عمقت المعركة المتوقعة لتحرير الموصل الاصطفاف الطائفي المتفاقم أصلاً في المنطقة، مع وقوف السعودية في صف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتحذير وزير خ عادل خارجيتها عادل الجبير من "كوارث" طائفية في حال مشاركة قوات "الحشد الشعبي" في معارك استعادة المدينة العراقية ذات الغالبية السنية.
واحتدم السجال بين أردوغان ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على خلفية الانتشار التركي في قاعدة بعشيقة وإصرار أنقره على دور في معركة الموصل، في الوقت الذي تتزامن الاستعدادات للمعركة مع تعبئة طائفية كبيرة بلغت قائد "عصائب أهل الحق"، إحدى فصائل "الحشد الشعبي" الشيعية الى وصف معركة تحرير الموصل بأنها ستكون "انتقاماً لمقتل الحسين".
وقبله، قال أردوغان إن "الموصل لأهل الموصل وتلعفر (مدينة شمال العراق يعيش فيها نحو 70 ألف تركماني)، ولا يحق لأحد أن يأتي ويدخل هذه المناطق".
وأضاف الرئيس التركي أنه "يجب أن يبقى في الموصل بعد تحريريها أهاليها فقط من السنة العرب والسنة التركمان والسنة الأكراد".وحذر من "أننا لن نسمح بأن تسبب معركة الموصل دماء وناراً".
ووسط هذه الأجواء، ضم الجبير صوته في أنقرة إلى موقف أردوغان، قائلاً إن "ميليشيات الحشد الشعبي مؤسسة ميليشيا طائفية انتماءها لايران، وسببت مشاكل وارتكبت جرائم في اماكن مختلفة في العراق، واذا ما دخلت الموصل قد تحدث كوارث".
وكان التراشق بين أردوغان والعبادي بلغ هذا الاسبوع مستويات غير مسبوقة، وأثار مخاوف من تقويض الاستعدادت لتحرير الموصل.
وقال أردوغان خلال قمة المجلس الإسلامي في إسطنبول الثلثاء إن العبادي "ليس بمستواي". وأضاف مخاطباً إياه:"صراخك في العراق ليس مهما بالنسبة لنا على الإطلاق، فنحن سنفعل ما نشاء، وعليك أن تعلم ذلك، وعليك أن تلزم حدك أولا".
وتطالب أنقرة باشراك ثلاثة آلاف مقاتل سني دربتهم في معسكر بعشيقة في معركة الموصل الأمر الذي يهدد بتفكيك تحالف هش أصلاً من الفصائل العراقية،وهو ما يمكن أن يشكل ضربة قوية للمعركة التي طال انتظارها لتحرير الموصل.
قاعدة بعشيقة
وكانت المشكلة نفسها أثيرت قبل عشرة أشهر تقريباً، في كانون الاول 2015 عندما طالب العبادي بانسحاب الجنود الاتراك الموجودين في قاعدة بعشيقة شمال الموصل من بلاده.
ولم تستسغ أنقرة الطلب العراقي في حينه لأن المخيم أنشئ برضا بغداد لتدريب مقاتلين لمقاتلة "داعش"، وهو ما يقر به مسؤولون عراقيون. ونشرت صحيفة "ديلي صباح" التركية في حينه صوراً لوزير الدفاع العراقي السابق يزور المخيم، وهو ما اعتبرته أنقرة لا موافقة عراقية على إنشائه فحسب، وإنما حرصاً على متابعة أوضاعه.
في حينه، كانت عملية تحرير الموصل على الأبواب، لكنها أرجئت لاحقاً بعد فشل الجيش العراقي في تقديم خطة عسكرية. ومع تراجع أولوية معركة الموصل، نسيت بغداد الوجود العسكري التركي في بعشيقة، لتعود وتثير الأمر مجدداً ولكن بحدة أكبر مع تجدد الاستعدادات للمعركة الحاسمة.
ومع ذلك، تصر أنقرة على أن قواتها لن تغادر، وأن 63 دولة إضافة الى تركيا تشارك في التحالف ضد "داعش"، وأن قواتها تدرب جنوداً آخرين للمشاركة في العملية، كما توفر الامن لتركيا من "حزب العمال الكردستاني" و"داعش".
إيران
وفي تقويم وسائل الاعلام التركية أن العبادي لا يخاطب أردوغان باسمه ولا باسم الشعب العراقي، وإنما باسم جهة تحاول ابقاء تركيا بعيدة من عملية الموصل وتريد ملء الفراغ الذي سيتركه اخراج التنظيم الارهابي المدينة.
التلميحات واضحة الى أن إيران هي التي تحرك العبادي "لانها تريد المشاركة في المعركة من خلال الحشد الشعبي وبالتالي تغيير ديموغرافية الموصل"، وهو ما لا توافق عليه تركيا كونه سيؤدي الى تهجير جماعي في اتجاه أراضيها ويزيد التوترات الطائفية ما يؤدي الى مواجهات جديدة ربما تتوسع الى تركيا أيضًا.
وقد أعاد الناطق الرئاسي التركي ابرهيم كالين تأكيد الهواجس التركية اليوم، قائلا إن "أي هجوم على النموصل يخص أنقرة في النهاية ذلك أن أي خطأ قد يؤدي الى الاف هرب الالاف من أرضهم، ويعرض للخطر الحرب على داعش ويثير تعقيدات جديدة في المعرذد حزب العمال الكردستاني".
وتخشى تركيا أيضاً استغلال "حزب العمال الكردستاني" الذي استقر مقاتلوه في سنجار بعد تهجير الايزيديين، المعركة لتعزيز مواقعه.
من هذا المنطلق، تبدو أنقرة مصرة على البقاء في بعشيقة، وتعتبر هذا المقر بأهمية معركة درع الفرات التي تخوضها في شمال سوريا.
الموقف العراقي
وفي المقابل، يقول مسؤولون في بغداد أن الحكومة التركية تريد استخدام المقاتلين السنة الذين دربتهم كعملاء لها لتحقيق مصالحها الخاصة في الهجوم على الموصل، بما فيها حماية التركمان في المنطقة واحتواء تطلعات الاكراد.
وفي الخطط الموضوعة للموصل، يتولى مقاتلون شيعة وأكراد ضمان الأمن للبلدات والقوى والضواحي المحيطة بالموصل. ولكن مسؤولين عراقيين صاروا يدعون الان أن الميليشيات الشيعية وحلفائها في الشرطة العراقية صارت تطالب بدور أكبر إذا سمحت بغداد للمقاتلين الذين تدعمهم تركيا بالانضمام الى التحالف الفضفاض.
وحضت منظمة بدر التي تعتبر أبرز ميليشيات "الحشد الشعبي" الاربعاء أردوغان على "العودة الى رشده وسحب جنوده من العراق، قبل أن نعيدهم الى بلادهم في صناديق".
[email protected]
Twitter: @monalisaf
نبض