الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

اعتقال أمير"داعش" سلّط الأضواء مجدداً على الارهاب الكامن في مخيم عين الحلوة

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
A+ A-

بقطع النظر عن صوابية فيض المعلومات الذي غزا وسائل الاعلام عقب اعتقال ما قُدِّم على انه امير "داعش" في مخيم عين الحلوة عماد ياسين، وخصوصا لجهة خطورة ما كان يعد له من اعمال ارهابية تمتد على طول الخريطة اللبنانية مما اوحى وكأنه "جحفل متنقل ذو عقل تخريبي خارق".


وبصرف النظر عما هو مضخّم وحقيقي في رواية اعتقال الشخص اياه وحجم الدور الذي أُعد ليؤديه والوظيفة التي أُسندت اليه او تنكّبها طوعاً، وهو امر غير مفاجىء في عصر استخدام الامن واجهزته كرصيد سياسي وفي زمن تنافس الاجهزة، فالأكيد ان الحدث الامني الابرز خلال الساعات الماضية والذي أُريد له ان يكون فتحاً مبيناً في عالم الاقتحام وضبط الارهاب، فتح الأعين مجددا على ملفات متصلة على الدرجة عينها من السخونة، وابرزها طبيعة الارهاب الذي استوطن الساحة السورية منذ ما يقرب من 5 اعوام ونجح في التسلل الى العمق اللبناني، وهل كان هذا الارهاب في ساحتنا ارهابا وافدا يسعى الى الاستيطان، أم هو عابر أتى بمهمة بعث رسائل الى من يعنيهم الامر، او الضغط عبر ممارسات على هذه الساحة استتباعا للاشتباك الحاصل بضراوة في الساحة السورية.
من الصحة بمكان ان الارهاب في لبنان نجح خلال الاعوام الخوالي في إنزال ضربات موجعة في فترات معينة راوحت بين الضاحية الجنوبية والبقاع وبيروت، ولكنه عاد لاحقا ليتقلص خطره الى اضيق الحدود وليصير حالات معزولة وقليلة الاحتراف مما سهّل على القوى الامنية المعنية كشفها وتوجيه ضربات متتالية اليها وتفكيك عشرات الخلايا والحلقات التي تمكنت من تكوينها.
ومن البديهي ان ثمة اسبابا وعوامل عدة توافرت لتساهم في إبعاد خطر الارهاب وفي تجميد فعله ولجم اندفاعته الى اقصى الحدود على الساحة اللبنانية، وفي مقدمها:
- انطواء صفحة حاجة قوى محلية الى الارهاب وحراكه لتوظيفه في سياق الصراعات الداخلية التي ارتفع منسوبها بعد تأليف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، بدليل انتهاء الحرب التي استنزفت طرابلس مدى نحو ثلاثة اعوام في غضون اقل من اسبوع، وهو امر لافت خصوصا ان عشرات خطط التهدئة سقطت سابقا الواحدة تلو الاخرى.
- استوطن الارهاب الوافد والمستقبَل في بيئات حاضنة متفرقة ومحدودة ومتباعدة جغرافياً، لكن هذه البيئات ما لبثت ان سحبت الغطاء عنه بعدما انخفضت وتيرة حماسة الاشهر الاولى للحرب المندلعة في طول الساحة السورية، واضحى وجود هذا الارهاب عبارة عن عبء ثقيل الوطأة ومكلفاً لسكان هذه البيئات، ما خلا بعض المستفيدين، وذلك على غرار ما حصل في بلدة عرسال واماكن اخرى محدودة.
ولم يعد خافيا سريان مناخات تقول إن البيئات الحاضنة والرافدة تحولت تدريجا بيئات لافظة ونابذة، مما سهّل على الاجهزة الامنية المعنية، وتحديداً مخابرات الجيش وجهاز الامن العام، وبفعل تشجيع خارجي ولاسيما بعد ارتفاع مقولة الحرب على الارهاب، الامساك بالوضع مجددا وامتلاك كميات كبيرة من المعلومات والوقائع التي أمنت فرصة القضم التدريجي لمخابىء الارهاب وبؤره وخلاياه.
- من البديهي ان صيدا ومخيم عين الحلوة الذي يشكل امتدادا تاريخيا لها نظرا الى التداخل بينهما على كل المستويات منذ عام النكبة، كان لهما في ذلك الزمن حصة الاسد من سيرة الارهاب المتدحرج، فالنشوء المباغت لظاهرة الشيخ احمد الاسير في المدينة التي هي بوابة الجنوب وتمددها لاحقا وصيرورتها رقما صعبا قبل اجتثاثها بثمن باهظ، بعث الروح في البيئات الارهابية والسلفية الكامنة اصلاً في اكبر تجمع سكاني فلسطيني في لبنان لاعتبارات شتى، ابرزها ان هذا المخيم خارج عن اي سلطة للدولة اللبنانية، فضلاً عن ان هذه المجموعات السلفية المتشددة المنتشية نجحت خلال الاعوام الخوالي في استغلال ضعف حركة "فتح" عصب الوجود الفلسطيني وسيطرت على احياء معينة في عمق المخيم ومارست فيها سلطتها الخاصة وصيّرت نفسها رقما صعبا وحالة تحد وعامل منافسة، مما بعث الخشية في نفوس القيّمين الكثر على حركة "فتح" والسلطة اللبنانية في آن، لاسيما بعدما تحولت هذه الاحياء ملاذا للهاربين والمطلوبين والخطرين والمتشددين.
ولم يعد جديدا القول إن السلطة اللبنانية شكلت طوال اعوام ما يشبه غرفة عمليات مع قيادات من "فتح"، ولاسيما المعروفين بعدائهم للتطرف، بغية تمكين الحركة من المواجهة وترسيخ حضورها وتعزيز سطوتها ولتحول دون حين من الدهر يقع فيه المخيم كالثمرة اليانعة بيد المجموعات ذات الصلة بالارهاب في الخارج بعد ازدياد الاحداث الامنية وعمليات التصفية والاغتيال، خصوصاً لمن هم محسوبون على الحركة او المشهود لهم بمعاداة التشدد.
وثمة بالطبع من يدرج الحدث الاخير، اي اعتقال ياسين على هذا النحو السلس وهو المطلوب الخطير المحترف، في خانة انه جزء من صفقة كبرى دبرت في ليل مع جهات فلسطينية ارادت فعلا ان توجه ضربة صاعقة الى الارهاب المستشري في المخيم توطئة لعملية تنظيف جذرية تعيد هذا التجمع الضخم الى حظيرة الاستقرار والانضباط والنأي به عن عدسات الاعلام بعدما صار مادة اعلامية يومية للفوضى والانفلاش الامني. وقد تجلّت بوادر هذه الصفقة في عمليات تسليم ما يقرب من خمسين مطلوبا انفسهم للامن والقضاء اللبناني لتسوية اوضاعهم وإبطال مذكرات الملاحقة بحقهم.
وبعيدا من كل هذه التفاصيل، فالأكيد انه ما كان يمكن الاجهزة الامنية اللبنانية الدخول الى عمق المخيم وضبط هذا الصيد الثمين من دون وجود تنسيق مع جهات في داخل المخيم اسقطت محرمات وازالت موانع عدة، مما عزز الاعتقاد انها ضربة استباقية وقائية، خصوصا بعدما فتحت في الاونة الاخيرة على مصراعيها عمليات الصراع المعلن بين الفلسطينيين المرتبطين بالارهاب واولئك المتهمين بنسج علاقات مع الجهات اللبنانية.
وعليه فان العملية النوعية الاخيرة في عين الحلوة هي، في آن واحد، لمصلحة الدولة والجيش اللبناني من جهة، وخدمة للقوى الفلسطينية وخصوصا منظمة التحرير التي صار مطلوبا منها اكثر من اي وقت فعل عملي يثبت بما لا يرقى اليه شك انها منخرطة كليا في معركة جبه الارهاب الراغب في السيطرة على عين الحلوة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم