السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

ظاهرتان لافتتان: قروض عقارية دون فوائد وارتفاع أسهم سوليدير بنسبة 25%

مروان اسكندر
مروان اسكندر
ظاهرتان لافتتان: قروض عقارية دون فوائد وارتفاع أسهم سوليدير بنسبة 25%
ظاهرتان لافتتان: قروض عقارية دون فوائد وارتفاع أسهم سوليدير بنسبة 25%
A+ A-

بدأت مصارف سويسرية استثمارية تسوق خدمة تبدو مستغربة لكنها لافتة وخصوصاً اذا أنعم المراقب النظر في أسبابها.


تعرض هذه المصارف قروضاً دون فائدة لمن يملك عقاراً مرتفع القيمة في أوروبا الغربية، والقروض التي تعطى دون فائدة يمكن أصحابها إما تكليف المصرف ادارتها، وإما التصرف بها دون قيد حين يكون العقار المعني مرهوناً لمصلحة المصرف.
ما هو سبب هذه المنهجية؟ من المعلوم ان المصارف، نتيجة الاصدارات الضخمة للمصارف المركزية في الولايات المتحدة وأوروبا، باتت تشكو من تخمة في الودائع وندرة في فرص توظيف الاموال في الاستثمار، ومعدلات الاستهلاك في تناقص الامر الذي يسهم في خفض معدلات النمو وسيل الابتكارات يميل الى الجفاف، وتالياًً فإن طلبات الاقتراض أقل بكثير من الامكانات المتاحة ومصارف الاعمال بصورة خاصة تبحث عن مجالات للاقراض.
ترتكز التسهيلات السويسرية على مفهوم مترسخ أن العقار في موقع جيد، وأن بلداًً مستقراً لا بد ان يحقق مستويات تفوق المتوقع من عائدات قروض بفوائد متدنية. ومعلوم ان القروض في أوروبا الغربية والى حد ما في الولايات المتحدة صارت توفر لمن يحوزون مؤهلات الاقتراض المضمون بفوائد تراوح بين 2 و4 في المئة حسب وجهة الاستعمال.
المصارف تبحث عن فرص توظيف والودائع لديها تتضخم وليس هنالك نمو حقيقي في البلدان الصناعية العريقة، والصين التي تحقق بعض النمو، يشكك في ادائها غالبية الاقتصاديين الغربيين، علماً بان معدلات نمو الصين استمرت مستقرة خلال السنوات الثلاث المنصرمة.
والبحث عن الاقراض المضمون دفع نحو 20 مصرفاً عالمياً الى التهافت على الاسهام في قرض لعشر سنين طلبته المملكة العربية السعودية، وحيث ان الاقتراض كان على مستوى 17 مليار دولار، وبما ان المشككين في الإدارة الاقتصادية في السعودية متعددو الهوية والهوى، كان الافتراض أن هذه الاصدار الذي هو لعشر سنين لن يحقق النتيجة المرجوة.
لكن النتيجة جاءت تدحض توقعات المشككين. فالمصارف التي أبدت استعدادها للمشاركة في الاصدار فاق عددها20 مصرفًا دوليًا، منها مصارف اوروبية... ومصارف بريطانية، واميركية، والمانية، وسويسرية، ويابانية. و حصيلة الاكتتاب في الاصدار بلغت 68 مليار دولار، أي ما يساوي أربعة اضعاف المبلغ المطلوب، علمًا بان معدل الفائدة أربعة في المئة فقط وذلك لمدة 10 سنين.
كيف نوفق بين التشكيك في القدرات السعودية وما تحصل من التزامات؟
وبالطبع حصرت السعودية اقتراضها بـ17 ملياراً، وقد تقدم على اصدارات أخرى مستقبلاًً. وما لا يدركه المحللون أن السعودية تستطيع عبر تسعير لاستهلاك البنزين والكهرباء والمياه على مستويات مقاربة للكلفة، توفير 20 مليار دولار سنويًا، ناهيك بمردود الصندوق السيادي الذي يكتنز 540 ملياراً.
* * *
ماذا حصل في لبنان كي ترتفع أسعار أسهم شركة سوليدير بنسبة 25 في المئة خلال بضعة أيام؟
البعض فسّر ذلك بقرب انفراج انتخابات رئاسة الجمهورية، لكن الواقع هو ان اصحاب الاموال من المدخرين الصغار الى الرأسماليين يبحثون عن مجالات لاكتساب مردود على ما لديهم. ولولا الهندسة المالية التي قام بها مصرف لبنان في آب وايلول 2016 لما كان ثمة مجال لاستمرار الفوائد المجدية للمدخرين والمتقاعدين، كما ان حساب ميزان المدفوعات كان يميل الى مواجهة عجز يتجاوز 2,2 ملياري دولار على مدار السنة وقد تحول التوقع من العجز الى تحقيق فائض قد يتجاوز 500 مليون دولار.
ارتفاع أسعار أسهم سوليدير كان بمثابة ارتداد لما يجري في أوروبا. فالاقتراض دون فائدة لمالكي العقارات المميزة نتج من ضيق مجالات الاستثمار في هذه القارة، وبما ان المجالات ضيقة في لبنان، على رغم برامج التحفيز والدعم المتعددة، توجه المستثمرون الى شراء اسهم سوليدير لانهم يدركون ان قيمة هذه الاسهم معلقة على قيم الملكيات الجاهزة للشركة والملكيات القابلة للتطوير في أفضل موقع في بيروت. وهكذا فإن التوجه الاستثماري الذي تجلى في المقام الاول في شراء أسهم سوليدير ما هو إلا تعبير عن الاقتناع بقيمة العقار في المديين المتوسط والطويل أكثر من الاقتناع بتراكم الفوائد على المدخرات.
لقد شهدت أيضاً أسهم وسندات بنك عودة وبلوم ارتفاعًا لم يتجاوز الخمسة في المئة لان نتائج الهندسة المالية لمصرف لبنان بدأت تظهر في زيادة رؤوس أموال المصارف المعنية، خصوصاً أنها التزمت تخصيص هذه الارباح لما يسمى Tier II capital أي الاموال الترسملية المساندة.
بعد كل ذلك، يبقى السؤال الراسخ في الاذهان كيف للاقتصاد ان يتحرك، وكيف لكتلة الشقق المعروضة للبيع بأسعار كانت مجزية قبل ان تنخفض ان تسوق، وهذه الكتلة توازي قيمتها على الاقل في بيروت 10 مليارات دولار. وللتذكير، اذا احتسبنا قيمة الثروة المادية المتوافرة في لبنان، تتجاوز القيمة العقارية بكثير قيمة الودائع اللبنانية البالغة 130 مليار دولار.
إن ارتفاع اسعار العقارات يرتبط بمستويات النشاط في البلد المعني، وسهولة الحياة، وضمان الصحة، ومستويات التعليم، ووضوح القوانين، وابعاد اعتبارات المحسوبيات، وانطفاء رغبة التسلط بالسلاح، كما الحفاظ على النظافة والبيئة.
لو توافرت هذه الشروط في بيروت وضواحيها، ومن الاسهل توافرها في القرى، لكانت الثروة العقارية أكبر بكثير مما هي اليوم. وعلى رغم التوجه الى أسهم سوليدير، لن نستطيع ان نقطف المنفعة من ترغيب اللبنانيين الميسورين ورجال الاعمال العرب وعائلاتهم في الاقامة في لبنان لاكتساب العلم، والتمتع بمناخ ثقافي متعدد اللون، وتوافر عنايات طبية تسابق الزمن، ما لم نشدّد على حقوق الملكية ونحقق مستويات النظافة والخدمات العامة، كالكهرباء، والمياه، والطرق، وتنظيم السير، والتعجيل في العدالة، والابتعاد عن المحسوبية.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم