السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

صناعة التوابيت تتداعى في طرابلس مع انحسار اعداد المسيحيين

المصدر: "أ ف ب"
صناعة التوابيت تتداعى في طرابلس مع انحسار اعداد المسيحيين
صناعة التوابيت تتداعى في طرابلس مع انحسار اعداد المسيحيين
A+ A-

عمل ميشال حمصي على مدى نصف قرن في صنع التوابيت في طرابلس شمال #لبنان، لكن الانحسار الكبير التدريجي في اعداد المسيحيين في المدينة وجه ضربة قاسية الى مهنته.


يجلس حمصي، وهو آخر صانعي التوابيت في طرابلس، منتظرا زبائنه على باب متجره في حي الزاهرية، الحي المختلط الذي هجره معظم سكانه المسيحيين ابان الحرب اللبنانية بين العامين 1975 و1990. وفيما يدفن المسلمون موتاهم في التراب مباشرة، يواري المسيحيون موتاهم في توابيت خشبية.


ولم يبع ميشال البالغ من العمر 65 عاما اي تابوت منذ مطلع العام 2016، وهو ما زال ينتظر وفود احد الى مشغله لطلب تابوت، وليس عبر الهاتف، فقد اوقف خطه الهاتفي عن العمل لعدم قدرته على دفع نفقاته. ويقول "المرة الاخيرة التي اشترى فيها احد تابوتا، كانت قبل عام. اشخاص اشتروا تابوتا لوالدتهم، اخذوا التابوت ورحلوا ولم ارهم منذ ذلك الحين".


وتدهورت اعمال حمصي مذ غادر عدد كبير من المسيحيين المدينة، لكنه ظل في مكانه يصنع التوابيت لمن بقي منهم.


ادلى اربعة الاف و500 ناخب مسيحي باصواتهم في الانتخابات البلدية التي نظمت سنة 2010 في طرابلس. لكن هذا الرقم لا يعبر عن الواقع، فكثيرون منهم مقيمون خارج المدينة.


بدأ ميشال بهذه المهنة في العام 1964، عمل اول الامر عند احد المنافسين، ثم انتقل الى مشغل والده.


في ذلك الزمن، كان العمل مزدهرا وكان يصنع مع والده يدويا اربعة توابيت الى خمسة في الشهر الواحد، وكان ثمن التابوت يتراوح بين مئة دولار والف. ويروي قائلا "حين بدأت بالعمل لم يكن والدي يسمح لي ان المس شيئا، كان يطلب مني فقط ان ارتب الادوات المستخدمة في صنع التابوت. وحين تعب، بدأت اعمل بيدي، واحب هو عملي". ويضيف "لم يعلمني والدي كيف يصنع التابوت، لكنه علمني حب الخشب".


ويتجلى ذلك في اصرار ميشال على البقاء في مشغله رغم انه لم يستقبل زبونا منذ عام. ويشتري الخشب من تجار الجملة، ويقطع الالواح يدويا، ثم يبدأ بجمع القطع لصنع التابوت.


ويقول لمراسل وكالة فرانس برس "ضع يدك هنا انظر كم هو خشن، ثم انظر الآن كيف اصبح ناعما مثل الحرير" وذلك بعد معالجة لوح الخشب.
بعد ذلك، يطلي التابوت مستخدما اكثر من فرشاة مختلفة في الحجم، ليعمل لاحقا على حشو الداخل بالقماش.


لا تبدأ عملية الصنع هذه عادة الا بعد ان يشتري الزبون التابوت، ويستغرق صنع التابوت الواحد ما بين ثلاثة ايام الى اسبوع.
لكن في ظل غياب الطلب يعمل ميشال على صنع تابوت واحد في الشهر، تحسبا لقدوم زبون مفاجئ.


عمل ميشال مع والده في هذه المهنة حتى العام 1982، حين سيطرت حركة التوحيد الاسلامي على مدينة طرابلس، فسافر الى المانيا ثمانية اشهر، ثم عاد حين مرضت والدته، واستأنف عمله مع والده.
لكن اعداد المسيحيين في المدينة كانت الى تناقص مستمر، ومع انتهاء الحرب في العام 1990 لم يعد ميشال يصنع اكثر من تابوت واحد في الشهر.
ولم ينعكس انتهاء الحرب عودة واسعة للمسيحيين الى طرابلس، فاضطر ميشال للعمل في شركة تنظيفات ليعيل زوجته وولديه.
وحال هذا الواقع الحزين دون نقل ميشال مهاراته الحرفية الى ولده، اضافة الى الصورة السلبية الملازمة لمهنته.


ويقول "في الكنسية، يلقي الناس التحية علي، لكن لا احد يتحدث معي اكثر من دقيقة، لعلهم يظنون اني قريب من الموت وان الاطالة في الحديث معي تقصر اعمارهم".


رغم كل ذلك، لا يفكر ميشال في ان يقفل مشغله، ويقول "اين اذهب؟ ربما يعود العمل يوما ما، وانا ليس امامي سوى ان اعمل او اموت".
ولم يصنع ميشال التابوت الذي يرغب ان يدفن فيه، ويقول "هناك خمسة في المخزن، يمكن لعائلتي ان تختار لي واحدا منها".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم