الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ما المضامين العميقة التي أرادها جنبلاط في "رسالته الإعلامية" أخيراً؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
A+ A-

لا ريب ان كثيرين توقفوا ملياً امام فحوى الكلام المفاجئ الذي اطلقه اخيرا رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط عبر الزميلة "السفير" معلناً فيه وبمرارة لا تخفى ان الرئيس السوري بشار الاسد قد حقق انتصارا، وعدّوا إطلاق مثل هذا التصريح في هذه اللحظة السياسية بالذات مستغربا من جهة، وينطوي على أبعاد تتصل بمستقبل الشأنين اللبناني والسوري على السواء، وتتصل استطرادا بطبيعة الخط السياسي الذي سيقرر زعيم المختارة سلوك معارجه مستقبلا. وهو بذا يتماثل الى حد بعيد مع شخصيات وقوى تقاطعت في السابق بالسر والعلن مع النظرة الجنبلاطية حيال التطورات والتحولات في الساحة السورية ومآلها في الآونة الاخيرة.


عنصر الاستغراب هو هذا التسرع من جنبلاط في إشهار ما سمّاه انتصار الاسد الحاسم عسكريا، فهو بذلك يغاير الى حد بعيد الانطباعات والاستنتاجات المتواضعة التي يسمح اركان النظام في سوريا لأنفسهم بالافصاح عنها، اذ يعتبرون ان الانتصارات الميدانية المدوية التي حصدها الجيش السوري وحلفاؤه في ثانية كبرى المدن السورية تنطوي على امرين: الاول، انها تؤذن بقفل الباب امام مقولة اسقاط الاسد واجتثاث نظامه.
الثاني، انه بداية النهاية الفعلية التي يمكن الاعتداد بها والبناء عليها جديا واكثر من اي وقت مضى للجرح السوري النازف بغزارة منذ 6 اعوام.
البعض يحبذ ان يدرج هذا الاستنتاج الجنبلاطي الحاسم لمآل المواجهات في الميدان السوري في خانة الاعتراف اولاً من الزعيم الاشتراكي بأمر واقع بات يستحيل نكرانه، خصوصا ان جنبلاط شرع بالهجس به والتخوف من حصوله منذ فترة، وتحديداً منذ ان تهافتت الوعود القاطعة لمعارضي النظام السوري على اختلاف الوان طيفهم بانهيار عاجل وحتمي للنظام ومؤسسته العسكرية امام هجومهم الواسع في بدايات "الثورة" والذي افضى خلال اشهر معدودة الى بسط سيطرتهم على ما يقارب الـ 60 في المئة من الجغرافيا السورية.
ولم يكن جنبلاط الوحيد الذي اقام على استنتاج ان نظام دمشق لن تقوم له قائمة وتصرّف على اساس انه راحل ولا شك، فثمة صحافيون على صلة وثقى بالوضع في سوريا تحدثوا عن ان الرئيس نبيه بري اتصل بهم مرارا، خصوصا في الآونة الاخيرة، ليسألهم بالتفصيل عن حقيقة الاوضاع في الميدان السوري، ولاسيما في عاصمة البلاد الاقتصادية.
وهذا الاقرار الجنبلاطي ينطوي بداهة على أبعاد واهداف تتصل خصوصا بالشأن الداخلي وبالخط البياني السياسي الذي يمكن ان يسلكه او يستهدي به في قابل الايام، إن على مستوى التعاطي مع العهد الجديد بعد ولوج العماد ميشال عون قصر بعبدا، وإن على مستوى طبيعة العلاقات والتفاهمات التي يمكن ان تنفتح ابوابها او تتعزز مع الآخر في الداخل.
ثمة في صف الخصوم السياسيين لجنبلاط من يسمح لنفسه بالاستشراف ان زعيم المختارة انطلق منذ زمن في رحلة التكيف العملي مع مرحلة سقوط منظومة الرهانات المعروفة لبعض القوى على مآل الامور في الساحة السورية، وبالتحديد منذ ان كفّ جنبلاط عن اطلاق التصريحات والمواقف الحادة في معاداتها للنظام السوري، والتي مثّلت في فترة مادة يومية، ثم منذ ان بدأ يفصح عن تقبّله لوقائع ومستجدات سياسية داخلية لها صلة بمعادلة ان النظام في سوريا ليس الى زوال. وفي هذا السياق كان تقبّله المبكر قياسا بسواه لمعادلة عون رئيساً ومن ثم تقبّله لحصة وزارية متواضعة قياسا بما سبق. وذروة الامر تجلّت في كشف بعض وسائل الاعلام انه طلب اخيرا تحديد موعد لقاء له مع الامين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله.
ومثل هذا اللقاء يمكن ادراجه في خانة العادي الذي يكشف عنه ساعة حدوثه او بعدها، خصوصا ان جنبلاط تعمّد في رمضان الماضي إعادة وصل ما انقطع او وهن مع الحزب عندما حل ضيفاً الى مائدة افطار لكتلة نواب الحزب. لكن طلب اللقاء الحالي يكتسب صفة الاستثنائية من معطيات عدة ابرزها: اولا، ان الكشف عن طلب اللقاء جاء من مصادر تحسب عليه عادة، وانه لم يسبق لوسائل الاعلام وفي الاحوال العادية ان تحدثت عن طلب لقاء على هذا النحو. ويأتي ثانيا من اول لقاء من نوعه يتم بعد الانعطافة الجنبلاطية الحادة والحاسمة الى جانب دعاة رحيل النظام السوري والعاملين جهاراً في سبيل تحقيق هذه الغاية.
وعليه فان ثمة من يتكهن من الان ان جنبلاط سيطلب في اللقاء ان يحقق ما عنوانه العريض: "انا اتوقع منكم ان تقفوا معي في اللحظات الصعبة كما وقفت معكم في لحظات مماثلة، وبالتحديد يوم اضطررتم الى ارتداء القمصان السود ونزلتم الى الشارع، فانتهت يومها معادلة لم تكن لمصلحتكم وبدأت معادلة اخرى. ومدخل الوفاء لي وانتم الذين تحرصون دوما على رد الجميل، يكون اليوم بقانون انتخاب يأخذ في الاعتبار هواجسي ومخاوفي المعروفة". ومن البديهي ان هناك من يجد مغزى اعمق للقاء المرتقب، وهو انه يأتي بعد وقت قصير على الاستعراض اللافت الذي نظمته "سرايا التوحيد" في الشوف باشراف حليف الحزب الوزير السابق وئام وهاب، وهو الامر الذي عُدّ في حينه رسالة تحدٍ مشفّرة موجهة الى جنبلاط بالذات ما اضطر زعيم المختارة الى الرد عليها.
وفي كل الاحوال، ثمة من يربط بين الكلام الجنبلاطي الاخير وبين الشق الآخر منه والذي تحدث فيه عن ان الحزب حذّره من اخطار امنية تترصده شخصيا وطلب منه أخذ الحيطة والحذر، وهو لذلك آثر الاقامة موقتا في عرينه في المختارة تحسّبا وتحوّطا.
واستطرادا، ثمة من يجد في كلام زعيم المختارة هذا اشارة فحواها ان جزءا من أمنه الشخصي مرعي من جانب الحزب حاضرا وربما مستقبلا. وكعادته دائما كان لجنبلاط قصب السبق في استشعار انه بدأ التكيف مع مقتضيات مرحلة جديدة أتى على بعض مواصفاتها من باب تجديد العلاقة مع الحزب الذي يعي انه من روافع العهد الجديد وان مساحة واسعة من رهاناته قد انتصرت، وهو يدرك قبل سواه ان الحزب يحتاج اليه دوما، وبالتالي فهو مستعد للتغاضي عن كثير من نهجه السابق وفتح صفحة جديدة معه تفتح له آفاقا يراها موصدة.


ibrahim.bayram @annahar.com.lb

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم