الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

لا أحد أكبر من جيشه

فيليب سكاف
A+ A-

أصغر من أن يُقسّم وأكبر من أن يُبلع؟ من الخارج، نعم، ولكن من الداخل... مش أكيد! ما شاء الله على شهيّة السياسيّين اللبنانيّين. يُشبهون أبطال الـ"باك مان". هذه اللعبة الإلكترونيّة البدائيّة التي أبطالها كلهم بوجه واحد، ثلاثة أرباعه فم، يفتحونه، يأكلون ما ومن أمامهم، يتقدّمون، يأكلون مجدّداً، ثم يدورون يميناً... يأكلون، ثم شمالاً فصعوداً أو نزولاً. يأكلون. فمٌ هائل لا يشبع. إذا توقف عن البلع، فليُثرثر لا أكثر.
كلما صاح الدّيك، يستفيق الـ "باك مانيّون" السّياسيّون في أحد فرشاتهم الريشيّة، ويبدأون بالتساؤل: "ماذا نأكل؟". خياراتهم واسعة كفمهم: كنافة بجبن. منقوشة بالزعتر أو بالكشك. سحلب وشويّة كعك. بيض مقلي بالسمّاق أو بالقاورما. فول مدمّس. جبنة بلديّة مع حبّة زيتون. قصبة نيّة وفتيلة مع كأس عرق (للكفّار فقط). وبعد الترويقة العارمة، وهم على طريق المكتب، يلتفت بعضهم إلى جبل أخضر جميل، فلا يرون فيه إلا صخراً محرزاً، فيُكسّرونه ويأكلونه. ويرون يساراً غابة، فيأكلونها أيضاً، تراباً أو باطونأ مسلحاً. ويُعرّجون بحراً فيبلعون شاطئه بلعاً. ثم يُتابعون اللعبة.. يأكلون الإدارات. يأكلون حقوق المواطنين والنقابات وسلسلة الرّتب والرّواتب. يأكلون الصناديق، والهبات، والمخصّصات والموازنات بأمّها وأبيها وأختها وأخيها.
وهم في ذلك لا يشبعون! يأكلون أوراق الدساتير. يأكلون القوانين التي يُشرّعونها. يأكلون الإستحقاقات. يأكلون أصوات الناخبين. وأحياناً، يرتاحون في وقفات ثرثرة لإطلاق نظريّات محليّة، وتحليلات كونية، في إطلالات "دونكيشوتيّة توكشويّة" سخيفة ومخيفة. وفي الليل، لا يحلم الـ"باك مانيّون" إلا بما سيأكلونه غداً، بعد أن يُخلوا السّاحة لـ"باك مانيّي" الظلام والظلمة الذين يأكلون أحلامنا وأجيالنا. وهؤلاء أنواع: منهم الـ"باك مانيّون" التكفيريّون الملتحون الذين يأكلون تنوّعنا... وقلوبنا. ومنهم الـ"باك مانيّون" الإسبرطيّون المقاتلون الذين يأكلون قرارنا حرباً وسلماً. ومنهم، أخيراً، "باك مانيّو" رجال الدّين الذين يأكلون سماءنا وجنّتنا الموعودة، بصلصة من فتنة وجحيم... والثلاثة يأكلون نخاعنا الشوكي بدون سكين ولا شوكة.
أكلة الدّولة اللبنانيّة، كلهم هؤلاء، أراجيز تحرّكها أصابع خارجيّة تضيء، على هواها، شاشة اللعبة وتطفئها. ولأنّ الـ"باك مانيّين" لا يشبعون، فقد بدأوا يأكلون بعضهم، طائفة طائفة، مذهباً مذهباً، حزباً حزباً وتيّاراً تيّاراً. حتى إن جوعهم وصل إلى المباشرة بأكل جيشهم، ضابطاً ضابطاً، جنديّاً جنديّاً ونفراً نفراً. لكنهم عرفوا البارحة أنّ لا الـ"باك مان" هذا اليوم، ولا غداً، سيكون أكبر من جيشه، فجيشنا الأمر له والغد له ولنا!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم