الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ميس الريم تكرّم مختار مخاتيرها بعد 11 عاماً على الغياب

المصدر: "النهار"
ميس الريم تكرّم مختار مخاتيرها بعد 11 عاماً على الغياب
ميس الريم تكرّم مختار مخاتيرها بعد 11 عاماً على الغياب
A+ A-

صار لمختار المخاتير طابعٌ بريدي يحمل اسمه. هو الذي غادر ميس الريم منذ احدى عشرة سنة وتركها ملعباً للصدى، لم يقل لأهالي القرية المنسية الى أين يلجؤون كلّما احتاجوه، سوى لأشرطة الماضي. لم يترك خياراً آخر. أين ايلي صنيفر اليوم من رتابة أداء المؤدّين؟ كيف ضاع الختم فجأة، وتضعضعت هويّة الشخصية المجسدة، وتفلفشت الأوراق الثبوتية وما عاد يوثّقها سوى طابعٌ من بريد الأمس. بعينين واعدتين وضحكةٍ معهودة وبذّةٍ أنيقة، وبخلفيةٍ من سراب حملت معها نفحات كواليس عشرات السنوات من عطاء الموهبة، حضر الغائب في طردٍ بريديٍّ وطابع لخّص كلّ الحكاية في صورة مكتوبٌ عليها اسمه، ولا شيء يشارك اسمه فيها سوى كلمة واحدة: لبنان. صورةٌ تلقي تحية "يسعد مساكم" وتطمئنك أن "الضيعة بألف بخير" وتعيدك الى زمن "العائلة السعيدة" عائلة "ست الحبايب يا بابا". يخاطبك صنيفر من الصورة ليقول لك "أنا أنت". يعاتب الغياب بلدغة رائه بعبارة "دوار يا زمن" ويعصره بالتسليم لمشيئة الرحيل "هذه حكايتي"، وحين تسأله عن "البديل" او تطالبه بالعودة من الصورة، يتحسّر كأنها "كانت أيام" ويردّ مذكراً "رحلت ذات صباح". كلّ ذلك الأرشيف تستحضره الصورة ببرهة، يبشّر بها جرس ساعي بريدٍ قادم من لعبة الزمن.


"لو أنه كان معنا اليوم، لكان فرح بهذه المبادرة، لأن هوايته المفضّلة كانت جمع الطوابع البريدية، وكانت لديه مجموعة مميزة منها خاصة به". بهذه العبارة جسّد نجل الممثل الراحل ايلي صنيفر الدكتور ايلي صنيفر في حديثٍ لـ"النهار" انطباع العائلة حول اللفتة التكريمية التي اطلقتها وزارة الاتصالات اللبنانية، ونفّذتها ليبان بوست بتاريخ 6 أيلول 2016 فأصدرت 30000 نسخة من طابع بريدي خاص بالفنان اللبناني بقيمة 250 ليرة لبنانية، فضلاً عن تحضير 700 مغلّف مرقم من اليوم الاول للاصدار ومتوفر بمبلغ خمسة عشر ألف ليرة لبنانية حتى نفاذ الكمية. ويروي صنيفر أن الخطوة الأولى تمثّلت من خلال اتصال مكتب وزير الاتصالات بطرس حرب بالعائلة، نقلوا لنا خلالها مسعاهم في اطلاق هذه المبادرة التكريمية تجاه والدي، وطلبوا منا اختيار صورة رسمية مناسبة لاعتمادها لتوضع على الطابع. فوقع خيارنا على صورة شخصية ليس لها علاقة بأداء أدواره التمثيلية". برأيه أن أكثر ما يسرّ في المسألة أنه عندما يكون لديك طابع باسمك فهذا يعني انك تمثّل شيئاً مهماً لهذا الوطن، وانك دخلت في الذاكرة الشعبية للوطن ونجحت في مسعاك هذا. ويعود فيؤكد "انها خطوة ذات قيمة معنوية كبيرة، لأن ايلي صنيفر شخص أعطى حياته للفن التمثيلي اللبناني اضافةً الى اجمل اعماله التي قدمها، هو الذي كان يؤدي ادواره باللكنة البلدية اللبنانية، ويجسد العادات والتقاليد والتراث اللبناني ويعبّر عن الهوية اللبنانية".


التكريم بين الحياة والممات
لا يخفي صنيفر أنه كان لهذه الخطوة أثرٌ أكبر لو أنها صارت قبل رحيل والده، وينوّه غامزاً بالخطوة التي أقدمت عليها بلدية حراجل في الكشف عن تمثالٍ تكريمي للشاعر موسى زغيب خلال حياته. ويقول متأسفاً: "لو كان ايلي صنيفر ما زال على قيد الحياة لشهد على هذه الخطوة التكريمية الملفتة وفَرِح بها كثيراً، لكن هذا هو بلدنا لبنان حيث الفن والثقافة مهمشة قليلاً ولا تأخذ حيّزاً واسعاً. فالجميع يبحثون اليوم عن وزارات سيادية او خدماتية، ولكنهم يهملون الوزارات ذات الطابع الثقافي او الفني كالتربية والثقافة والشباب والرياضة التي من شأنها أن تقدِّم جديداً للبلد". لكنه يعود فيؤكد أن ايلي صنيفر كان محظوظاً لأنه كرّم في حياته كما في مماته، وهو في النهاية يشهد مسرورًا على كلّ ما يجري حيث هو الآن. ويردف انه من عادات الطبيعة الانسانية ان يكرّم الانسان بعد ان يفارق الحياة، وكذلك القاعدة السائدة في لبنان التي تكرّم الشخص بعد الرحيل.


قناة تجمع 90% من اعماله
قد يكون من الصعب وضع جميع اعمال ايلي صنيفر التمثيلية في متناول اليد، رغم وجود أجزاءٍ قليلة منها مبعثرة في وسائل التواصل الاجتماعي. في هذا الصدد، تسعى العائلة الى المحافظة على الذكرى التي تركها والدهم من خلال افتتاح موقع خاص على قناة "يوتيوب" يضم كافة اعماله ومقابلاته التلفزيونية والاذاعية والمكتوبة. فيساهم ذلك في ان يصبح أرشيفه في متناول الجميع ليتعرفوا عليه وعلى اعماله التي أحيت حقبة جميلة من تاريخ لبنان، فضلاً عن اعتبارها خطوة تكريمية للفنانين والممثلين الذين عملوا معه في تلك الفترة. وبالتالي المساعدة في اعادة تسليط الضوء عليهم والمحافظة على صورتهم من خلال القناة خصوصاً انهم لم يكرّموا في زمنهم او حتى بعد رحيلهم. وعن موعد إطلاق الموقع على "يوتيوب" يشير صنيفر الى أن "مشروع الارشيف سوف ينجز بجهد اناسٍ يساعدون العائلة في توثيق السيرة الفنية، اضافةً الى تلفزيون لبنان الذي أبدى تعاوناً بشخص مديره، وبالتنسيق مع كلٍّ من "المؤسسسة اللبنانية للارسال" والـ "أم تي في" والـ "أن بي أن". هذا فضلاً عن الاذاعات التي عمل فيها الراحل كالاذاعة اللبنانية وصوت لبنان ولبنان الحر وصوت الجبل سابقاً، اضافةً الى المقالات والمقابلات التي سبق ان اجريت معه في الصحف والمجلات". ويؤكّد أن هذه الخطوة ستساهم في جمع حوالى 80 الى 90% من مجموع ارشيفه الفني ومحطاته البارزة. ويكشف لـ"النهار" عن مسعاه في تحويل العديد من الاعمال القديمة بالأسود والأبيض الى اعمال ملونة من خلال استخدام تقنيات تكنولوجية متطورة.


الوصية التي تركها ايلي صنيفر لأبنائه قبل مغادرته العالم المحسوس، هي أن لا تسرقهم تذاكر السفر، ولا تشتت انتباههم مشاغل العمل وهموم الحياة عن وطنهم. في كلّ رحلةٍ كانوا يحجزون فيها مقعداً في طائرة، كان مختار المخاتير يحثّهم دائماً على العودة القريبة الى لبنان، وأن لا يتأخروا في أسفارهم مهما كانت الاسباب. ولعله اودع وصيته مجدداً بعد احدى عشرة سنة مع جرس ساعي بريدٍ يحمل معه مغلّفاً وطابعاً كتب عليه: "ايلي صنيفر - لبنان".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم