخبين، اعتبر مجلس النواب شرعياً وممثلاً إرادة الشعب مع أن نواباً فيه فازوا بـ120 أو بـ45 صوتاً... لأن الوصاية السورية أرادت ذلك وفرضت ما أرادته. ولم تكن حتى أميركا، وهي اللاعبة في لبنان والمنطقة، ضد هذا الموقف بدليل أن سفيرها في لبنان حضر جلسة افتتاح المجلس الجديد.


ويمكن القول الآن إن المعركة الانتخابية هي معركة أكثرية نيابية ومَن يفوز بها يكون مع أو ضد سياسة العهد الجديد، أهي سياسة الانحياز لهذا المحور أو ذاك؟ أهي سياسة اللا انحياز لأي محور والوقوف على الحياد الايجابي؟
لذلك فإن الاتفاق على قانون جديد تجرى الانتخابات النيابية على أساسه يكتسب أهمية. فإذا كان واضحاً بحيث يُعرف من هي القوى السياسية التي ستفوز بالأكثرية النيابية، خصوصاً من خلال تقسيم الدوائر، فالخلاف يشتد، وهو تقسيم كان في كل قانون جديد مشكلة المشاكل. فضم قضاء الى قضاء، او سلخ قضاء عن قضاء يغير النتائج، خصوصاً في ظل تحالفات مسيحية وتحالفات إسلامية تجعل غالبية أصوات مذهب أو طائفة تصب في اتجاه واحد، وقد تلغي وجود المرشحين الآخرين ما لم ينضموا الى أحد هذه التحالفات.
استناداً الى ذلك فإن معركة الفوز بالأكثرية النيابية تبدأ من خلال قانون جديد للانتخاب، وقصة كل قانون كانت دائماً هي الحصة... وليس أيضاً من القوانين المقترحة هي أكثر تطوراً وإصلاحاً أو تحقق تمثيلاً أفضل لشتى فئات الشعب وأجياله، إنما الأكثر تمثيلاً لهذا الحزب أو ذاك أو لهذا الاتجاه السياسي أو ذاك. واذا كان التنافس في الماضي بين القوى السياسية في الانتخابات يدور غالباً حول انتخابات رئاسة الجمهورية، أو حول اتجاهات سياسية داخلية أو خارجية، فإنها تدور حالياً حول أي سياسة ستكون للعهد الجديد وتكون مدعومة من أكثرية في مجلس النواب وفي مجلس الوزراء، فإذا كان لا بد للعهد الجديد من أن يسجل نجاحاً ويفي بوعده ويكون مختلفاً عن عهود سابقة، فينبغي أن تكون له أكثرية وزارية وأكثرية نيابية تدعم سياسته الخارجية المستقلة، وسياسته الداخلية التي تقيم الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها، فلا تكون دولة سواها ولا سلطة غير سلطتها ولا قوانين غير قوانينها ولا سلاح غير سلاحها. فمن دون أن تكون للعهد هذه الاكثرية، فمن الصعب أن يكون مختلفاً عن عهود سابقة عجزت عن إقامة هذه الدولة وعن حصر السلاح بها لتصبح وحدها مسؤولة عن حماية كل مواطن والدفاع عن الوطن.
يبقى أن القوى السياسية التي لديها هواجس من قانون الانتخاب، ولا سيما من تقسيمات الدوائر، فإنه يمكن تبديدها بالتحالفات الانتخابية التي تضمن لها الفوز بحصتها من المقاعد. وليس سوى التحالفات الانتخابية التي لا تعزل أو تلغي أي قوة تمثل مذهباً أو طائفة، ما يعوّض أي نقص في القانون أو غبن فيه يلحق بأي منها.
الى ذلك يمكن القول إن التحالفات الانتخابية تبقى أهم أحياناً من أي قانون. فـ"الحلف الثلاثي" اكتسح مقاعد جبل لبنان ولم يهتم بشكل القانون، وان تحالفات انتخابية تجمع قوى أساسية في لوائح واحدة وتلتقي على مبادئ واحدة تستطيع الفوز بأكثرية المقاعد النيابية حتى على أساس أي قانون. فالتحالف الثنائي الشيعي يستطيع الفوز بأكثرية المقاعد في الدوائر ذات الغالبية الشيعية. والتحالف الثنائي الماروني يستطيع الفوز بغالبية المقاعد في الدوائر ذات الغالبية المسيحية، فكيف إذا حصل تعاون مع أحزاب أخرى بحيث تصبح نتائج الانتخابات معروفة قبل إجرائها؟


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم