الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

حرب كردية أهلية باردة... أم تبادل أدوار؟

زانا عمر- صحافي سوري كردي
حرب كردية أهلية باردة... أم تبادل أدوار؟
حرب كردية أهلية باردة... أم تبادل أدوار؟
A+ A-

يفصل بين الإقليمين الكرديين في كل من سوريا والعراق وعلى طول 7 كيلم نهر دجلة. على ضفتي دجلة كيانان كرديان قيد التشكل، في الضفة الشرقية "إقليم كوردستان العراق" الذي يطمح رئيسه مسعود البارزاني إلى إعلان استقلاله الوشيك عن العراق، وفي الضفة الغربية حكومة الإدارة الذاتية في "روجافا" التي يترجمها محرك البحث غوغل "كردستان سوريا".


كُرد ضفتي دجلة مختلفون في نمط الحكم والادارة والسياسية، وثمة بين الطرفين حرب إعلامية طاحنة ينعت كل طرف الآخر المختلف عنه بصفات تتدرج حتى تصل إلى التخوين المباشر.


حرب أهلية كردية باردة
على الضفة الشرقية من نهر دجلة، وهو الجزء الكردي الملحق بدولة العراق المعروف دستورياً بإقليم كوردستان العراق، تتقاسم السلطة قوتان من البيشمركة تتبعان للبارزاني والطالباني. إدارياً: مسعود البارزاني رئيساً للاقليم، نيجرفان البارزاني رئيساً للحكومة ومسرور البارزاني رئيساً للجهاز الامني.
وعلى الضفة الغربية من النهر: سيطرة عسكرية كاملة لوحدات حماية الشعب الكردية المرتبطة أيديولوجياً بفلسفة "عبد الله أوج آلان" زعيم حزب العمال الكردستاني، والذي يسعى إلى تطبيق مفاهيم "المجتمع الديموقراطي" في إطار إقليم فيدرالي ضمن سوريا التعددية الموحدة.
إدارياً: شُكّلت "الإدارة الذاتية الديموقراطية" من حركة المجتمع الدمقراطي تف- دم بالتحالف مع تسعة أحزاب سياسية أخرى، وباتت هذه الإدارة بمثابة "سلطة الامر الواقع".
على كلتا الضفتين ثمة إصرار على التفرد، فالبارزاني رغم انتهاء ولايته بقي في منصبه وتم تأجيل الانتخابات والاكتفاء بقرار جلسة برلمان إقليم كردستان التي انعقدت بغياب المعارضة. وعلى الطرف الغربي من دجلة ورغم ثلاث اتفاقيات بين حركة المجتمع الديموقراطي والمجلس الوطني الكردي "الموالي للبارزاني" والعضو في "الائتلاف الوطني" للمعارضة السورية إلا انها بقيت خارج دوائر الشراكة.
يمتلك كلا الطرفين قنوات فضائية عدة وعشرات الإذاعات والمئات من المواقع الالكترونية وعشرات الآلاف من الأنصار والمؤيدين في مواقع التواصل الاجتماعي تدور في ما بينهم حرب الكترونية شرسة لم تنجح حتى اليوم ولحسن الحظ في جر الطرفين إلى مواجهة عسكرية مباشرة أو غير مباشرة.


هل الكرد منقسمون بالفعل؟
يميل المزاج الشعبي الكردي بقوة إلى فكرة أن على كل الأطراف السياسيين الكرد توحيد صفوفهم لمواجهة التغيرات السياسية الهائلة والمتسارعة في الشرق الاوسط وعلى وجه التحديد في كل من سوريا والعراق، وهو أمر يبدو من وجهة النظر المنطقية والوطنية مطلباً حقاً، ولكن في حقيقة الأمر إن لتوحيد الصف الكردي هذا نتائج وعواقب قد يستحيل على الكرد مجتمعين تحملها لأسباب منها الديموغرافي ومنها الأيديولوجي.
فعلى ضفتي دجلة نموذجان كُرديان مختلفان بل متناقضان في الحكم والإدارة؛ في كردستان العراق - البارزانيون تحديداً - يتبنون خطاباً قومياً كلاسكياً مجبولاً بالإرث النضالي الكردي لقياداتهم الدينية، فترى عموم المتنفذين – من ذكور العائلة - يتحدرون من عائلات محافظة، والنساء مغيبات عن المشهد تماماً، والتبعية للقائد تحمل صبغةً أقرب إلى الصوفية.
الخطاب قومي مباشر وأقرب ما يكون إلى مشاعر عامة الناس، ومن ذلك سعي الرئيس البارزاني إلى التلويح بورقة الاستقلال عن العراق وإعلان الدولة الكُردية علانية وبطريقة مباشرة وتقليدية على خلفية ثقته اللا متناهية بالزخم الشعبي المؤيد.
أما في الجانب الآخر من الضفة، فتُدار الأمور بطريقة مختلفة تماماً:
يختلف الشريط الجغرافي المتصل من "ديريك" حتى "عفرين" ديموغرافياً عما هو عليه الحال في إقليم كوردستان، وليس الأمر مطلقاً بهذه السهولة التي يبدو عليها. أعني أن يقوم كرد سوريا باستنساخ تجربة كورد العراق وتبني فكر القومية الكلاسيكية من رموز تاريخية وأعلام وأسماء لأن في "روج آفا" خليط عرقي وديني غير متجانس، لذلك فإن أي خطاب قومي كردي مباشر وكلاسيكي قد - بل حتماً– سيشعل شرارة حرب داخلية بين أكبر مكونين: العرب والكرد.
مع قدوم سنة 2011 وبدء الحراك الشعبي ضد حاكم دمشق، انطلقت حركة المجتمع الديموقراطي الساعية لتطبيق مفهوم "المجتمع الديمقراطي" في الشمال السوري وتطلب الامر بناء قوة عسكرية على الأرض فكان في العام نفسه تأسيس وحدات حماية الشعب YPG التي أصبحت في ما بعد واحداً من أقوى الأطراف العسكريين المتصارعين في أتون الحرب السورية. استفادت "وحدات حماية الشعب" من رجوع عناصر حزب العمال الكردستاني السوريين الى سوريا في الفترة التي أعقبت اعتقال الزعيم الكردي عبد الله أوج آلان عام 1999 ومن ثم انطلاق عملية السلام مع تركيا وتوقف الحرب مع الجيش التركي وقتذاك.
اعتمدت حركة المجتمع الديموقراطي سياسة "الخط الثالث" أي لا مع النظام ولا مع المعارضة، ولكن مع خط يقوم على النأي بالنفس والاكتفاء بحماية مناطقها الخاصة.
وبعد ظهور " داعش" استحوذت وحدات حماية الشعب الكردية على اهتمام التحالف الدولي بخاصة بعد انتصاراتها المتوالية على التنظيم الإرهابي من جهة، وفشل المشروع الأميركي في تسليح المعارضة السورية المعتدلة من جهة أخرى.
الخطاب في كلتا الحالتين، العسكري منه والسياسي، في غربي كردستان بعيد من المباشرة، والتنوع الاثني في غربي كردستان يعطي لهذا الخطاب واقعيته وديمومته. وفي وقت يتهم فيه جزء كبير من الكرد "وليس البارزانيين فقط" أصحاب هذا الخطاب بأنه "غير كردي"، يرى المدافعون عن نظرية "المجتمع الديموقراطي" أنه ليس بإمكان الكرد ولا العرب أن يبيد بعضهم البعض ولا بد من التعايش في ما بينهم. لذا، فإن فيدرالية الشمال السوري التي تحقق للكرد الحفاظ على كيانهم تضمن في الوقت نفسه تقبلاً واعترافاً من الجار العربي.


"بيشمركة روج" و "سيمالكا " أوراق البارزاني المستدامة
معبر سيمالكا: على طول الأزمة السورية، عقدت اجتماعات دولية ربما كانت واحدة من أعظم إنجازاتها أنها استطاعت إخراج المدنيين من داريا والمعضمية وإدخال المساعدات الانسانية. وإلى الآن لم ينجح المجتمع الدولي في فتح ممرات إنسانية آمنة في حلب، بينما منذ 2014 يربط بين شطري الحلم الكردي معبر نهري نشط تمر عبره شاحنات التجار وقوافل المساعدات، هذا المعبر يدعى " سيمالكا".
"غربي كردستان" محاصر من كل الجهات، فداعش يسيطر على المناطق السورية المحاذية للحلم الكردي في الجنوب، وتركيا أغلقت ثمانية معابر على الحدود الشمالية وصار الكرد أشبه بسجين في غرفة إنعاش.
ومن جهة أخرى، تحول معبر "فيش خابور- سيمالكا" الذي يديره من الجانب العراقي حزب البارزاني إلى إحدى أهم أوراق الضغط منذ 2014 حين مرت اولى القوافل الانسانية من الضفة الشرقية الى الغربية. فقد شهد المعبر ولا يزال إغلاقاً متكرراً من جانب إقليم كوردستان العراق. في العلن يطالب "البارزاني" بإشراك "المجلس الوطني الكردي" في إدارة المعبر، أما السبب الذي أظهرته إحدى وثائق "ويكليلكس" فقد كان تلقي الاقليم مبلغ 200 مليون دولار أميركي من الحكومة التركية لقاء إقفال المعبر وادعت سلطات الإقليم من جهتها أنه قرض واجب السداد.


"بيشمركة روج "
مع انطلاقة الاحتجاجات ضد بشار الاسد، انشق الجنود الكرد السوريون مثل كثير من الجنود السنة في الجيش السوري. التجأ معظمهم إلى اقليم كوردستان العراق لتتشكل منهم وبرعاية وإشراف من بيشمركة "زيرفاني - بيشمركة حزب الديموقراطي الكردستاني" قوة باتت تعرف بـ "بيشمركة روج" اي بيشمركة كرد سوريا الذين يتبنون علم إقليم كوردستان العراق وخطاباً قومياً هدفه المساهمة في إسقاط النظام السوري في المناطق الكردية وتبني القضية القومية للكرد في سوريا. لم تتجاوز أعدادهم طوال السنوات الاولى من عمر الازمة السورية بضع مئات، ويقول بعض التقارير إن عددهم نحو 650 مسلحاً وقتذاك .
تلقت "بيشمركة روج" تدريبات على يد البيشمركة، وبأسلحة حديثة، كما شاركوا في العديد من المعارك ضد "داعش" في كوردستان. وعقب الأزمة الاقتصادية التي عصفت باقليم كوردستان وقطع الحكومة المركزية لرواتب موظفي الإقليم، بالإضافة إلى تشجيع أحزاب المجلس الوطني الكردي وسلطات الاقليم، انضم عدد كبير من الشباب العاطل عن العمل من كرد سوريا في مخيمات اللجوء في كوردستان إلى صفوف بيشمركة روج لتقول بعض التقارير إن أعدادهم قد أصبحت بالآلاف.
منذ تاسيس قوة "بيمشركة روج" والمجلس الوطني الكردي يطالب بعبورهم النهر من الضفة الشرقية الى الغربية ليكون بمثابة الجناح العسكري للمجلس الوطني الكردي ومخالبه في فرض شراكة فعلية مع حركة المجتمع الديمقراطي TEV-DEM الحاكمة، إلا أن هذا العبور لم يتحقق حتى الآن.
مع اتساع الهوة بين قطبي السياسية الكردية في سوريا، تطورت الأمور إلى سجن عدد من قيادات المجلس الوطني الكردي على يد "الاسايش"، قوات الامن الكردية التابعة للإدارة الذاتية، وظهر قلق جدي في الشارع الكردي الشعبي في أنه إذا ما تم هذا العبور سواء باتفاق أو بدونه فسيشهد كرد سوريا حرباً أهلية هي تكرار لتجربة كوردستان العراق المأسوية بين قوات البارزاني وقوات الطالباني والتي راح ضحيتها - وفقاً لمصارد حقوقية في الاقليم - نحو عشرين ألف مقاتل كردي.
واستناداً إلى ما سبق، ترفض حكومة الإدارة الذاتية هذا العبور لأنه سيعني وجود قوتين عسكريتين لكل منها مرجعيتها السياسية المختلفة عن الاخرى لا بل متناقضة تماماً.
لكن مع افتراض عدم وجود "بيشمركة روج" في كوردستان العراق، كيف كان ليكون عليه المشهد؟
يقول واقع الحال إننا كنا سنشهد وجود العديد من المجموعات المسلحة الصغيرة والمتناحرة في كردستان سوريا تحت اسم "البيشمركة"، وهو أمر كارثي بالنسبة إلى الكرد في سوريا، ولآلت الامور على نحو ما آلت اليه في عموم سوريا: أمراء حرب ومناطق نفوذ ومجازر متبادلة. ولكن مع وجود نقطة استقطاب هي "بيشمركة روج" في إقليم كوردستان بات صعباً تشكيل مجموعات في الداخل لأنها حينها فاقدة الشرعية حتماً وسيكون من السهل على وحدات حماية الشعب الكردية وأدها في مهدها دون إثارة مشاعر الشارع الكردي.
وبالفعل كانت هناك مع بدايات 2011 وحتى 2012 مجموعات صغيرة مسلحة تحمل أسماء كردية وترفع علم الثورة السورية سرعان ما انطفأت.
في رأيي إن البارزاني برعايته لبيشمركة روج قد قدم لـ"خصمه" الكردي في الضفة الغربية من النهر هدية على طبق من ذهب رغم استغلاله السياسي لها كورقة ضغط سياسية على "خصمه" معتمداً على ما يحمله هذا الاسم من القداسة في وعي المجتمع الكردي.


"كردستان حلم" جملة طالما رددها الشعب الكُردي متحسراً. ولكن معنى الحلم يختلف بين الكردية والعربية؛ فهو في الكردية "الطموح " و "الممكن" بينما في العربية ألصق بمعاني "الخيال" و "المستحيل".
يتجه إقليم كوردستان العراق نحو إعلان الاستقلال الذي، حتى وإن لم يتحقق، فإن الكرد هناك قد نجحوا أخيراً في ضمّ المناطق المتنازع عليها مع الحكومة المركزية التي كانت تشكل نحو 60% من الجغرافيا الكردية هناك. وفي الضفة الغربية، تقترب "فيدرالية الشمال السوري" ببطء ولكن بتصميم من نيل الاعتراف الدولي.
لا شك في أن تبادل الادوار الخفي هذا بين قطبي القوة الكردية على ضفتي دجلة يخفف من وطأة ضغط أعداء الكرد عليهم، ويحقق نصف الحلم الكردي على الأقل من باب أن "نصف رغيف خير من الجوع".


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم