الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

اشترى جورج شقّة لا يزال يبحث عنها منذ 20 سنة... ما فعله البائع أغرب من الأفلام

المصدر: "النهار"
مجد بو مجاهد
مجد بو مجاهد
اشترى جورج شقّة لا يزال يبحث عنها منذ 20 سنة...  ما فعله البائع أغرب من الأفلام
اشترى جورج شقّة لا يزال يبحث عنها منذ 20 سنة... ما فعله البائع أغرب من الأفلام
A+ A-

صار عمره اليوم 80 عاماً. وصار عمر القصّة أكثر من 20 سنة. وما عاد ينفع الكلام الآن. عقدين من الزمن، ولم يتمكن أحد من توقيفه رغم أنه ليس بشبح. يومها، كان حلم جورج سلفاني أن يعود الى وطنه بعد سنواتٍ من الكدح قضاها في فرنسا. وقعت عيناه على شقّةٍ في منطقة القرنة الحمراء في المتن. أغراه العرض فبادر الى الشراء. حصل ذلك عام 1994، حين سلّم جورج مبلغ 45 ألف دولار لـ م. ع. باليد، كدفعةٍ أولى من سعر العقار الذي اشتراه بموجب عقد بيعٍ ممسوح. لم يطلب الشاري يومها صكًّا أخضر بانتظار استكمال دفع المبلغ كاملاً من خلال 3 دفعات بالتقسيط من طريق سندات دين موقّعة بين الطرفين. متنقلاً بين فرنسا ولبنان، كانت الأيام تمضي بسرعة، وما لبث جورج أن سدّد ما تبقى عليه من سعر الشقة الذي بلغ 55 ألف دولار. "عندما جئت لأسجلها وطلبت منه الصكّ الأخضر بعد أن وفيت بكامل التزاماتي القانونية، قال لي انه بحاجة الى بضعة أيام ليحضره وينجز كامل المعاملات، لكنني لاحظت أنه كان يعتمد سياسة التأخير. وحين بات الوضع مثيراً للشك، قصدت محيطه السكني أكثر من مرّة حيث صارحني الجيران أن هذا الرجل ثعلبٌ محتال، ونصحوني بتعيين محامٍ لأنهم سمعوا عنه أكثر من قصّة مقلقة عن اعمال احتيالٍ يقوم بها. تبيّن بعد حين أنه تقصّد استيدان مال وفير من المصارف وتمنّع عن ايفائهم ورهن الشقة المذكورة مقابل القروض، فوضعوا ايديهم عليها بعد ان كانت لا تزال مكتوبة باسمه". هذا ما صرّح به جورج لـ"النهار"، وفي قلبه غصّة عمرها من عمر جنى العمر الذي ضاع في لحظةٍ واحدة.


محاكمة فملاحقة
لم ينهِ العشيّ اللبناني صداقته مع الأمل سريعاً. كان متفائلاً وصبوراً. وأعطى م. ع. أكثر من فرصة قبل اللجوء الى القضاء. وعده الأخير أن يمنحه شقّة بديلة عن تلك التي خسرها. لكن الوعود لم تنفّذ. فاضطر الشاري الى توكيل محامٍ وتقدّم بدعوى نصب واحتيال. دام الأخذ والرد 10 سنوات متتالية بعد لجوء المتهم الى الاستئناف. وحين صدر الحكم النهائي بعد عقدٍ كامل من الزمن، انتقل الكرّ والفرّ بين الطرفين من المحكمة الى المطاردة البوليسية. وهو يكلّمك عن تجربته ومعاناته، يظهر جورج في ملامح الرجل القروي البريء والآدمي. يتكلّم ويعبّر بلكنةٍ حساسة، تعكس طيبة قلبه. من المؤكّد أن رجلاً بسيطاً مثلاً لم يكن قادراً على ملاحقة ثعلبٍ ماكر. يوم ذهبت القوى الأمنية للقبض على م. ع. كي تسوقه الى السجن في حال تمنّع عن التعويض مادياً لجورج، لم تجده في المنزل. انه ابسط الحلول أن يعمد الى الهرب المؤقّت. وفي كلّ مرّةٍ كانت العملية تكرّر نفسها: أينصاحب المنزل؟ ليس هنا. اذاً فتّشوا المنزل. يشير سلفاني الى "أنني ترصّدته لأشهر من الزمن وراقبت المنطقة واستعنت بالجيران ولكني لم أنجح في العثور عليه. ربما هو مدعومٌ من جهة معيّنة. في النهاية قرّرت المضي في سبيلي. لن أمضي كامل حياتي أبحث عن شبح. قلبت الصفحة".


منذ سنتين من اليوم، سمع زوّار المحكمة وقع المطرقة الأخيرة في قضية جورج سلفاني. انها حكاية 20 سنة بالتمام، بحثاً عن أمل لم يأتِ. أمل يعدّه جورج اليوم مجرّد صديقٍ خائن. أو وهم. أو كذبة. هو الذي نال شفقة مكتب المحاماة الذي تولّى زمام القضيّة، حتّى أن المحامي تمنّع عن أخذ مستحقاته منه بعد أن بلغت التكاليف أكثر من 5000 دولار أميركي. هو لا يخفي أنه لم يعد يكترث لهذه المسألة، لكنه على الأقل يبحث عن تعويضٍ معنويّ. يقول إنه "في حال أرادوا سجن المذنب بعد انقضاء 20 سنة، هذا يعني أنهم سيسجنون شخصًا تخطى عتبة عامه الثمانين. الأمر لم يعد يستحق العناء. هذا يعني أنه في حال شكى من مرضٍ أو حالة صحيّة معيّنة، سيعاد اطلاق سراحه مجدداً ويوضع تحت المراقبة. انه في آخر ايامه. سيموت بين يومٍ وآخر". الغريب في قضية هذا الرجل، أنه حتى اليوم لم يودع الأمل الذي خذله. صحيحٌ أنه يعدّه صديقًا خائنًا، لكنه لا يزال ينتظر عودته وانقاذه. "هل تتوقّع أنني سأتمكن من تحصيل أي مبلغ مادي يعوضني عن جنى عمري؟"


عقد البيع الممسوح لا يكفي وحده
لمعرفة الأبعاد القانونية لمسألة شراء العقارات ومسؤوليات كلّ من البائع والشاري أجرت "النهار" حديثًا مع المحامي ايلي اقليموس الذي يشير الى أن "الخطوة الأولى التي يجب على الشاري القيام بها عند رغبته في شراء عقار ما، هي الاطلاع على سند الملكية او إفادة عقارية خاصة بالعقار ليعرف اذا كان مقرونًا باشارات او حجوزات او مشاكل معيّنة. وتعتبر هذه الخطوة الأهم التي يجب أن يقوم بها الزبون ليتعرف بالتالي على حقوقه وواجباته". وعن موقع البائع ومسؤوليته الشخصية في السياق نفسه، يؤكّد أنه اذا كان البائع يعلم بالمشاكل التي يعانيها محيط العقار ويعي انه يتصرّف بشيء ليس ملكه نتيجة حكم قضائي او بيع مسبق او أي عمل قانوني او قضائي معين، ومع ذلك يبادر الى بيعه الى شخص آخر، فهذا يعني قانوناً انه يبيع عقارًا ليس ملكه وبالتالي يلاحق بجريمة الاحتيال بحسب المادة 55 من القانون الجزائي. من ناحية أخرى، لا يمكن اعتبار الشاري مالكاً للعقار قبل ان تتم عملية التسجيل في السجل العقاري. وبالتالي ان عقد البيع الممسوح لا يكفي لوحده. وفي حال تمّت عملية التسجيل في السجل العقاري ومن ثم تمّ الحجز، لا يمكن للمصرف حجز العقار لأنه لم يعد ملكاً للشخص البائع. أما في حال لجأ البائع الى وضع اشارات على العقار بعد توقيع عقد بيع ممسوح مع الشاري، هذا يعني أنه قام بعملية احتيالية.


كان على جورج ألّا يضع ثقته بثعلب. كان عليه ان يتفادى قصّة عمرها أكثر من عشرين سنة، ولا يزال المواطن القروي يخبرها ويسردها بتفاصيلها كلّما صعد معه راكبٌ في سيارة أجرته، رغم أنه قليلا ما يقصد المدينة. يعيش في أرضه في الشوف، بعد أعوامٍ قضاها في فرنسا، يبتعد عن السلبية قدر المستطاع ويكرّس وقته للاعتناء بالحديقة وزرع الخضراوات. لم يستطع التخلي عن طيبة قلبه. فتراه يتشارك بها مع النباتات بعدما خانه الجنس البشري. لا يكترث لفقدان ما جناه في الغربة، رغم الحسرة. يبتسم. ان في العمر القصير تفاصيل واعدة، تستحق أن تتبعها، وتُدير ظهرك.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم