الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

دقِّقوا في مقولة "الرئيس صُنِع في لبنان"!

سركيس نعوم
سركيس نعوم
دقِّقوا في مقولة "الرئيس صُنِع في لبنان"!
دقِّقوا في مقولة "الرئيس صُنِع في لبنان"!
A+ A-


يعزّ عليّ أن أناقض صديقاً قديماً هو الدكتور سمير جعجع رئيس "حزب القوات اللبنانية" في موقف أعلنه، بعدما صار حليفه الجديد العماد ميشال عون مؤسّس "التيار الوطني الحر" مرشّحه لرئاسة الجمهورية، ومرشّح الرئيس سعد الحريري زعيم "تيار المستقبل". ويعزّ عليّ أن أبدو في هذه المقالة مشكّكاً في لبنانية رئيس جمهوريتنا الجديد. لكن الموضوعية، التي احترمها فيّ القرّاء ومنذ بداية كتابتي "الموقف هذا النهار" عام 1980، رغم الاختلافات الكثيرة معهم في السياسة والتحليل والاستشراف، هي التي تدفعني الى مصارحتهم بالقول إنهم يتعرّضون لغسل دماغ من خلال التأكيد لهم يومياً أن الرئيس الجديد للجمهورية "صُنِع في لبنان"، خلافاً للرؤساء الاثني عشر الذين سبقوه الى بعبدا وقبلها الى زوق مكايل في كسروان والقنطاري في بيروت. فالرئيس الأول "صُنِع" في لندن وكذلك الرئيس الثاني. والرئيس الثالث "صُنِع" في القاهرة وواشنطن. والرئيس الرابع صُنِع في الفاتيكان وربما فرنسا وجزئياً في القاهرة. إذ إن رئيسها الراحل جمال عبد الناصر "استفظع" أن الرئيس فؤاد شهاب يُرشّح خلفاً له نسيبه الأمير عبد العزيز شهاب فعلّق: "هل صار لبنان إمارة؟". والرئيس الخامس الذي يتبجّح كثيرون أنه الوحيد الذي صُنِع في لبنان "صُنِع" في القاهرة إرضاءً لموسكو الغاضبة من "الشهابية" العسكرية بسبب قضية "الميراج". والرئيس السادس صُنِع في دمشق وواشنطن. والرئيس السابع الذي قُتِل قبل أن يتسلّم سلطاته الدستورية صُنِع في إسرائيل ثم واشنطن وزكّي أخيراً في الرياض. والرئيس الثامن "صُنِع" في إسرائيل بموافقة أميركية وأوروبية وبسماح من دمشق. والرئيس التاسع صُنِع في الرياض وواشنطن بسماح من دمشق، لكنه قُتِل قبل أن يتسلّم، "فصُنِع" الرؤساء العاشر والحادي عشر والثاني عشر في دمشق بموافقة الرياض وواشنطن.
أما الرئيس الثالث عشر، الذي احتُفل به بصدق لأسباب عدة أبرزها إنهاؤه الشغور الرئاسي، واعتماده على قاعدة شعبية مسيحية واسعة يستطيع الاستناد إليها لإعادة المساواة الى الشراكة في السلطة بين المكوّنات اللبنانية، فقد "صُنِع" في مقر قيادة "حزب الله" في الضاحية الجنوبية للعاصمة. وهو طبعاً حزب لبناني حقّق إنجازات مهمة أبرزها طرد الاحتلال الاسرائيلي لأجزاء من لبنان، لكنه مرتبط سياسياً وايديولوجياً ودينياً بالجمهورية الاسلامية الإيرانية التي بادر رئيس جمهوريتها الشيخ حسن روحاني الى الاتصال بعون مهنئاً، ثم بادر مستشاره الدكتور علي ولايتي الى الترحيب بانتخابه، معتبراً ذلك تكريساً لمحور الممانعة والمقاومة الممتد من طهران الى بغداد ودمشق وبيروت. ويبدو أن العواصم الإقليمية والدولية مقتنعة بذلك رغم حضور ممثليها جلسة الانتخاب، ورغم الديبلوماسية السعودية الاخيرة في اتجاه بيروت التي كانت للاستطلاع، ولتأكيد الاستمرار في لبنان رغم دخوله "العصر الايراني".
الى ذلك، كانت المواقف الرسمية والمعلنة لـ"الحزب" تشير الى أن رئاسة أولى حكومات الرئيس الجديد عون صُنِعت في "الضاحية" أيضاً. وهي ستُعلن خلال أيام بعد استشارات بعبدا ومجلس النواب إلا إذا طرأ ما يوجب الإرجاء أو الإلغاء.
وعندما يُعلن السيد حسن نصرالله أن "قبولنا" الحريري رئيساً للحكومة تضحية كبيرة، وعندما يقول مباشرة ومداورة أكثر من مرة إن فريقه لن ينزل الى مجلس النواب إلا بعد ضمان انتخاب عون رئيساً، يكون يبلّغ الجميع أن "عصرنا" المحلي والاقليمي قد بدأ. طبعاً لا ننكر أن شعبية عون جارفة وشعبية جعجع كبيرة لكنهما لا تصبحا "فاعلتين" إلا بـ"الاتحاد" مع شعبية "الحزب" أو بالتنسيق الوثيق معها.
أين يمكن "صرف" الاعتدال العوني المفاجئ حيال عرب السعودية وسنّة لبنان والمجتمع الدولي؟ وهل سينجح الرئيس عون في ترجمته واقعاً يضع لبنان على طريق الحلول؟ هذان سؤالان يجيب عنهما هو وحده، لكن لا بد من لفت الجميع الى أن "الحزب" وحليفته إيران قد يقلقهما الاعتدال لأنه قد يعزّز مسيحياً "القوات" المعارضة لهما، وقد يفتح باب عودة الفاعلية الى لبنانيي السعودية.
في النهاية، أعتقد أن على جمهور عون الكبير في الساحة المسيحية أن يعرف اذا كان عون الذي يفرح بانتصاره هذه الأيام هو عون 1990. ولا يرمي ذلك الى التشكيك بل الى التأكد من المستقبل، ولا الى إلغاء أي دور لشعبية عون اللبنانية المسيحية والمسلمة في وصوله الى قصر بعبدا، بل لإقناع أصحابها بأن القرار النهائي ليس لها.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم