الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

نقاش في الحملة الحزبية القومية الضارية على جان دايه وفي ردّه عليها

جان دايه
نقاش في الحملة الحزبية القومية الضارية على جان دايه وفي ردّه عليها
نقاش في الحملة الحزبية القومية الضارية على جان دايه وفي ردّه عليها
A+ A-

عندما صدر كتابي "محمد الماغوط وصوبيا الحزب القومي" لم أفاجأ حين شن عليّ وعليه أربعة زملاء من خصوم الحزب القومي، حملة ضارية بسبب إضاءتي على حياة الماغوط الحزبية التي دامت عشر سنين، ونشري عشرات المقالات والقصائد التي كتبها خلال تلك الحقبة. فسعاده وحزبه وعقيدته كانوا ولا يزالون هدفاً للنقد اللاّذع الظالم البعيد عن الموضوعية والعدالة ملايين الكيلومترات. لذلك، كنت أتوقّع هجوماً أكثر ضراوة من "الآخرين"، أي من خارج صفوف القوميّين الاجتماعيين، ضد كتاب "رأي النهضة" الذي ضمّنته 238 مقالاً مجهولاً لأنطوان سعاده. في المقابل، توقّعت حفاوة من كل المسؤولين والمثقفين القوميين الاجتماعيين بالكتاب مرفقة ببطاقات تهنئة للداعي. فكانت المفاجأة.


صحيح أن الحملة شُنّت وبضراوة.، لكن الذين قادوها كانوا أربعة، ثلاثة منهم يتولّون مسؤوليات رفيعة في الحزب القومي، والرابع من أركان المعارضة الحزبية. منذ صدور الكتاب في أيلول 2014، بدأت ألعب السيف والترس مع منظمي همروجة النقد التي استمرّت طوال أشهر العام 2015، وانتهت في غرّة العام 2016، تاريخ صدور كتاب "رأي الجيل الجديد" الذي يحتضن 131 نصاً مجهولاً لزعيم الحركة القوميّة الاجتماعية. من هنا سرّ تمحور "نقاش" عميد الثقافة الأسبق في الحزب القومي، الأديب فهد الباشا الذي نشره في "نهار" 13 تموز 2016، على الحملة التي تعرّض لها كتاب "رأي النهضة"، وتتويج مقاله الذي احتل كامل الصفحة 12، بعنوان "إرث أنطون سعاده بين الأخذ والردّ". وإذ أنحني على الطريقة اليابانية أمام كل كلماته وعباراته الآسرة وجلّ مضمون مناقشته العميقة وأحكامه العادلة، أراني متوقفاً أمام عبارة تتناول ناحية رئيسية من مهمّات عمدة الثقافة في حزب الثقافة. قال عميد الثقافة الأسبق فهد الباشا في مستهل كلمته: "أن ينسب جان داية 369 مقالاً لسعاده – عدد المقالات المجهولة التي أعدت نشرها في كتابَي "رأي النهضة" و"رأي الجيل الجديد" – أغفلتها "الآثار الكاملة" و"الأعمال الكاملة"، أمر يثير شيئاً من الدهشة والاستغراب. ففي حين كان ينتظر، في هذا المجال، رأي واضح من المراجع المختصة في الحزب الثلاثي الادارات، كان لافتاً أن أحداً من عُمُد الثقافة فيها لم يحرّك ساكناً إزاء عمل، إذا لم يصح وصفه بالخطير تماماً فهو، على أقل تقدير، مثير".
أستهل نقد النقد بمطالبة على طريقة المحامين. في الشكل، يحق للناقد القول أن عُمد الثقافة في الأحزاب القومية الثلاثة أو "في الحزب الثلاثي الادارات"، لم يحرّك ساكناً، بمعنى أن التعميمات المكتوبة التي تناولت "رأي النهضة" لم تحمل توقيع أي عميد ثقافة. أما على صعيد المضمون، فالأحزاب الثلاثة قد حرّكت الساكن وسكّنت المتحرّك، اثنان منها، بسلبية مطلقة، والثالث بإيجابية أكثر إطلاقاً. ولنبدأ بالحزب الذي يرأسه حالياً وزير المصالحة الدكتور علي حيدر، لأن عمدة الاذاعة فيه كانت السبّاقة في إصدار حكم بإعدام الكتاب غير قابل للاستئناف أو التمييز. قبيل صدور كتاب "رأي النهضة" نشر "ملحق النهار" تحت عنوان "نصوص مجهولة لأنطوان سعاده" سبع مقالات متوجة بمقدمة صغيرة، وقد ذيّلها بعبارة "من مقالات ضائعة لأنطون سعاده يصدر قريباً لدى فجر النهضة". وفي 8 أيلول 2014، أصدرت عمدة الاذاعة في 8 أيلول تعميماً موقّعا باسم السيد نايف معتوق هذا نصّه: "أصدر السيد جان دايه كتاباً بعنوان "أنطون سعاده مقالات ضائعة، رأي النهضة". إن عمدة الاذاعة إذ تعلن أنه سيصدر ردّ في وقت قريب على ترّهات دايه، تحذّر الرفقاء والمواطنين من اعتماد هذا الكتاب الذي يشكّل حلقة في سلسلة الافتراءات والتشويه المقصود والفوضى الفكرية والمنهجية التي يشنها السيد دايه ضد الزعيم والحزب لغرض في نفس يعقوب".
في التاريخ نفسه، نشر المسؤول الحزبي الرفيع نفسه السيد نايف معتوق على موقع الحزب الالكتروني الذي صدر فيه التعميم، مقالاً طويلاً أكّد فيه أني أصدرت الكتاب "بدافع الشهرة على حساب الكبار، وبدفع ممن يعملون على تشويه عظمة "الكبار" وقد اتبعت فيه "المسلك التوثيقي الأعوج". الطريف الغريب أن التعميم والمقال اللذين صيغا بلغة اتهاميّة شتائمية، صدرا بُعيد صدور مقالات سعاده السبع في "النهار" وقبيل صدور الكتاب المؤلّف من 624 صفحة من القطع الوسط المتضمن 238 مقالة لسعاده منها المقالات السبع، إضافة إلى مقدمة امتدّت على 13 صفحة ضمّنتها، الحيثيات التي اعتبرت بموجبها أن المقالات المجهولة هي لسعاده، ومنها قوله لادفيك جريديني (شيبوب) في رسالتين نشرتا في كتاب "رسائل حب" أنه كان يحرّر تلك المقالات. في المناسبة، ورداً على كاتب التعميم والبيان الرسميّين، أكتفي بطرح الأسئلة الآتية: السيد نايف معتوق الذي يتهمني بالقبض من أشخاص يعملون على تشويه سمعة الكبار، بماذا يجيب القاضي إذا سأله عن أسماء الأشخاص الذين دفعوا لي من أجل تشويه سمعة الكبار؟ وما هو المبلغ المدفوع؟ وهل كان بالدولار أم بالعملة اللبنانية؟ ثمة تذكير أو لفت نظر حول عدم تناسب اللغة التهكّمية الشتائمية التي اعتاد السيد معتوق على تداولها، والتي لا تليق بعضو عادي في الحزب القومي، فكيف إذا كان المتداوِل برتبة عميد؟
لننتقل من بسكنتا – المتن الشمالي إلى رأس بيروت. التقيت بعميد الثقافة الدكتور ميشال عبس أربع مرات منذ صدور الكتاب، ثلاثا منها في منزله الرأسبيروتي، والرابع في منزل أهله بالأشرفية. في المرّة الأولى، أهديت إليه نسخة من الكتاب، فتصفّحه بفرح، ووعد بأن يعمّمه على القوميين، إضافة إلى شراء عمدة الثقافة 25 نسخة منه. ولم يحصل شيء من وعده، بل حصل نقيضه. فقد أصدر تعميماً شفهياً، منع فيه أعضاء الحزب ومسؤوليه من اقتناء الكتاب وترويجه. حين علمت بذلك، زرته وحاورته مطوّلاً. خلال الحوار أكّد لي أن بعض المقالات ليست لسعاده وبخاصة مقال "سيدة قومية تتكلم عن المرأة القومية" المنشور في العدد 3 من جريدة "النهضة" بتاريخ 16 تشرين الأول 1937، والمعاد نشره في الكتاب بدءاً من الصفحة 35. عن هذا المقال قال إن مضمونه مناقض لمضامين مقالات سعاده عن المرأة، وتساءل: هل يعقل أن يختبئ سعاده وراء حجاب امرأة؟ أجبته: إذا رأى سعاده، وهو النهضوي التعليمي، أن إيصال رسالته يقتضي الاختباء وراء حجاب امرأة أو طربوش رجل، فلا يتردّد في القيام بذلك. ثم أن سعاده كان يفلّي النملة خلال ترؤسه تحرير دوريات حزبه وبخاصة إذا كانت الباكورة وهي "النهضة"، فهل يسمح بنشر افتتاحية "يتعارض مضمونها مع نهجه الفكري الاصلاحي، على افتراض انها لغيره. في المناسبة، أعاد سعاده نشر معظم مقالاته التي نشرها في "النهضة"، في جريدة الحزب "سورية الجديدة" التي صدرت في البرازيل إبان الحرب العالمية الثانية، وكان مقال "سيدة قومية تتكلّم عن المرأة القومية" في عداد تلك المقالات؛ وقد نشر في "سورية الجديدة" بتاريخ 20 يوليو/ تموز 1940 بعد إجراء تعديل طفيف على عنوانه الذي أصبح "امرأة قوميّة تتكلّم عن المرأة".
كانت هذه المرة الأولى في تاريخ الحزب القومي يشكّك فيها بعض المسؤولين بملكية سعاده لبعض المقالات المنسوبة إليه، والخالية من أي توقيع. في حين أن الجميع سلّموا بأن مئات المقالات غير الموقّعة، التي نُشرت في "الآثار الكاملة" و"الأعمال الكاملة" هي لسعاده. ولما كان التشكيك خالياً من أي دليل علمي، فقد اقترحت على العميد تشكيل لجنة من العارفين بأسلوب سعاده ونهجه ومصطلحاته، على أن أُدعى إلى إحدى جلساتها من أجل الإجابة عن أسئلتها وعرض المعطيات والأدلة التي ارتكزت عليها. وقدّم الاقتراح نفسه عميد الثقافة الأسبق فهد الباشا. وبعد نحو العام، استجاب الدكتور عبس، وشكّل اللجنة التي ضمّت حيدر الحاج اسماعيل، جهاد العقل، زهير فياض، إضافة إلى فهد الباشا، وعقدت اللجنة جلسة يتيمة، قرّرت خلالها دعوتي لحضور الجلسة الثانية.
حتى الآن لم أُدعَ إلى أي جلسة لها على رغم مرور نحو العامين على ولادتها والأرجح أن اللجنة وُئدت في مهدها. بدلاً من ذلك، اتخذ العميد قراراً شفهياً بمحاربة الكتاب والكاتب على كل الصعد، فمنع إقامة ندوات عنه في المديريات والمنفذيات، وقرر التعتيم عليه في جريدة الحزب "البناء". هذا النوع من القرارات الشفهية ليس معهودا في الإدارة الحزبية وبخاصّة في عمدة الثقافة. فإمّا أن يصدر تعميم مكتوب، يجيز الكتاب، وإما آخر مكتوب أيضاً، يمنعه. المرّة الوحيدة تناول فيها عميد الثقافة الموضوع كتابيّاً، عندما أجاب عبر الـ"فايسبوك" الرفيق أسامة المهتار في أواسط تشرين الثاني 2015. لم تتسنَّ لي قراءة ما كتبه، وخصوصاً أنه بادر إلى حذفه. لكني علمت بذلك من الزميلة وفاء عواد التي قرأت جواب العميد قبيل حذفه، واستنتجته عبر ما كتبه الرفيقان أسامة المهتار وزهير فياض على الـ"فايسبوك" في 17 تشرين الثاني 2015. الظاهر أن الآية تنعكس عندما يكون التعميم استباقياً، بمعنى أنه يتناول كتاباً يصدر قريباً. فقد صدر تعميم مكتوب ومنشور على موقع الحزب الالكتروني، تناول كتاب "رأي الجيل الجديد" قبل صدوره. ثمة فارق آخر، أن التعميم الشفهي سمّى الكتاب وسمّاني، أما التعميم الكتابي، فلمّح ولم يصرّح. ماذا في التعميم المكتوب؟ تحت عنوان "عمدة الثقافة والفنون الجميلة: تراث سعادة" أكّد الدكتور ميشال عبس أن "شهيّة الانتهازيين وأعداء النهضة" قد تفتّحت حيال نتاج سعاده الفكري، فعمدوا إلى "نسبة كتابات أو أقوال إليه لا علاقة له بها. هذا الأمر من شأنه السعي إلى تضليل القوميّين الاجتماعيين وإلى تفخيخ فكر سعاده من الداخل". وأكد أن "كل نص لم تنشره المراجع الحزبية عبر وسائل نشرها الرسميّة، أي "دار فكر للأبحاث والنشر" أو عبر نشرات العمدات، يحتاج إلى تدقيق من قبل عمدة الثقافة والفنون الجميلة عبر لجنة اجازة النشر". أضاف معترفاً بأن سعاده "أسّس العديد من الجرائد والمجلات والنشرات الفكرية وترأس تحرير الكثير منها وساهم في تحرير الكثير من أبوابها". لكنه تدارك بقوله: "ولكننا لا نستطيع أن ننسب إليه بشكل اعتباطي وسطحي كل ما ورد في هذه المطبوعات. فلسعاده أسلوبه وطريقة تفكيره ومنهجيته ومنظومته الفكرية ومفرداته". وختم في إشارة تنبّؤيّة تحذيرية "قد تكشف لنا الأيّام مزيداً من النصوص التي قد تلصق بسعاده من قبل بعض المصابين بجنون الخلود يتوسّلونه عبر إلصاق اسمهم باسمه. فاحذروا الوقوع في الشرك". لا بأس من فتح هلالين لتسجيل بعض الملاحظات على الانتقادات:
أ – اتهم سعادة رشيد سليم الخوري بجنون الخلود في أربعينات القرن الماضي. ولكن العميد ليس الزعيم، ولا الداعي الشاعر القروي.
ب – لقد وضعت إسمي على غلاف كتاب "رأي النهضة" بصفتي نابش المقالات ومحقّقها ومقدّمها، أسوة بكل الذين حقّقوا نصوصاً مجهولة لشكسبير ورينان والكواكبي وجبران وغيرهم. في المناسبة، هل نسي العميد عبس، أن اسم الزميل محمود شريح قد وضع على غلاف كتاب "نشوء الأمم" لمؤلفه أنطوان سعاده، النسخة الانكليزية، لأنه أشرف على الترجمة وكتب المقدمة؟ وهل تناسى أن هذا الكتاب الذي "ألصق" اسم الزميل على غلافه إلى جانب اسم الزعيم، قد أشرفت عليه عمدة الثقافة وصدر عن "دار فكر" التابعة للعمدة؟
ح – أصدرت "مؤسّسة سعاده" أعمال سعاده وضمّنتها الكثير من مقالاته غير الموقّعة، فلم يتغزّل العميد بكحل عينيها، رغم أنها مؤسّسة غير حزبية، ولم يكن للعمدة أي دور في ورشة تحقيق أجزاء أعمالها الدزينة. فلماذا لم يصدر تعميم مماثل حيالها؟ في المناسبة أيضاً، لماذا لم يكسر الدكتور ميشال عبس رجل الدجاجة بدلاً من كشّها، فيصدر الأجزاء الـ 16 من "الآثار الكاملة" التي كانت ثمرة ورشة حزبية ثقافية قادها الصحابي الكوراني جبران جريج؟
نصل إلى الحزب الثالث الذي يرأسه حالياً الأمين جوزف سويد. كان هذا الحزب ولا يزال، يصدر جريدة أسبوعية في دمشق بعنوان "النهضة". أرسلت إلى قلم التحرير نسخة من الكتاب بُعيد صدوره، كما فعلت مع معظم الدوريات البيروتية. وكانت المفاجأة السارّة طبعاً. نشرت "النهضة" الدمشقية في 1 تشرين الأول 2014، مقالَي سعاده "اقتراح غير موفق لحل المسألة الفلسطينية" و"ليست الاسكندرون ملكاً لكم" المنشورين في سميّتها "النهضة البيروتية" واللذين أعدت نشرهما في كتابي. كذلك نشرت مقالَي "إلى أين المصير" و"حول نظام الدخولية" في تشرين الأول 2014، المعاد نشرهما في كتاب "رأي النهضة" نقلاً عن جريدة "النهضة" البيروتية. في أعداد أخرى، نشرت "النهضة" الدمشقية مقدمة "الكتاب" ومقالات أخرى لسعاده.
لا أعرف ما إذا كان النشر قد تم بعد صدور قرار من عميد الثقافة الرسّام نبيل السمّان. لكني أجزم، على ضوء معرفتي بدستور الحزب القومي ونظامه الداخلي، أن حرفاً واحداً لا يمكن نشره في جريدة الحزب، إذا لم يكن هناك ضوء أخضر من عمدة الثقافة أو الاذاعة.
وبعد، منذ ربع قرن أصدر عميد الثقافة الراحل رجا يازجي مرسوماً ألغى فيه قرار مراقبة الكتب في الحزب القومي. وفي حين تقيّد بعض عُمُد الثقافة بمرسوم الالغاء ومنهم فهد الباشا ورشيد مسعود، استمر البعض الآخر يراقب ويحذّر ويمنع كما فعل العميد السابق ميشال عبس، رغم أني لم أطلب منه ترويج الكتاب في الحزب، وكل ما طلبته أن لا يمنع القوميّين من قراءته والمسؤولين من عقد حلقات حوله. وعندما ذكّرته بقرار إلغاء مراقبة الكتب، أجابني بأنه يعمل على إلغاء الالغاء.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم