الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

التفاح نموذجاً

بقلم زيـاد بـارود
التفاح نموذجاً
التفاح نموذجاً
A+ A-

لا علاقة للراحل ستيف جوبز بالأمر، ولا ناقة لحوّاء ولا جَمَلَ لها في التفاحة الأسطورة، ههنا. الموضوع أكبر من حصرية المقضومة على شاشة ذكية وأصغر من لاهوت تلك العالقة عند رقبة آدم... إنما بين الإثنين، على سفوح جبالنا وأعالي قممها، ثمة مزارع تركه الدهر الحكومي وحيدا منذ عقود، يزرع أملاً، يقاوم إهمالاً، يقاتل منافسةً ويعاني تصديراً للأزمة، لا للتفاح...
التفاح نموذجاً: ففي زمن الاستحقاقات المؤجّلة، يتم التعامل مع المنتَج اللبناني بالطريقة ذاتها، أكان مقطوفاً أم مخطوفاً. فكما التفاح، كذلك، مثلاً، الموقع الأول في الدولة وكذلك قانون الانتخاب واخوانه وأخواته. هنا وهناك إنتاج يغطي حاجة السوق، وإنما هنا وهناك أزمة تسويق. حوالى سبعة ملايين ونصف مليون صندوق تفاح ينتجها مزارعو لبنان سنوياً. يُستهلك منها نحو النصف محلياً ويصدّر الباقي (وكانت مصر تستورد ما يقارب 70% منه). أما وراء الأرقام، فعائلات تربّت على التفاح يوم كان الموسم قسطاً مدرسياً وطبابة وثياباً... عائلات الكرامة التي بعرق الجبين تقطف مواسم التقدّم والنجاح والاستمرار...
وإذا كان التفاح عندنا لم يسلم، هو أيضا، من تداعيات الأزمة السورية، فإنه يبقى من علامات الأزمنة الرديئة، حيث "تُباغت" مسؤولينا استحقاقات لا تلبث أن يظهر بعد قليل تدقيق أن عنصر المباغتة فيها يحمل معاني أخرى كالإهمال والتقصير وسوء الرؤية وانعدام التخطيط. هل هو قدرٌ أن ينتهي التفّاح مرميا، تماما كما المواطن؟ أم إنها سياسة اللاتخطيط والقدرية التامة في مقاربة الأمور العامة؟! هل يعتقد أحدنا لحظة واحدة أن الفراغ في سدّة الرئاسة هو قدر؟ أم إنه كموسم التفاح أتى قطافه وحان، في أيار 2014، ولم يجد في وجهه إلا الأبواب المقفلة والأسواق "العكاظية"!
التفاح نموذجاً، لأن في التفاح، بلونَيه، خيراً، وكذلك في اللبنانيين واللبنانيات، على ألوانهم. وهم، في بساتينهم المتنقلة جغرافياً بين الطوائف وطائفياً بين المناطق وعلمانياً - خصوصاً - بين مواطنين ومواطنات، إنما يستحقون إدارة أفضل و"تعاونيات" أكثر حضوراً والتفاتة أكثر جدية ممن ولّوهم الأحكام.
غدا ينتهي موسم التفاح. وبعده تأتي مواسم أخرى تضرب في قلوب الناس غضباً وإحباطاً وقرفاً. لم يعد الاستنكار يكفي. إن "المسؤولين"، في معظم تشكيلاتهم، لا يسمعون صرخة الناس، وإن صدف أن سمعوا، صمّوا آذانهم ورفعوا موسيقاهم العفنة. ما قامت به حفنة من المزارعين والبلديات والمخاتير والمهتمين من تحركات في اتجاهات مختلفة هو ما يجب البناء عليه. وحدها الصرخة تخرق جدار اللامبالاة، وحده الاعتصام يكسر المراوحة، وحدها المطالب المحددة تكشف المراوغة، ووحده طرق الباب، حيث يجب، لاقى صدى عند وزير مسؤول اسمه أكرم شهيّب. لكن المسألة تحتاج إلى مأسسة: كيف ننقل المعالجة من الظرفي إلى المستدام؟ الشمندر السكري والتبغ نموذجا؟ ربما. إنما بآليات أكثر حداثة وبكلفة أقل. الصندوق الوطني للتفاح أو اتحاد التعاونيات أو الإدارة اللبنانية للتفاح... هكذا تستقيم الأمور ويطمئن المزارع ونضيف إلى فخر أرزتنا، تفاحة...

وزير الداخلية السابق

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم