الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الهواجس الأمنية تنبعث مجدداً... فهل هي في مكانها؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
الهواجس الأمنية تنبعث مجدداً... فهل هي في مكانها؟
الهواجس الأمنية تنبعث مجدداً... فهل هي في مكانها؟
A+ A-

عاد الهاجس الامني ليفرض ظلاله الثقيلة الوطأة على نحو انبعثت معه المخاوف وانطلق سيل من التكهنات الى درجة ان الجيش، وللمرة الاولى منذ سنوات، بادر الى اجراء عملية تفتيش دقيق لسفينة تركية قبالة الساحل الطرابلسي، واحتاج الامر الى ساعات عدة بقيت خلالها العيون شاخصة والاذهان مشدودة في اتجاه الشمال بغية قطع الشك باليقين.


ومن الجنوب، وتحديداً من التجمع السكاني الفلسطيني الاكبر في مخيم عين الحلوة، تتواتر الانباء عن عمليات "عرض عضلات" ليلية تمارسها المجموعات الفلسطينية المرتبطة بالسلفية الجهادية بكل تلاوينها ومسمياتها، لتظهر لمن يعنيهم الامر، في الداخل والخارج على السواء، انها تبسط سيطرتها على احياء ومناطق لا يستهان بها في المخيم، وانها اضحت رقما صعبا عصياً على اي محاولة لشطبها او لالغائها من معادلة الوضع في المخيم الى درجة انه ربما للمرة الاولى ترتفع اصوات معتبَرة تطالب صراحة بالمهمة الاصعب وهي انتشار الجيش في داخل المخيم لضبط الوضع وتدارك الاسوأ، خصوصا ان اجراءات امنية اتخذتها الفصائل سابقا ومنها تشكيل قوة امنية لم تفلح في تحقيق المرتجى من جهة، ولم تعطِ براهين على ان المخيم لن ينزلق بين عشية وضحاها الى قبضة المجموعات التكفيرية فتحيله بؤرة ارهاب تختزن بين جنباتها كل الاحتمالات السلبية.
في غضون، ذلك يتوالى صدور بيانات عن الجهات الامنية الرسمية عن عمليات قبض بالجملة يوميا على مشتبه فيهم من نازحين سوريين ولاجئين فلسطينيين. والجديد في الامر هذه المرة هو ان المقبوض عليهم يُعدّون بالمئات، علما ان 70 في المئة منهم يطلقون بعد ساعات من اعتقالهم.
وفي الضاحية الجنوبية، ما برحت الاجراءات الامنية على وتيرتها المرتفعة ولم تتراخَ قبضة الاجهزة المعنية هناك (الاجهزة الامنية وجهاز امن "حزب الله") عما كانت عليه منذ مطلع شهر رمضان المنصرم.
هل هذا الوضع الاحترازي منطلق من وقائع ومعطيات جديدة توحي بان الارهاب قرر العودة الى المربع الاول، اي وضع الساحة اللبنانية على لائحة استهدافاته، وانه استطرادا في صدد ولوج عتبة مرحلة مختلفة من التعاطي مع هذه الساحة؟
السؤال تجذّر اكثر بُعيد غزوتي القاع اللتين اظهرتا من جهة قصورا امنيا إذ حصلتا في بقعة جغرافية يفترض انها منطقة تخضع لاجراءات عسكرية مشددة كونها خط تماس قديما مع الارهاب المتربص بجرودها، واظهرتا من جهة اخرى نوعا جديدا في فعل الارهاب حيث هناك 8 ارهابيين انغماسيين تسللوا خلسة الى داخل البلدة ولبثوا فيها استعدادا لعمل ما زال حتى الان مبهما قبل ان يفجروا انفسهم على دفعتين ليخلفوا وراءهم خمس ضحايا وسيلا من التساؤلات، خصوصا انه لم يسبق للارهاب ان بادر الى تفجير هذا الكم من انغماسييه في مكان واحد لا يضم سوى عزّل.
الثابت لدى الجهات المعنية من امنية وسياسية، ان عين الارهاب لم تنم اطلاقا، فهي على درجة عالية من اليقظة والاستنفار، ويعتبر نفسه انه في منتصف معركته المصيرية في ساحتي العراق وسوريا، وبالتالي لا يمكن اي جهة ان تسقط من حساباتها الخطر الامني والدائم لهذا الارهاب وخطر ان يعاود سيرة ضرباته الاولى التي بدأها عمليا بعد نحو عامين على اشتعال فتيل الاحداث في الساحة السورية، وهي الضربات التي فعلت فعلها الموجع لدى شرائح ومناطق عدة.
ومع هذا التاريخ الدامي، ترى الجهات عينها ان الارهاب اياه يمكنه انزال بعض الضربات في بعض الاماكن مخترقا الاجراءات الامنية المتخذة، كما حصل اخيرا في القاع وقبلها في برج البراجنة في عمق الضاحية الجنوبية، ولكنه بات اعجز من ان يأخذ البلاد الى حيث يريد متحكما بمسار الاوضاع فيها وفارضا معادلة رعب من خلال نشر الفوضى الامنية، ومن خلال التأثير على التوازن والاستقرار الامني والسياسي على غرار ما حصل ابان غزوة عرسال الشهيرة والتي كانت ذروة ضرباته، وما قبلها مباشرة من ضربات متتالية في الضاحية الجنوبية وفي مناطق في البقاعين الشمالي والاوسط، حتى ان ثمة من قال في حينه ان "داعش" و"النصرة" يحكمان لبنان من خارج حدوده.
هذه الثقة الزائدة بالنفس تبنيها الجهات عينها على رزمة اعتبارات متراكمة منذ زمن ابرزها:
- لم يعد الارهاب يجد في الساحة اللبنانية ما يغريه ليضطره الى "تفريغ" جهاز كبير للتلاعب بأمنها والتأثير على استقرارها والتوازنات فيها كما في الاعوام الثلاثة التي تلت التهاب الميدان السوري حيث كانت الساحة اللبنانية خط امداد له بالسلاح والمقاتلين.
- انتفت الى حد بعيد البيئات الحاضنة للارهاب والمتماهية معه والتي تعيش واياه على رجاء قرب سقوط النظام في سوريا مما ينعكس تحولات في لبنان وخصوصا في بعض المناطق الشمالية، وذلك بفعل تطورات سياسية داخلية وبفعل قرار الجيش فتح ابواب المواجهة الجدية والمباشرة مع المجموعات والخلايا الامنية النائمة واليقظة، ولم يبقَ من ارث هاتيك المرحلة المضطربة سوى عرسال نفسها التي دفعت وما زالت ثمن تسلل مجموعات ارهابية الى عمقها وقبضها في بعض المراحل على قرار البلدة التي باتت الان تبذل جهودا جبارة للاستحصال على براءة ذمة من المرحلة التي اوجعتها وادمتها.
- نجح الجيش في توجيه ضربات متتالية الى رؤوس الارهاب في لبنان، إما عبر تصفيتهم او عبر اعتقالهم او دفعهم الى الفرار الى الخارج. وفي السجون اللبنانية الان، بحسب بعض التقديرات، ما لا يقل عن 400 ارهابي محترف وهو امر لا يمكن تعويضه بسهولة.
باختصار، لم تعد الساحة اللبنانية مكانا آمنا للارهاب. اما هل يصبح مخيم عين الحلوة مربط فرس الارهاب ويتحول الى قاعدة انطلاق وجذب وحماية له، فذلك امر ليس بالمحسوم لدى الجهات عينها، وفي اسوأ الاحوال ليس بامكان المجموعات الفلسطينية المبايعة للارهاب ان تبسط سيطرتها على كل المخيم، فالوضع ما زال حتى الساعة تحت السيطرة على رغم ان الاجهزة الامنية رصدت في الآونة الاخيرة مؤشرات سلبية عدة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم