الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

كيارستمي؟ انه الطريق!

المصدر: "النهار"
كيارستمي؟ انه الطريق!
كيارستمي؟ انه الطريق!
A+ A-

عباس كيارستمي من السينمائيين الذين نعرف عنهم الكثير. رافق الواحد منّا حصة طويلة من مساره. الا اننا لحظة جلوسنا أمام مفاتيح الكومبيوتر لتلخيص منجزه، لا تأتينا الأفكار في شأنه بالتسلسل المنطقي الذي يفيد بكتابة مرثية كلاسيكية. فتلك الأفكار تبعثرت عبر الزمن، نتيجة اكتشافنا العشوائي لأفلامه منذ نهاية التسعينات، وابحارنا المستمر بين ماضي سينماه وحاضرها، وعودتنا اليها بين حين وآخر.


لا مهمة أصعب من تلك التي تجلعنا نلتقط خيوط سيرة سينمائية، فعل صاحبها المستحيل كي تبقى في منأى من التصنيف والايجاز والاختزال. وخصوصاً عندما نتذكّر كمّ كان الراحل (1940 - 2016) يقاوم فكرة عقلنة السينما التي أنجزها. سينماه لم تكن بيانات أو اعلان مواقف، بل انطوت على حقيقتها الداخلية الخاصة بها، التي سيقى جزء منها رهناً للتحليل. نهشت سينما كيارستمي احاسيسنا ببطء، لقطة بعد لقطة، من ساعة ما اكتشفناها، إلى درجة اننا أمام لحظة رحيل صاحبها، نخشى أن يتغلب العقل على المشاعر.



 



كيارستمي لم يكن طليعياً، ولم يكن شاعرياً، ولم يكن فناناً. كان الطليعية والشاعرية والفنّ! هذا كله جمعه في مشهد واحد لا يمكن نسيانه من "طعم الكرز" ("سعفة" كانّ - 1997)، ذروة السينما التي ابتكرها. هذا الغريب الذي يتنقل بسيارته الرانج روفر باحثاً عمّن يرمي على قبره القليل من التراب بعد انتحاره، يلتقي عجوزاً يشرح له كيف خرج ذات صباح من البيت وفي رأسه فكرة واحدة: الانتحار. ثم عاد إلى المنزل مع كمشة توت لزوجته. التوت أنقذه من الموت. لم يكن هذا ممكناً الا في فيلم يحمل توقيع كيارستمي. انه المشهد الذي، على رغم نبذ المعلم للاختزالات، يقول كلّ ما حمله فكره: "لو توقفنا للحظة عن مناكفة الحياة، ونظرنا من حولنا!". خطاب يبدو بسيطاً لوهلة، انما نقّب فيه كيارستمي عميقاً ليستنتج ما كان غير متوقع وجديداً وانقلابياً في الكثير من الأحيان.
كيارستمي؟ انه الطريق، تلك المتعرجة التي لا بداية لها ولا نهاية، على نقيض الحياة. وهو أخذ واحدة من تلك الطرق الاثنين الماضي، من دون وجهة محددة. كيارستمي؟ انه الشبابيك وما خلفها، والسيارات وما في داخلها، وحقول القمح وما بين حبوبها، والكادر داخل الكادر والجواب المسروق من السؤال... انه المعضلة الأخلاقية التي لا حلّ لها، والسجال الذي يصبح بسيطاً من شدة تعقيده. كيارستمي؟ انه طعم الوجود المرّ تحت الأضراس! انه وجه البراءة والصوفية، انه الاحساس المزمن بالكبت من عدم قدرة منافسة الطبيعة وروعتها (ما يفسّر انتقاله من الرسم إلى التصوير الفوتوغرافي). كيارستمي هو هذا كله، وهو قبل كل شيء آخر السينمائي الذي فتح الطريق لاحتمالات كثيرة في السينما. فتح الطريق لأكثر الاختبارات جرأةً (في "عشرة" و"عشرة على عشرة") وكان نموذجاً لسينمائيين كثر كي يتخلصوا من الفولكلور المتجذر في أفلامهم. انه، على غرار روسيلليني وبونويل وفيغو، عرف كيف يقول أشياء مهمة عن البسطاء، ووضع ابن الريف في الجغرافيا السينمائية الحديثة. صحيح ان شخوصه تحدثت الفارسية، صوّرها في العمق الايراني، الا انها خرجت بقدرة قادر من قمقمها. وأخيراً وليس آخراً، فتح كيارستمي الطريق أمام مخرجي بلاده إلى فضاء العالم الرحب. وصادف صعوده مع تحوّل الكرة الأرضية إلى قرية صغيرة. وها انه يموت مع دخولنا في زمن يزج بنا في المجهول ليرفع شعار التقوقع والعدائية. في السينما الايرانية الحديثة، سبقه داريوس مهرجويي بسنة (بدايات "الموجة الايرانية الجديدة")، لكنه تجاوز صاحب "البقرة" فكراً وموهبة وقدرة على مخاطبة العالم. استوعبت أفلامه ثلاثة عناصر: الاستيتيك المشغول بعناية، الهوس بالواقعية، واقحام الوثائقي داخل الدراما.



 



جسّد كيارستمي فكرة أخرى للسينما، أكثر رقياً من فكرة مجايليه لها، وهذا مرتبط كثيراً بشخصيته الفضولية. ليس المقصود فكرة السينما الموازية، انما السينما حيث يحتل الانسان الصدارة، وهي سينما يرثها منه اليوم كلّ من لفتتهم فكرة أو أبكاهم حوار في أفلامه. عرف كيف يوظف لمصلحته مرحلة تداخلت فيها الفنون المولودة من فنون أخرى، وراحت تساند بعضها البعض. فأفلامه لا هي قصائد ولا هي صور فوتوغرافية ولا هي فيديو آرت، بل هي لقاء هذا كله. لم ينكر يوماً الينبوع الذي ارتوى منه: روبير بروسون، فرنسوا تروفو، "الواقعية الايطالية الجديدة"، روسيلليني. إلى هذا، كان لكيارستمي تعامل مع كلّ فنّ على حدة: التقط الصور ورسم اللوحات وقام بتجهيزات فُتحت له على اثرها متاحف العالم. بين نشاط وآخر، كان يدعم مواهب فتية ويشارك في ورش. أسماء عدة خرجت من معطفه، أشهرها جعفر بناهي.
جال كيارستمي في بلاده طولاً وعرضاً. لم يهمل أي تجمع اثني أو أياً من مكوّنات المجتمع الايراني المترجح بين التقليد والحداثة. عمله وثيقة لإيران الماضي والحاضر. تحقيق ميداني صوتاً وصورة. مجالات فكرية واسعة نقّب في داخلها واشتغل عليها، الا انه كان مهموماً بالأشياء التي تقرّب الناس بعضها من بعض، وهذا واضح من خلال الصيغة التصويرية (داخل السيارة) التي اعتمدها وارتقى بها، وأضاف اليها المشهد الطويل المكوّن من لقطة واحدة. في العام 1999 في بيروت، خلال لقاء مع الصحافة، سألته عن اصراره على التصوير داخل السيارة، وكان معلوماً انه ليس لأسباب اقتصادية، فردّ بنكتة: "أعتقد ان السيارة أفضل الأماكن لتستقبل أحدهم، لستَ في حاجة إلى فتح الباب للضيف عندما يأتي ولا مرافقته إلى الباب عندما يرحل".
الأولاد والاهتمام الذي حظوا به في أفلامه نتيجة ميله الفطري إلى البيداغوجيا ونقل التراث الفكري إلى الأجيال الصاعدة. خلف ستار الجماليات، كان يخفي رغبة في نقل القيمة والمعرفة إلى الآخر، وهي رغبة يقمعها حيناً وتتجلى بوضوح في أحايين أخرى. والأطفال في أفلامه لم يكونوا دائماً حجّة للتحايل على الرقابة، إنما تجسيد لاقتناعه بأن الأمل الباقي عند هؤلاء، وعبّر عنه بأبسط تجلياته. يجب التشديد ان كيارستمي جدد قليلاً، أو بالأحرى، شمل تجديده بقعة محدودة. حافظ على بعض التقاليد الفنية الفارسية، مع انه كان أكبر مشروع حداثي في السينما في نهاية القرن الماضي.



 



ظلّ مرتبطاً بإيران على رغم كلّ ما مرت به. في فترة، ملّ العيون الساهرة عليه، فبلور فكرة التصوير مرة في ايطاليا ومرة في اليابان (مشروعه في الصين لم يكتمل)، ولكن كان دائماً يعود إلى النبع. حتى بعد الثورة الاسلامية، لم يهاجر. في أفلامه، زرع الكثير من المسكوت عنه، العديد من الفجوات التي أوكل للمشاهدين مهمة سدّها. ولكن لا كلام صريحاً له في السياسة. لا اعلان، لا تصريح. لم يذعن للنظام الايراني، وفي الحين نفسه لم يتصدّ لها، وخصوصاً في الخارج. حاربه أزلام الملالي، ولكن أمام تحوّله إلى ثروة وطنية، اقتضت الحكمة أن يتركوه وشأنه. في أفلامه، ليس هناك أيّ أثر لأيّ شيء يتعلق بالنظام أو الدين، لا سلباً ولا ايجاباً. كانت هذه طريقته في قول الكثير. انها ثورته الصامتة التي جعلت من سينماه مدرسة في العالم، وخصوصاً ان الرقابة الشرسة أتاحت له ايجاد خطاب مبطن ولغة بديلة، يتلقفهما المُشاهد الذكي. عن الرقابة، قال لـ"النهار"في احدى المقابلات معه: "لم نعد نعرف هل نحن نصنع رقابتنا أم تصنعها الرقابة. بالنسبة لي، حتى لو الغيتْ الرقابة كلياً، فسأعمل بالطريقة عينها. في حالتي، لم تلعب الرقابة دوراً قطّ، ذاك لا يعني ان الرقابة غير موجودة. السينما التي أصنعها ليست في حاجة إلى رقابة".


في حين كان الاهتمام الغربي منصباً على الجانب السياسي الخفي في أعماله، أبدى كيارستمي طوال مسيرته اهتماماً بالمجتمع الايراني الخالص المقيم خارج التجاذبات السياسية وتأثيراتها المباشرة. لم يكن مسيّساً. في المقابل، حملت سينماه مضامين سياسية. في حوار آخر لنا معه، كان يشتكي من هذه الآفة، قائلاً: "بعضهم في ايران يميل إلى رؤية كلّ شيء من خلال النافذة الضيقة لعالم السياسة. في النتيجة، انهم يتوقعون تلقي رسائل وهو الأمر الذي يزعجني".



 


على الرغم من أهمية أفلامه الأولى التي هيأت الأرض للقادم من أفلامه، كان ينبغي انتظار جوهرتين سينمائيتين كي يذيع صيت كيارستمي دولياً. نحن في الثمانينات وكيارستمي يأتينا بـ"أين منزل صديقي؟" (1987) عن صبي يتحدى كلّ الأخطار لتوصيل دفتر إلى رفيقه في الصفّ ومنعه من التعرض لعقاب. برقة لا مثيل لها، يصوّر كيارستمي عمل الخير، ويتوقف قبل أن يتجسد الفعل السلطوي (العقاب). من استعارة إلى أخرى، تتكرس اسلوبيته التي تطعّم أفلامه بدلالات كونية. ناس الهامش، القرى المنسية، الأفعال الثانوية. المحو التام لكلّ ما يمثّل حدثاً كبيراً... يعرف كيارستمي كيف يضع خريطة الطريق إلى قلب المشاهد البعيد، ليجد نفسه في حيّز لم يكن يتوقعه قطّ.
الجوهرة الثانية، "كلوز آب" (1990)، موضعه نهائياً بين الكبار. التكريس الدولي جعله يلفت انتباه سينمائيين مثل كوروساوا وسكورسيزي وغودار الذي قال عنه ان "السينما تنتهي به" (لا يوجد مصدر للتصريح). طبعاً، شكّل "كلوز آب" اكتشافاً باهراً وتربّع على رأس معظم جداول النقّاد في نهاية العام الذي صدر فيه. انطلاقاً من حكاية عرضية تتحدث عن محتال انتحل شخصية المخرج محسن مخملباف، أدخل كيارستمي نظرياته السينمائية في تقاطع حاد بين الروائي والوثائقي. لن نعرف اطلاقاً في أفلامه ما هو حقيقي وما ينتمي إلى حيز الخيال. "كلوز آب" فيلم رسالة امتنان إلى السينما.
"طعم الكرز" (1997) كان صدمة جمالية وسينمائية وانسانية كبيرة، تجلى من خلالها الوضع السياسي في الجمهورية الاسلامية، دائماً بشكل مبطن لا تعيه الرقابة. من خلال الموت (رجل يريد الانتحار)، أنجز كيارستمي فيلماً عن الحياة. في هذه التحفة الأزلية التي استحق عنها "السعفة الذهب"، طرح الأسئلة الثلاثة الأزلية: مَن نحن، من أين نأتي وإلى أين نذهب؟ طعمّها بمذاق ايراني. عن هذا الفيلم، قال لـ"النهار"، مباشرة بعد العرض الأول للفيلم في كانّ: "أعتقد ان الحياة امتحان، سؤال، وقبل أن نتوّصل إلى حله نُستبعد، نغادر العالم. العجوز في الفيلم شاهد على ما أقول. يملك الفهم الأفضل للحياة حين لم يبقَ له الكثير ليعيش. المنتحر لديّ لا يمثّل انتحاره الشخصي. انه يجسد طرفاً آخر. في معالجتي هذه، الانتحار ليس سوى ذريعة. للحقيقة أبعاد كثيرة. انما في الكذب أيضا جانب من الحقيقة. يتيح الفنّ للكائن أن يخلق حقيقته بحسب امنياته ومعاييره".



بعد "السعفة"، بلغ كيارستمي ذروة المجد. صارت الصحافة السينمائية ترى فيه إلهاً حيّاً. كبر رصيده عند السينيفيليين، ما جعله يطرح تساؤلات حول طبيعة عمله. هذه التساؤلات سرعان ما راحت تنعكس على مساره في سنوات الألفين، وبنتائج متفاوتة، فكان من الطبيعي أن يتجه إلى تجارب اختبارية عبر الفيديو، إلى جانب المعارض الفوتوغرافية والتشكيلية. هذه التجارب حملت كيارستمي إلى ممارسات راديكالية ("عشرة" ثم "عشرة على عشرة") وأخرى أكثر انسانية مثل "أ ب ث افريقيا". الفيلمان الأولان وحدهما اطروحة كاملة متكاملة ونظريات جعلها كيارستمي قيد التنفيذ. بلغ أعلى مراتب التجريب مع "شيرين" (2008). حقق من خلاله حلمه الأكبر: أن يدخل معاجم السينما كواحد من المخرجين الذين صوّروا فيلماً لا يحصل فيه شيء، لا شيء اطلاقاً. ينطلق "شيرين" بجنريك هو لفيلم يشاهده متفرجون في مكان نعتقد انه احدى الصالات الايرانية. هذا الجنريك هو كلّ ما سنراه من الفيلم المعروض في تلك الصالة، اذ بعد صعود الأسماء، يفضّل مخرجنا أن يتوجه بكاميراه إلى وجوه الحاضرين.
كان كيارستمي يحلم بفيلم لا يحصل فيه شيء البتة، الأمر الذي حققه جزئياً في "سوف تحملنا الرياح" (1999)، حدّ اننا نخشى أن يضجر منا الممثلون، لا العكس. تلك الرغبة في انجاز فيلم بلا حوادث أو حبكة، هو ما أعلنه ذات مرة في مقابلة مع "دفاتر السينما". عندما سألته اذا كان مثل هذا المشروع قابلاً للتنفيذ، كان ردّه: "آمل ذلك. لا أقصد اقصاء تاماً لكلّ ما هو قابل لأن يخلق سير الحوادث. لا يوجد لحظة في الحياة لا يجري فيها شيء. أريد إلغاء الحوادث الدرامية".




اذا استثنينا الوثائقي "أ ب ث أفريقيا"، كان "نسخة طبق الأصل" (2010) أول فيلم صوّره كيارستمي خارج ايران. عاد مع هذا الفيلم إلى السينما "التقليدية" التي كان غادرها طوال العقد السابق لمصلحة تجارب صغيرة حوّلته إلى مخرج تجربيبي يريد فهم حدود الصورة، أخطارها وطاقاتها الهائلة. لم يكن ممكناً انجازه في ايران لأسباب تتعلق بالديكور واللغة وطبيعة المادة المصورة. أن يذهب كيارستمي إلى توسكانا للتصوير، لا يعني نفياً ولا بحثاً عن وطن جديد. قبل هذا الفيلم، لم يكن قد استعان بنجمة سينمائية. جولييت بينوش كانت تبدو منذ البداية جزءاً أساسياً من المشروع الذي طرحه كيارستمي بدءاً على شكل فيلم تدور حوادثه في بيروت ويكون من تمثيل ايزابيل أدجاني وينطق بلغات ثلاث. ثم راحت الفكرة تنضج في رأسه لينتقل مع التحولات الطارئة في النصّ إلى توسكانا.
كان رجلاً رقيقاً وخفيف الظلّ، لا تستهويه كثيراً فكرة شرح الأفلام كي لا يتطاير منها الغموض. تأمل الحياة من خلف نظارته السوداء التي وضعها لأسباب طبية، مقتنعاً ان هذه الحياة تعوم بالشعر، ولكن لا نملك الوقت كي ننظر اليها جيداً. هنا، يكمن جوهر سينماه. بدا كأنه سلحفاة في زمن السرعة، لا يأبه كثيراً بالوقت، ولكن الوقت كان في مرصاده. هكذا أحب أن أتذكّر الشخص. أما أفلامه، فلها قراءات بقدر ما هناك من مشاهدين، وهي مرشحة للبقاء مهما طال الزمن.



عرفناه مثقفاً من الطراز الأول، يستشهد بعمر الخيام وفروغ فرخزاد. كاتم أسرار سينمائية، مقلّ كلاماً، واذا سألته عن مدلول السلحفاة في "سوف تحملنا الرياح"، فلا تتوقع منه جواباً قاطعاً. واذا أردتَ معرفة المزيد عن كونية سينماه، وانهلتَ عليه بالكيف واللماذا، فالجواب الذي ستتلقاه سيكون حتماً: "لا أعرف. قد يكون الرد الأوجز أن اقول لك "بالحظ"، المصادفة المحض!". عبقريته التي لا يرتقي اليها الشكّ، كامنة في واقع ان أفلامه تشاهدنا أكثر مما نشاهدها. ناسه من كل مكان، لكنهم أيضاً من ايران. تراوحت شخصياته بين محسن مخملباف في "كلوز آب"، والمرأة التي يصعد معها المُشاهد في سيارتها في "عشرة"، وذلك الانسان الباحث عن الحياة من خلال الموت في "طعم الكرز". صوّر نماذج بشرية وُضعت في فخّ مطبق، ولا حيلة لها الا البحث عن منفذ للنجاة والولادة ثانياً. لا حياة ممكنة خارج حقل الصورة. يطرح كيارستمي الكثير من الأسئلة، لكن ليس من خلال الفيلم، بقدر ما تأتي على لسان الشخصيات، وتبلغ أحياناً صيغة الاستجواب أو المسائلة. بهوس شديد، شكّل كيارستمي كادراته ذات الدلالة، استخدم الترافيلينغ والبانوراميك، لكن اللقطة البديهية عنده هي تلك الستاتيكية. بذلك، سعى إلى توحيد نظرته إلى مشهدية ايرانية شاسعة حيث الألم يتسرب في النفوس كداء خبيث.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم