الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

إسرائيل تزيل تدريجياً العقبات أمام غازها... انطلاق المحادثات حول الأنبوب البحري انذار أخير للبنان لإقرار المراسيم

موريس متى
إسرائيل تزيل تدريجياً العقبات أمام غازها... انطلاق المحادثات حول الأنبوب البحري انذار أخير للبنان لإقرار المراسيم
إسرائيل تزيل تدريجياً العقبات أمام غازها... انطلاق المحادثات حول الأنبوب البحري انذار أخير للبنان لإقرار المراسيم
A+ A-

أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم ونظيره الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في 27 حزيران الفائت اعادة تطبيع العلاقات بين بلديهما رسمياً بعد قطيعة دامت ستة اعوام نتيجة الهجوم الاسرائيلي على سفينة "مرمرة" التركية عام 2010 التي كانت تسعى الى كسر الحصار عن قطاع غزة المحاصر.


بعد اشهر من المفاوضات السرية والعلنية، عادت المياه الى العلاقات بين اسرائيل وتركيا على كل الصعد وبخاصة في ما يتعلق بمشاريع الطاقة والغاز المشتركة، والتي تُعتبر السبب الاساسي وراء اعادة تطبيق هذه العلاقات.
قبل ايام قليلة وقعت موسكو وانقرة اتفاقاً ثنائياً لبناء خط انابيب نقل الغاز "ترك ستريم" الذي سيمر عبر البحر الاسود وصولاً الى القارة الاوروبية مع قدرة استيعابية عند 31 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً. وبحسب التقارير، يبلغ طول الانبوب المُقترح 450 كلم بتكلفة تقارب المليار دولار على ان يمرّ في المنطقة الاقتصادية القبرصية - التركية. هذا الحدث شكل صدمة وانتكاسة للجانب الاسرائيلي الذي يسعى الى نقل %40 من الغاز الذي يسيطر عليه في المتوسط الى اوروبا عبر تركيا. التطمين التركي لاسرائيل جاء سريعاً: الغاز الاسرائيلي من اولويات اجندة العلاقات الاسرائيلية - التركية بعد اعادة تطبيعها. فمن اسطنبول، اعلن وزير الطاقة الاسرائيلي يوفال شتاينتز عن التوصل الى اتفاق مع نظيره التركي بيرات البيرق لبدء مباحثات حول امكان بناء انبوب غاز يربط بين البلدين تحت البحر لامداد تركيا واوروبا بالغاز الاسرائيلي، وذلك في اول زيارة لوزير اسرائيلي الى تركيا منذ تاريخ تطبيع العلاقات بين البلدين. وبحسب المعلومات، تركز الاجتماع على تحديد امكان الدخول في مشروع كهذا والجدوى المنتظرة منه، في الوقت الذي تسعى فيه اسرائيل ايضاً الى ابرام اتفاقات تعاون في مجال الطاقة مع كل من الاردن ومصر وقبرص واليونان. ووفق الوزير الاسرائيلي، اكتشفت تل ابيب نحو 900 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، فيما يمكن ان تصل احتياطاتها الى نحو 3 آلاف مليار متر مكعب. وبحسب المسوحات البحرية، يقدر احتياطي حقل ليفيثان قبالة شواطئ حيفا بنحو 450 مليار متر مكعب من الغاز، ليكون بذلك اكبر حقل من نوعه في العالم يجري اكتشافه في المياه العميقة على مدى عقد. وفي العام 2009، اكتشف حقل "تمار"، شرق البحر المتوسط على عمق 1700 متر تحت سطح البحر على بعد نحو 80 كلم من مدينة حيفا. وقد بدأ ضخ الغاز الطبيعي من الحقل في 31 آذار 2013. كما يضم 5 آبار متصلة بأنبوب مزدوج تحت الماء بطول 93 ميلاً لتوصيل الغاز الى منصة المعالجة على ساحل عسقلان، وقدّر حجم الغاز الطبيعي المخزون بنحو 223 مليار متر مكعب مع احتمال وجود كمية اضافية بين 13 مليار متر مكعب و84 مليار متر مكعب. وتشير الخرائط الجيولوجيّة الى ان هذين الحقلين يبعدان نحو 35 كلم فقط عن الحدود الجنوبية البحرية للبنان، ما يؤشر الى الكميات الكبيرة الواعدة التي يمكن ان يملكها في هذه النقطة.


ثروات المتوسط
ما بات مؤكداً هو المساعي الاسرائيلية التي تهدف الى السيطرة على ثروات المنطقة، مستفيدة من الاوضاع غير المستقرة التي تمر فيها دول المنطقة وما يلهيها في هذه الفترة عن التفكير جدياً بكنوز المتوسط. فالاتفاق التركي - الاسرائيلي تمّ بعد اشهر قليلة على اعلان شركة "هرئيل" الاسرائيلية للتأمين عن مفاوضات تقوم بها لشراء حصة في حقل "تمار" للغاز الطبيعي المقابل لسواحل سوريا ولبنان وقبرص وفلسطين واسرائيل ومصر. وتسعى الشركة الاسرائيلية الى شراء حصة تصل الى نحو %4 من الحقل من شركة "نوبل انرجي" الاميركية ومقرها مدينة تكساس في الولايات المتحدة. اما التفاوض في شأن مشروع الغاز بين انقرة وتل ابيب فيعتبر من اكبر المكاسب الاقتصادية بالنسبة الى اسرائيل التي تسعى الى توسيع التعاون مع تركيا واشراكها في مشاريع تطوير واستغلال حقول المتوسط الممتدة تحت المياه ما بين السواحل الاسرائيلية والقبرصية. فالعلاقات ممتازة حالياً بين اسرائيل وقبرص وهما تملكان ما يقارب 3,5 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي موزعة على حقل ليفيثان الضخم، وذلك بحسب الماسح الجيولوجي الاميركي. ولكن، من المستحيل على اسرائيل وقبرص تغطية تكاليف تطوير حقول اعماق البحر الا عبر ابرام عقود طويلة الامد لتصدير الغاز. وهذه العقود يجب ان تلاحظ تحديد خطوط الانابيب الخاصة بنقل هذا الغاز الى الزبائن المحتملين، وهنا دور انقرة المطلوب والذي يندرج ضمن الاتفاق الذي تمّ التوصل اليه في اسطنبول.


اين لبنان؟
زيارة وزير الطاقة الاسرائيلي الى تركيا ومشاركته في المنتدى العالمي للطاقة في اسطنبول وكلامه عن انبوب الغاز من اسرئيل الى تركيا واوروبا، كلها تطورات كانت متوقعة. فهذه الزيارة والكلام عن التنسيق في شأن الطاقة هما النتيجة المباشرة لاعادة تطبيع العلاقات بين البلدين، بحسب الخبيرة في شؤون النفط والغاز لوري هيتايان. وتحاول اسرائيل ازالة كل العراقيل التي تواجه قطاعها خطوة تلو الاخرى، فيما تمكّن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من تخطي الازمة القانونية التي واجهته قبل ما يقارب السنتين، عندما اتهمت الشركة الاميركية "نوبل" وشريكتها الاسرائيلية "ديليك" بالاحتكار. وتشير هيتايان الى ان نتنياهو قام بهدف تخطي الازمة الديبلوماسية، بارسال المبعوث تلو الآخر الى انقرة حتى توصل الى تفاهم مع الاتراك، ما قربه اكثر الى السوق الأوروبية لتزويدها الغاز الاسرائيلي من حقل ليفيثان، اكبر حقول اسرائيل حالياً. وتتابع: "لكن رحلة الغاز الاسرائيلية الى اوروبا ما زالت تحتاج الى ازالة المزيد من العواقب. فأنبوب الغاز الى تركيا يحتاج الى رضى الحكومة القبرصية التي اعلنت مراراً رفضها لهذا الامر نتيجة النزاع القبرصي - التركي حول الشطرين اليوناني والتركي من الجزيرة، وتالياً فان العقبة الاساسية امام تحقيق الحلم الاسرائيلي لايصال الغاز الى اوروبا هو النزاع المستمر منذ عقود في قبرص والذي تلعب فيه تركيا دوراً اساسياً. ولكن، اذا ما تمكن القبارصة من الوصول الى حل والمضي قدماً نحو السلام وتوحيد الجزيرة، ستكون قد حلّت عقبة اخرى في وجه اسرائيل مما يبقيها امام عقبتين: المشترون وسعر الغاز وامكان منافسته لسعر غاز روسيا". وتشير الى ان "روسيا تعتبر حالياً المموّل الاكبر للغاز في اوروبا وبسعر زهيد جداً، الامر الذي يصعّب العثور على مشتر يقبل شراء الغاز بسعر اغلى، حتى لو كان هذا يعني التنويع وعدم الاتكال على روسيا كلياً. وهكذا يبقى السعر هو الاساس في اتخاذ القرار، وهذا ما تعرفه اسرائيل جيداً. لذا فهي تحاول السيطرة على الاسواق العربية وتسعى جاهدة الى توفير الاسواق الاردنية والفلسطينية والمصرية للشركات المستثمرة في القطاع في بلادها، علماً ان هذا الامر له اخطاره وعواقبه". وتضيف هيتايان: " في ما يتعلق بلبنان، تأخير يؤدي الى مكاسب اضافية من الجانب الاسرائيلي والقبرصي والمصري. فاذا تمكنت اسرائيل من مد الانبوب الى تركيا سيصبح مستحيلاً على لبنان المشاركة في هذا الانبوب لايصال غازه الى اوروبا كونه سيُعتبر تطبيعاً مع تل ابيب. علماً ان انبوباً واحداً فقط عليه ان يمر من شرق المتوسط الى تركيا واوروبا، اذ لا تحتمل هذه البقعة الجغرافية انشاء اكثر من انبوب نظراً الى كلفة انشائه". لذا فإن الطرف الاسرع هو المستفيد الاكبر في الظرف الحالي في المنطقة ذلك ان البلدان في حالة حرب مستمرة، ولا شك في ان لبنان حالياً هو الخاسر الاكبر في منافسة الغاز".
من هنا يمكن اعتبار التطورات التركية - الاسرائيلية هي بمثابة الانذار الاخير للدولة اللبنانية لتوقيع المراسيم المطلوبة التي لا تزال قابعة في مجلس الوزراء منذ اكثر من عامين لأسباب سياسية. علماً ان هيئة ادارة البترول انجزت %95 على الاقل من الامور التقنية في شأن عملية التنقيب، وهي لا تزال في انتظار اصدار مراسيم اتفاق الاستكشاف والانتاج، ودفتر الشروط، اضافة الى ترسيم البلوكات البحرية. وكل تأخير في بدء استغلال موارد لبنان يعود عليه بخسارة مصادر التصدير. فالشركات الاجنبية لا يهمها استخراج الغاز من حقول مكلفة لتسديد حاجات الاسواق المحلية حيث تعمل فقط، وانما تحتاج ايضاً الى اسواق اكبر وعقود مربحة وطويلة الامد.
الاتفاق التركي - الاسرائيلي فتح المجال لاستغلال حقل ليفيثان، وسيسمح تالياً بمدّ السوقين التركية والاوروبية بالغاز الاسرائيلي. ويبقى الأمر الأكثر احباطاً هو امداد الاسواق العربية بالغاز الاسرائيلي، لذا أصبح لبنان في وضع حرج جداً.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم