الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

بعد أربعين سنة من الغياب... سيعود غداً ليلتقي عروسته في جبيل

المصدر: "النهار"
مجد بو مجاهد
مجد بو مجاهد
بعد أربعين سنة من الغياب... سيعود غداً ليلتقي عروسته في جبيل
بعد أربعين سنة من الغياب... سيعود غداً ليلتقي عروسته في جبيل
A+ A-

على بعد أميالٍ قليلة من تحقيق أمنية مجيدة، شرّعت ساحات بيروت أبوابها لشوشو وعرّت ستارة خشبتها داعيةً إياه الى التزاوج بها. حصل ذلك كعرسٍ قبل حرب، طالت زغاريده عشر سنواتٍ متكاملة بين عامي 1965 و 1975. هزمَ ذلك الرجل بقلبٍ كبير وجسمٍ هزيل وشاربين، ووحدَه، "قصور" دور السينما في بيروت، وفرض على موسم الصيف أن يحسبه جزءاً من سلّة فاكهته المطبوخة بحرارة التصفيق. قبله، لم تكن تقيم بيروت يوماً عرساً لخشبة مسرحٍ في الصيف. لكن في حضور العريس، اختلف الأمر. كان شوشو يرى في المسرح مضخّة قلب، لا تحتمل فكرة موتٍ موسمي تليها عودة مرتقبة. كجريان الدم الدائم في الشرايين، كانت أقدام شوشو تهرول على الخشبة طوال السنة. لا مكان لافتراقٍ على أمل لقاء. مسرحيتان اثنتان في سنةٍ واحدة، او عروضٌ مستمرة لمسرحية واحدة، عَمَّرت. يوم انتقل شوشو من الإذاعة الى التلفزيون والقليل من السينما، كان لا يزال يقف خلف جبل الحب الحقيقي. غمزته الخشبة، وصار الزواج. وفي التفاوض على المهر، قال شوشو يومها لوالدها: "أعطيني أرض المسرح وأتقاسم الربح أنا وأنت". سرق العرس مرتادي سينما شهرزاد التي كانت بدأت تختص بعرض الأفلام الفرنسية، وقاصدي منطقة البرج حيث السينمات الشعبية. الكلّ يريد الرجل الذي صنع من بدائيته وبساطته، نجومية.


وكالعادة، الفرحة يسرقها نِمسٌ اسمه القدر. تواطأ الملعون مع الحرب وقُصر العمر، واختفى المهرّج وترمّلت العروس. ولا ترياق بعد ذاك، سوى في الاستحضار. قالوا لنا إن مشهدية تلك الأيام ستظهر من جديد في جبيل يوم السبت المقبل. الأرملة ستستشعر روحية عريسها في متحف مقام الفن الحديث والمعاصر، حيث يجري بناء جسر بين أوّل مؤسسي المسرح الدائم في لبنان ومن يسير على النهج اليوم. ستحتفل عاصمة الحرف بمشهديات من شوشو تشمل كل مسرحياته من خلال معرضٍ خاص، وتستعيد نبض مسرحه مع عرضٍ لجزءٍ من مسرحية "بيروت طريق الجديدة" يؤديها الفنان زياد عيتاني الخارج من بيئة شوشو وشوارعيته. هذا فضلاً عن شهاداتٍ في النشأة المسرحية ودور المسرح اليوم كمركزٍ تفاعلي للثقافات وليس كمركزٍ للعرض وحسب.


"لماذا اختيار "بيروت طريق الجديدة" بالتحديد؟"، سؤالٌ طرحناه على المكلّف بالشأن الثقافي في متحف مقام الفن الحديث والمعاصر الشاعر والصحافي جاد الحاج، الذي يقول لـ"النهار" إن "هذه المسرحية عمل كوميدي استمر عرضه 3 سنوات متتالية. فيما هدف المتحف هو توثيق الحياة الثقافية. عندما يكون هناك ظاهرة من هذا النوع علينا أن نلحظها لأنها محطّة من محطات تطور الحياة الثقافية. هي معجزة أن تستمر مسرحية يلعبها شخص واحد 3 سنوات متتالية. هذا ما كان يصير في الماضي. أما اليوم فنحن في زمن مساندة الموهبة وتقويتها". وفي مقارنةٍ حول واقع المسرح بين زمن شوشو واليوم، يشير الى أن ما حصل الآن هو أشبه بهبّاتٍ فورية انفعالية لا تحمل معها عصب الاستمرارية. برأيه أنه عندما بدأ المسرح يستعيد عافيته بعد الحرب اللبنانية وبدأ الناس يزورونه، صار الجميع يريدون افتتاح مسارح بدلاً من التعاون والتكافل بين الجميع. دخل منطق الفردية المريضة على الخط، فيما نحن في لبنان لم نكوّن جمهور مسرح حتى الآن. من يأتي الى المسرح هو جمهور صغير، في حين أن العملية تتحوّل بعد حين الى تجارية. لا يمكن تغذية المسرح على هذه الأسس، ولكن من خلال البرامج التربوية وحضّ الطلاب على زيارة المسرح وانتقاء المواهب من بينهم.


دور ثقافي متكامل
على خطى شوشو، يسعى متحف مقام الفن الحديث والمعاصر الى إقامة مسرح على أرض المتحف حيث صممت الخارطة الخاصة به ومكانه موجود، ولكنه لم يتحوّل الى مسرح متكامل مع كواليسه حتى اللحظة. وفي إطارٍ متّصل يشير الحاج الى أن المتحف يلعب اليوم دوراً ثقافياً متكاملاً بخلاف المتاحف التي تكتفي بالعروضات الموسمية في المناسبات الخاصة. يقول إن "في المتاحف العادية هناك دورة موسمية كاملة على مدار السنة، لكن المتحف المعاصر الجديد هو ملتقى لتفاعلات ثقافية من كلّ الروافد الثقافية في البلد من المسرح الى الموسيقى والرسم والنحت والحرفيات التي تتلاقى في مكان واحد كمحترفات دائمة. هناك أولاد وطلبة يقصدون المتحف اضافةً الى الفنانين الناشئين". ويؤكّد أن النشاطات دائمة اضافةً الى العروض النحتية السنوية. حيث إن جزءاً من هذه الأعمال يتمثّل في حفظ الأعمال التركيبيّة. هذه الأعمال النحتية قد لا يجد الفنان مكاناً ليحفظها فيها بشكلٍ دائم فيعمد الى تفكيكها وضبّها. في هذا الصدد تمكن المتحف حتى اليوم من حفظ نحو 40 عملاً لفنانين لبنانيين.


"هذه البؤرة بحد ذاتها ألهمتنا أن يصير ثمة تواصل ما بين الفنانين والفن الادائي، أي أن تقام الأعمال الفنية على المسرح كي يستطيعوا تطوير الديكورات في المستقبل حيث يجب ان يكون لديهم افكار جديدة للمشهديات بصورة عامة" يضيف الحاج. وفي نبذةٍ سريعة عن مسيرة المتحف، يشار الى أنه أنشئ منذ 3 سنوات على مساحة 10 آلاف متر مربّع. الأرض كانت عبارة عن مصانع كلس وطبشور. وحين انتهى العمل بالمصانع تمّ تأهيل الهنغارات الكبيرة واحتضان الأعمال النحتية الخاصة بكلّ الفنانين اللبنانيين، إضافةً الى الأرشيف الذي يقصد به أرشفة الفن التشكيلي في لبنان بدءاً من عصر النهضة. وها هو اليوم مستمر ومفتوح خلال ايام الأسبوع. وهناك طلاب يزورونه أسبوعياً، إضافةً الى فنانين يحتكمون اليه لصنع محترفاتهم.


يوم غد، ستتجمع الباصات عند الساعة الرابعة والنصف في ساحة الشهداء لتنقل الزوار الى عالم شوشو بعد عقود من الغياب. انها رحلةٌ خاصّة بكلّ من لديه اهتمام في الثقافة والفن ولديه فضول ثقافي وفني لمعرفة تفاصيل العلاقة بين زمن مسرح شوشو منذ 40 عاماً من اليوم، وزمن المسرح المعاصر. غداً ستبكي العروس على فقدان رفيق الدرب في استعادةٍ لذكراه، لكن وجود اولادها سيعوّضون عنها مرارة الفرقة. المهمّ أن يحمل الأولاد أمهم على أكتافهم، وأن يمنعوا رحيلها هي الأخرى. وصيّة أبيهم لهم كانت التَيَمُّن بسنواتٍ عظيمة من الحبّ المجنون، أراده شوشو حبّاً خالد الأثر.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم