الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

عندما "يضرب الشيطان"... ممارسات والصرخة طلعت!

المصدر: "النهار"
هالة حمصي
هالة حمصي
عندما "يضرب الشيطان"... ممارسات والصرخة طلعت!
عندما "يضرب الشيطان"... ممارسات والصرخة طلعت!
A+ A-

 مطلوب كهنة "مقسمون" في شكل عاجل. لا مزاح في الأمر. الظاهرة الآخذة في الانتشار مقلقة: ارتفاع ملحوظ في الطلب على طرد الأرواح الشيطانية في إيطاليا وبريطانيا وإسبانيا والفيليبين وغيرها، بينما تضاعف الطلب في الولايات المتحدة أربع مرات في الاعوام العشرة الاخيرة، وفقاً للمعلومات المتداولة. "الشيطان تلبسني بالكامل"، يشكو "زبائن" ملأوا بالعشرات جدول مواعيد كهنة. مسّ شيطاني؟ أمراض نفسية؟ اياً يكن، الصرخة طلعت... وفيلم مثير يوثق ذلك.


 


الخبر انتشر جدياً. الحاجة الى كهنة "مقسمين" "طارئة"، بتعبير الدكتور فالتر كاشيولي، وهو عالم نفس ومستشار علمي لـ"الرابطة الدولية للمقسمين" (1) التي اعترف الفاتيكان بها العام 2014. "نقص الكهنة المقسمين يشكل حالة طارئة حقيقية. هناك حاجة رعوية طارئة نتيجة ارتفاع مهم في عدد حالات المس الشيطاني التي يواجهها كهنة"، يقول لصحيفة "لا ستامبا" الايطالية. وما يلاحظه هو "الارتفاع المتواصل لعدد الاشخاص الذين يشاركون في ممارسات أو بدع شيطانية تؤدي الى أضرار جسدية ونفسية وروحية خطيرة".


 


ممارسات خرافية... وخط ساخن!


يعلّم كاشيولي مادة "طرد الأرواح الشريرة" في جامعة Athenaeum Regina Apostolorum الحبرية، وهي جامعة فاتيكانية في روما. "عدد حالات طرد الارواح ارتفع في الاعوام الاخيرة. لكن ليس لدينا ما يكفي (من كهنة) للتعامل مع وضع دارماتيكي يؤثر اولاً على الشباب الذين يستخدمون الانترنت كثيراً"، يقول.  


 


انتشار ما يسميه "الممارسات الخرافية في شكل واسع" هو أحد ابرز العوامل المساهمة في "ازدياد عدد طالبي المساعدة الذين ضربهم الشرير مباشرة أو غير مباشرة"، على قوله. وحذار "تقليل أهمية ظاهرة تتسبب بها افعال مباشرة للشيطان، وفي الوقت نفسه تراجع في الايمان والقيم".


 


إيطاليا في طليعة الدول المعنية بهذه الظاهرة. عدد حالات طرد الارواح الشريرة ارتفع في شكل صاروخي، مع طلب نحو 500 الف ايطالي جلسات لطرد الارواح سنويا، في ظل الافتقار الى عدد كاف من الكهنة "المقسمين"، وفقاً لتقارير حديثة. 


 


على سبيل المثال، ضاعفت ابرشية ميلان عدد الكهنة "المقسمين" لديها، في وقت خُصِّص "خط ساخن" في روما لهذه الغاية. ويقول الاب فينشينزو تارابوريلي الذي خلف عميد "المقسمين" في الفاتيكان وابرشية روما الأب غابريـال آمورث بعد وفاته في أيلول الماضي، انه لا يمكن تلبية الطلبات اليومية التي ترد في هذا الخصوص، وفقاً لما ينقل الدكتور توماس د. ويليامز.   


 


جدول مواعيده محجوز بالكامل: 30 شخصاً يومياً. وتجاه الإقبال على طرد الأرواح، باتت الحاجة ملحة لتعيين كهنة آخرين. "عددنا تسعة فقط حالياً، ونحتاج الى عدد اكبر بكثير لتلبية حاجات عائلات كثيرة"، يقول.


 


في أبرشية فروزينوني (جنوب روما)، يتوافد الناس في شكل متواصل الى مكتب الكاهن "المقسم" الاب إيلديبراندو دي فولفيو في دير الآباء البندكتيين، طالبين مساعدته من اجل "التصدي لقوة الشيطان". الاقتناع الذي توصل اليه، في ضوء خبرته، هو انه غالباً ما يعاني اشخاص تلبساً شيطانياً بعد مشاركتهم في قداديس شيطانية او الانضمام الى جماعات او بدع شيطانية.


 


ويشاركه زميله الكاهن "المقسم" الاب ألدوبيونايتو من أبرشية فابريانو-ماتيليكا (شمال شرق ايطاليا) في مخاوفه. ما يعرفه هو ان نحو 10 ملايين إيطالي استشاروا سحرة وعرافين ومنجمين مرة واحدة على الأقل في حياتهم. "ومعظم هؤلاء مشعوذون يخدعون زبائن يائسين. لكن بينهم بعض عبدة الشيطان"، ينقل عنه ويليامز.


 


1 في المئة فقط


وجوب التمييز بين حالات المس الشيطاني والامراض النفسية مسألة يجمع عليها الكهنة "المقسمون". "1 في المئة فقط من الاشخاص الذين يدّعون انهم يعانون مساً شيطانياً يحتاجون بالفعل الى كاهن مقسم"، يقول كاشيولي، داعياً الى "انشاء مدرسة او جامعة للتدريب المتواصل، حيث يمكن الكهنة الكاثوليك تعلّم مواجهة التأثيرات السيئة للشيطان".  


 


واذ يشترط الاب ألدوبيونايتو "خطوة اولية يجب القيام بها قبل اي شيء وهي التحدث مع أفراد أسرة الشخص المعني والأطباء النفسيين، لتحديد ما اذا كانت القضية طبية أم لا"، يحدد الاب ديفولفيو علامات خارجية عدة تساعد في التمييز بين شخص تحت تأثير الشيطان وآخر مريض عقلياً. "تشوه تعابير الوجه، صوت كهفي، بصق أجسام معدنية او اطعمة لم يتناولها اطلاقاً. التحدث بلغات قديمة لا يعرفها الشخص بوعيه، مثلاً العبرية واليونانية القديمة واللاتينية والآرامية. وايضاً قوة بدنية غير طبيعية لا يتمتع بها الشخص عادة، وردود فعل عنيفة على صلاة التحرر والماء المقدس". ومن العوارض ايضاً، القدرة على التنبوء بالاحداث، وخوف فجائي من الأدوات المقدسة. 


 


"الهوس كبير"


الموضوع برمته يأخذ ابعاداً اخرى... وصولاً الى السينما. الشهر الماضي، فاز وثائقي ايطالي عن طرد الارواح الشريرة بعنوان: "Liberami"(2) بجائزة افضل فيلم عن فئة "هورايزون" في مهرجان البندقية السينمائي الدولي. وقد اثار اهتماماً واسعاً لتسليطه الضوء اكثر على هذه الظاهرة المتنامية، عبر استكشاف جهود الاب كاتالدو، وهو كاهن "مقسم" مخضرم في سيسيليا، يلاحظ بدوره ارتفاع عدد الكاثوليك الذي يعتقدون ان ارواحاً شريرة تلبستهم او تعذبهم.


وتبقى تلك الملاحظة هي نفسها التي سجّلتها بدورها الكنيسة الكاثوليكية في بريطانيا. واكثر من ذلك، طلب الفاتيكان، وفقاً للمعلومات، من الابرشيات الـ22 الكاثوليكية في انكلترا وويلز ان تعيّن كل منها كاهناً "مقسماً" لديها. 


 


هناك، يتكلم كهنة "مقسمون" عن أضرار روايات "هاري بوتر" وانتشار الماورائيات وشرب الكحول، وايضا المواد الاباحية. "الهوس الكبير لدى الناس بعالم الماورائيات والخوارق، وهبوط عدد المسيحيين الممارسين" هما السبب وراء ارتفاع عدد الاشخاص الذين يطلبون من كهنة تحرير اجسادهم ومنازلهم من الشياطين، وفقاً لما يقوله كاهنان "مقسمان" بارزان بريطانيان لـ"تايمز"، من دون الكشف عن اسميهما بناء على طلبهما.


 


"القول بان هناك اهتماماً متنامياً بطرد الارواح الشريرة امر صحيح"، يقول احدهما، وهو كاهن "مقسم" خمسيني في ابرشية ساوثوورك. واسباب ذلك "كثيرة"، في رأيه. "الثقافة الشعبية ممتلئة بالخوارق فوق الطبيعية". بعض الذين قصدوه "زعموا ان حضوراً شيطانياً سيطر بالكامل على اجسادهم".     


 


وهناك ايضاً "افلام مصاصي الدماء والساحر هاري بوتر". في المقابل، يقول اشخاص كثيرون "انهم ابتعدوا عن دينهم، مما يبقي حاجة الى الايمان بشيء غير مرئي". ويشرح: "من الطبيعي ان يبدي الناس اعجاباً هوسياً بفكرة المعركة ضد الشر، وان يرسموا "كاريكاتور": الكاهن المقسم يأتي كساحر للمساعدة".


 


كلّ ليلة...


في القارة الأخرى، انها الظاهرة نفسها. ويؤكد كاهنان اثنان من الاكثر نشاطاً في "التقسيم" ان هناك طلباً متزايداً على خدماتهما، مع لجوء اعداد اكبر من الاميركيين غير الملتزمين كنسياً الى طلب مساعدتهما في التحرر من مس شيطاني او اي انشطة روحية سوداء.


 


بالنسبة الى الكاهنين غاري توماس وفنسنت لامبرت، المس الشيطاني هو نتيجة ارتفاع الادمان على المخدرات والمواد الاباحية. ويقول الاول لموقع "Beliefnet": "الشيطان يبحث دائماً عن اشخاص لا علاقة لهم (بالله)، او علاقتهم بهم انقطعت. وبالتالي يمكن ان يكون المرء كاثوليكياً ومعمَّداً، وفي الوقت نفسه يعاني مشاكل شيطانية بسبب ابواب فتحت له".  


 


الاب توماس هو الكاهن "المقسم" في ابرشية سان خوسيه شمال كاليفورنيا. وقد تلقى تدريباً على طرد الارواح في روما العام 2005. في الاعوام العشرة الاخيرة، اجرى بين 50 و60 حالة تحرير من الارواح في الولايات المتحدة، الى حالات اخرى لاشخاص غير اميركيين، قصدوه خصوصاً من الهند وافريقيا (تلغراف). "كل ليلة اكون فيها حراً مخصصة لـ"التقسيم". قد اتولى حالة او حالتين اسبوعياً... وعلي ان اميز حقيقة الامر. هل الامر نفسي؟"، على قوله.


تمرسه في هذا المجال جعل منه العام 2009 الوجه الرئيسي لكتاب "The Rite" الذي حوِّل فيلماً العام 2011 من بطولة الممثل انطوني هوبكينز. من يدقون بابه طلبا للمساعدة هم غالباً "اشخاص فقدوا الامل بعدما فشل علم النفس او الطب النفسي في شفائهم"، على قوله. "انهم مرضى في شكل او بآخر. واحيانا يعانون مساً شيطانياً بالفعل. انهم المحليون في ابرشيتي".


 


مسائل اخرى يلفت اليها الكاهنان، منها ازدياد شعبية "الممارسات الوثنية"، كاستخدام لوح "ويجا" لاستدعاء الموتى، فشل نظام الرعاية الصحية النفسية في الولايات المتحدة، الفراغ الروحي في حياة اميركيين كثيرين، وايضا تناقص سلطة الكنيسة.  


 


بالنسبة الى الاب لامبرت من ابرشية انديانابوليس، "تراجع الايمان يقابله زيادة في الشر". غالبية طلبات المساعدة التي يتلقاها تأتي، "ليس من مسيحيين ممارسين، بل من غير الكنسيين". ويقول: "نكتسب كل انواع المعارف، لكن يبقى هذا الفراغ في داخلنا الذي يتم ملؤه بسلوك ادماني، كالمخدرات والمواد الاباحية". عمله في مجال طرد الارواح وثّق في البرنامج التلفزيوني  Paranormal Witness.  


 


مئات الاتصالات


الخبر جاء قبل نحو عام. "مئات الاتصالات وردت إلى أبرشية مانيلا" في الفيليبين، هذا البلد الكاثوليكي بامتياز. وعلى الاثر، وافق مجلس الأساقفة على تعيين كاهن "مقسم" أو أكثر في كلّ أبرشية من الابرشيات الـ86 في البلاد (أليتيا).


وقال رئيس الكهنة "المقسّمين" في الأبرشية الاب خوسيه فرنسيسكو-وهو متخصص بعلم النفس- إنّ اشخاصاً كثيرين يأتون الى مكتبه من كل أنحاء البلاد. وتكلم على فتح معهد للكهنة "المقسمين"، مشدداً على "التركيز على النوعية، وليس على الكميّة، ووجوب التمييز لاختيار العلمانيين المساعدين والمتخصصين بالطب النفسي وعلم النفس والمحاماة".


 


(1) "الرابطة الدولية للمقسمين" تضم اكثر من 200 كاهن "مقسم" من محتلف البلدان.


https://stmichaelsjournal.wordpress.com/tag/international-association-of-exorcists/


 (2) www.youtube.com/watch?v=6BdTWzz2x0k


 


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم