الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

المرأة المعنَّفة والشعب اللبناني المعنَّف: مصير واحد

حليمة القعقور
المرأة المعنَّفة والشعب اللبناني المعنَّف: مصير واحد
المرأة المعنَّفة والشعب اللبناني المعنَّف: مصير واحد
A+ A-

تعاني المرأة المعنَّفة الأمرّين من زوجها المعنِّف، حيث يمارس عليها كل أنواع العنف أحيانا، الاقتصادي والمعنوي وليس فقط الجسدي والجنسي. على الرغم من ذلك كله تقرّر البقاء معه، وتشعر بالضياع من دونه. غالبية النساء المعنّفات لا يتخذن قرار الطلاق ويبقين مع أزواجهن العنيفين، حتى أن نسبة 20 الى 50 في المئة من النساء اللواتي تركن معنِّفينهن، يعدن عن قرارهن، حيث يوحي الزوج العنيف والمراوغ بأنها لا تستطيع العيش من دونه، وبأنه يحبها ويقوم بذلك من أجلها، وبأن العنف هو الوضع الطبيعي.
نستغرب. نضع الحق على المرأة. نشجب قرارها. نحمِّلها المسؤولية حتى أكثر من المعنِّف أحيانا!
هو يضربها بإسم الحب، وهي تبقى معه أيضاً بإسم الحب!
أليست هذه نفسها حال بعض الشعب اللبناني مع زعمائه؟ ألا ينتهك الزعماء حقوق الناس كل يوم ويعنِّفونهم معنوياً واقتصادياً ويذلّونهم بشكل مباشر من أجل وظيفة، أو منصب، أو حماية قانونية أو غيرها؟ وبشكل غير مباشر، عبر انتهاك حقوقهم وتعريضهم للتلوث، والأمراض، والموت، واستهلاك بضائع مضرّة من دون أي حماية، وحرمانهم من الاستشفاء وغيرها من أنواع الذلّ والعنف؟
على الرغم من ذلك كلّه يبقى ما يسمّى "اللبناني" مع الزعيم المعنِّف ويدافع عنه!
تقرّر المرأة المعنَّفة البقاء مع المعنِّف لأسباب كثيرة، منها عدم استقلاليتها المادية، الخوف من الإنتقام، غياب الأمان والثقة بالنفس، الخوف على أولادها، وغيرها من الأسباب. بعض النساء لا يتركن الزوج العنيف لأنهن يخفن التغيير، أو يعتقدن أن الرجل سيتغيّر وأنه في حاجة إلى الوقت أو إلى أن تتغيّر ظروفه التي دفعته، على الرغم من إرادته، لأن يكون عنيفاً.
هكذا كانت ردود فعل بعض اللبنانيين خلال التظاهرات ضد النظام، التي أكّدت أن الوضع القائم هو أفضل من التغيير، وأن من الخطورة إحداث أي تغيير في ظل الظروف الإقليمية والدولية، وأن التغيير مستحيل، وأن لبنان سيبقى كذلك ولا جدوى من التحرّك.
هذا هو "اللبناني المعنَّف" الذي لا يملك الثقة بالنفس ولا يشعر بقيمته، ويرتبط إقتصادياً ومعيشياً بالفتات الذي يرميه زعيمه له.
اتّضح أيضا أن بعض النساء المعنَّفات يبقين مع الرجل لأنهن عشن في طفولتهن أذى وجرحاً، ليعدن فيكرّرن التجربة عندما يكبرن، حيث يملن إلى الأشخاص الذين يعنِّفونهن من دون أن يشعرن. حتى أن بعض النساء اللواتي يتركن أزواجهن، يرحلن إلى شخص عنيف آخر.
كذلك بعض الشعوب التي تتخلّص من ديكتاتور لتذهب إلى ديكتاتور آخر. هل من الممكن أن طفولة بعض اللبنانيين الملطّخة بالدماء والمليئة بالعنف في ظل الحرب، تجعلهم ميّالين لتكرار التجربة مع زعيم لا يحترمهم بل يذلّهم بشكل يومي؟
ألا تبرّر هذه الفئة المطواعة من الشعب اللبناني لزعمائها الأخطاء التي يرتكبونها وينسبونها إلى الظروف المحلية والإقليمية؟ ألا تقول إن زعماءها يريدون محاربة الفساد وإعطاء الشعب حقوقه لكن الظروف لا تساعدهم للقيام بذلك؟ ألا تصرّ على منحهم فرصاً عديدة وتقول إنهم سيغيّرون هذه المرة أداءهم؟ ألا يوحي زعماء الطوائف بأنهم يقومون بما يقومون به من خرق لقيم الديموقراطية للدفاع عنهم وعن الطوائف؟ في النتيجة يبقى هذا النوع من "اللبنانيين" مع الزعماء، بإسم الولاء لهم وللطوائف.
ألم يحن وقت الانتفاضة والبدء بإجراءات الطلاق في صناديق الإقتراع بين الشعب اللبناني والزعماء المعنِّفين؟
* أستاذة جامعية ودكتورة في القانون الدولي وناشطة في مجال حقوق الانسان.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم