الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

من عرسال جاؤوا الى سن الفيل لتنفيذ المهمة... انهم محاربون عرساليون من نوعٍ آخر

المصدر: "النهار"
مجد بو مجاهد
مجد بو مجاهد
من عرسال جاؤوا الى سن الفيل لتنفيذ المهمة... انهم محاربون عرساليون من نوعٍ آخر
من عرسال جاؤوا الى سن الفيل لتنفيذ المهمة... انهم محاربون عرساليون من نوعٍ آخر
A+ A-

جاؤوا من عرسال الى فندق بادوفا في سنّ الفيل لينزعوا عن جلدهم همسات ألسنةٍ كفّرتهم. سمّوا أنفسهم بفريق عمل عدسة عرسال. وعرّفوا أنفسهم أنهم مجموعة من شباب عرسال، اجتمعوا بعدما وجدوا ضرورةً لتكوين نواة فريق إعلامي متخصّص قادر على تغيير الصورة النمطية التي أُخذت عن بلدتهم. كمن يتّهم زهرةً بوخز أشواكها، صار أهل تلك البلدة اللبنانية الحدودية كلّهم متهمين. على جبينهم علامة استفهام. وكأن عرسال صارت هي التهمة، بدلاً أن ينظر اليها من عين الضحية. شبّان وشابات عمرهم من عمر الحماسة المستوطنة في قلوبهم، حاضروا بمفهوم الانتماء الى الوطن الواحد الأوحد لبنان، بلكنةٍ تكاد تضحكك لاختلافها، وتبكيك لمدى الصدق في قول الكلمات التي لم تكن خطابيّةً، بل قلبيّة: "نحن لسنا بإرهابيين". ساعدهم في الوصول الى عرش التعبير عن أنفسهم، اختصاصيون في مجال الاعلام وأصول التواصل الاجتماعي، وعلى رأسهم فيليب أبو زيد الذي ساعدهم في الانطلاقة الافتراضية في مواقع التواصل، وكرّس لهم ومعهم وجوديّة الكترونية، تكاد تكون الخطوة الأولى في مسيرتهم الاعلامية المستقبلية. هذا فضلاً عن تكتل منظمات المجتمع المدني في عرسال التي سارت وإياهم يداً بيد، نحو بلوغ الهدف المنشود. دون أن ننسى المخرج زين الشيخ الذي كرّس بعدسة الكاميرا، عرسال الجميلة التي يتوق الرأي العام اللبناني الى سماع عيّنةٍ من أخبار الفرح عنها، كما لو أنها لم تعطب يوماً.


في مستهلّ عرضهم وجهة نظرهم، غاص أعضاء فريق عدسة عرسال في شاعريتهم، وهم يوصّفون لبنانيتهم المتحدّرة من عرساليتهم. عادوا بالحضور الى ما قبل عصر الحرب. تحوّلوا تلامذة مدرسة، وسردوا بأسلوب براءة الأطفال ميّزات بلدتهم البعيدة. راحوا بنا الى توصيف الحجر العرسالي والمونة وبساتين الكرز، كمن يوصّف عينين جميلتين لامرأة ثكلى. وُجّهت إليهم انتقادات وملاحظات بعد استطرادهم: "ليست الغاية من اللقاء سرد ميزات البلدة وشرحها". لكن انطباعاً أبعد من حدود غاية المؤتمر، يعكسه ما قاله عدي وتيريز وخديجة وعبير. انه فعل الطيبة. وكأننا في هذا الزمان لا نجد أناساً على "البركة"، ولا يغلب ملامحهم الزيف، كما تجسّدت تلك الطبيبة في ملامح فريق الاعلام العشريني الذي ترك أعضاؤه كلٌّ منهم اختصاصه الجامعيّ، وتطوّع ليصير ناطقاً حقيقياً باسم بلدته، من دون أن يتحوّل الناطق الى محامي دفاعٍ أعمى. فماذا في أهداف ذلك الفريق الهاوي؟


الأسباب، الهدف والرؤية
يلخّص فريق عدسة عرسال الأسباب التي أدت الى نشوئه بالأحداث التي وقعت في بلدتهم عام 2014 والتي انعكست سلباً عليها، إن على صعيد الوفيات ووقوع الشهداء او على الصعيد المادي. ويشير أعضاؤه الى ان السبب الأهم يتمثّل بما وصفوه الصورة الخاطئة التي اعتمدتها بعض وسائل الاعلام في نقل الأخبار ونشرها من غير الرجوع الى أهل البلدة للتأكد من صحّة الأنباء التي كانت محطّ تداول آنذاك. هذا ما أدى برأي المجمتع المدني العرسالي الى تكوين صورة سيئة عن عرسال، والتي لا تزال تنعكس سلباً على ابناء البلدة حتى اليوم. ويلفتون الى أن الهدف الاساسي من تكوينه يتمثّل بنقل الصورة الحقيقية عن عرسال بموضوعية وتجرّد كما هي في الواقع دون زيادة او نقصان وبعيداً من الانحياز لمصلحة البلدة، فضلاً عن تبين الأمور الجميلة الموجودة فيها. ويؤكّدون أن "اتباع الخطوات والارشادات المعطاة لنا للوصول الى هدفنا سيؤدي الى كسب ثقة الناس من خلال صدقيتنا في عملنا واتقاننا له، ناهيك بالموضوعية بنقل الأخبار ونقل الصورة كما هي في أرض الواقع، ليبلغ طموحنا أن نكون منبراً أو مرجعاً اعلامياً معتمداً في البلدة وأمام وسائل الاعلام والشعب عامة للحصول على أي معلومة تخصّ عرسال وابناءها والحصول على تقارير تنقل احداث البلدة كما هي في الواقع".


خطوة اولى على امل الدعم من وسائل الاعلام
يعوّل فريق عدسة عرسال على إمكان التواصل الايجابي مع وسائل الإعلام مستقبلاً. هذا ما يشير اليه رئيس تكتّل منظمات المجتمع المدني في عرسال المهندس خالد الرفاعي في حديثٍ لـ"النهار"، مضيفاً: "نحن لم نلمس حتى اليوم أي تواصل فعلي بيننا وبين الوسائل الاعلامية. لا نزال في بداية اطلاق عدسة عرسال، ونتمنى ان يكون هناك في المستقبل تواصل جدّي لنستطيع نقل الصورة الحقيقية عن بلدتنا". "الى أي مدى وظّفتم المساعي الشخصية والمبادرات الفردية من فريق عدسة عرسال للتواصل مع الوسائل الاعلامية؟". يجيب إننا نرغب في ايصال الأنباء وبعثها الى وسائل الاعلام لكن هذا الهدف مرهون برغبة وسائل الاعلام نفسها. صار عنواننا اليوم معروفاً لجميع الوسائل الاعلامية، ونحن جاهزون للتعاون معهم وتقديم أي معطى بناءً على رغبتهم".


لا يخفي الرفاعي استعداد فريق عدسة عرسال وطموحهم لأن يكونوا مراسلين مجانيين لوسائل الاعلام وأن ينجحوا في تغيير الصورة النمطية التي أخذت عن البلدة والتي ربطتها بالارهاب، لكن أي مبادرة شخصية لم تؤخذ في هذا الإطار حتى اليوم. وعن الدعم المادي للفريق، يشكر الجهات المانحة وأبرزها USAID التي تساهم في عمليّة التمويل من دون قيدٍ أو شرط. كما يشير الى دور البلدية في عرسال في تقديم الدعم الانمائي والمعنوي للمشروع. يقول: "بصراحة، وبغضّ النظر عن نظرة البعض اليها، الا أن البلدية السابقة كانت متعاونة معنا في العمل الانمائي والقضايا التي تهم أولاد عرسال، وهذا التعاون استمر مع البلدية الجديدة. وفعّلنا العديد من اللقاءات مع المجلس البلدي المنتخب".


تتطلّع منظمات المجتمع المدني في عرسال، بالشراكة مع المجتمع المحلّي، الى تحقيق تنمية مستدامة كي تغدو قريتهم، بلدةً نموذجيّة. هو حلم البلدة البعيدة عن ضوضاء المدن، التي حين يوصّف أبناؤها واقعهم، يقولون عن أنفسهم إنهم "محرومون". يلفظون العبارة على الطريقة العرسالية، فيطول لفظ الياء ويضخّم، ليزيد من ثقل محاكاة واقع الألم. هم لا يريدون شيئاً، سوى أن يعود موسم الكرز والمونة والحجارة الصنديدية الى سابق عهده المجيد. يتمنون لو أنهم بقيوا منسيين، قبل أن تعكّر أصداء الأسلحة والقنابل صفو سكينتهم، وتجعل من رائحة ملابسهم باروداً، ليس لهم فيه أي تواطؤ.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم