الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

هل بمقدور الحكومة والقوى السياسية أن تتوحّد حول خطة عملية لاجتثاث الإرهاب من جذوره؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
A+ A-

في اليوم الذي ضرب الارهاب المتربص ضربته المؤلمة في القاع من خلال العملية المزدوجة التي نفذها في البلدة، كان رئيس الحكومة تمام سلام يشهر ربما للمرة المئة "قرفه" مما آل اليه الوضع الحكومي من شلل وتشرذم الى درجة انه اوشك ان ينعى هذه الحكومة التي تربّع على رأسها منذ اكثر من ثلاثة اعوام مطلقاً عليها تسمية حكومة "المصلحة الوطنية".


لقد أتت غزوة القاع لتفرض على الحكومة تحدياً اضافياً يتجاوز قدرتها على اجتراح سبل المواجهة الباعثة على الطمأنينة وعلى ابتكار احتياطات تفضي الى تحصين ساحة بدت اكثر من اي وقت مشرعة. وأتت الغزوة ايضا لتضع القوى السياسية مجددا امام "عريّ" مشهد انقساماتها المزمنة حيال طرق تلافي التداعيات الامنية للحرب في سوريا على الداخل اللبناني.
ولحظة بدا الوضع في اشد الحاجة الى تماسك امام الخطر الطارق بفجاجة وشراسة غير مسبوقتين كل الابواب والجدر اللبنانية، انكشف المشهد عن معادلة تناقض جديدة اذ اظهرت مجزرة القاع وهناً رسمياً موصوفاً مشفوعاً باستمرار التباينات وصراعات المصالح والرؤى بين المكونات السياسية التي ما برحت تراهن على نذر تحولات اقليمية ودولية من جهة، وارهاب عزم على تطوير طبيعة عمله وفعله في الداخل الغارق حتى اذنيه في الانقسامات.
ولم يكد السجال الذي اندلع دفعة واحدة حول طبيعة غزوة الارهاب الخارجة عن كل الحسابات، وهل هي عابرة وبنت ساعتها، ام هي توطئة لفعل اوسع ممتد في المكان والزمان، حتى قطع بيان قيادة الجيش دابر الكلام والشك باليقين اذ اعلن وضع اليد على مخطط ارهابي في قائمة استهدافاته امكنة سياحية وسكنية سمتها الاكتظاظ، مما اثبت ان هذا الارهاب هو في طور تنفيذ مخطط يتعدى حدود مخططاته السابقة، اي خارج الحيز المكاني الذي اعتاد الضرب فيه على اعتبار انه رد على فعل.
ضربة القاع ايقظت سجالا ظل نجم المشهد السياسي منذ اشتعال الفتيل في الميدان السوري وتمحور على سبل جبه الاخطار الوافدة الى لبنان من ذاك الميدان المحموم، وتجدد اكثر ما يكون الكلام على "ضرورة" تحرير جرود عرسال والقاع ورأس بعلبك امتدادا حتى تخوم جرود يونين ونحلة، كما تجدد رد انصار القائلين بأن لا قدرة ولا حاجة لتنكّب هذا الفعل المتعب حد الانهاك.
في موازاة ذلك، ارتفع منسوب الحديث مجددا ولاسيما من دعاة الحياد والنأي بالنفس عن ضرورة العمل على استدعاء قوات دولية تنتشر على تخوم تلك الجرود لتؤمن للداخل شبكة امن وامان. ومع هاتين الرؤيتين "انفجر" سجال حول مسألة وجوب اعادة الاعتبار الى مبدأ "الدفاعات الذاتية" في فعل يرعاه الجيش ويشارك فيه طيف القوى ذات الصلة. وعلى الفور بادر فريق الى رمي هذا العرض بالحرم وعدَّه استعادة ممجوجة وممقوتة لصورة الامن الذاتي الذي سرى ابان سني الحرب الاهلية بألوان منوعة على حساب الشرعية والمؤسسات.
وثمة فريق وجد ضالته وراحته من اي تفكير عبر ترداد منظومة سرت منذ فترة وجوهرها ان "علينا الا نجزع ولا نفزع، فالبلد تحوطه عناية اممية وخصوصا اوروبية تتكىء على فكرة تأمين الاستقرار اللبناني لكي يبقى المليونا نازح سوري بين ظهرانينا ولا يفكروا في النزوح جماعيا الى القارة العجوز المتخمة بعبء من سبقوهم الى هناك، وبالتالي لا حاجة لخوض غمار اي نقاش او درس احتمالات اخرى". ومن البديهي ان رئيس مجلس النواب نبيه بري وجد في الحدث الامني المدوي وما تلاه من ردود فعل فرصته الكبرى للرد بحدة على معارضي مبادرته وما حوته سلّتها من عروض حل، معتبرا ان هناك من يبتغي انتحارا سياسيا يوازي فعل العمل الانتحاري للارهاب، ويعلن لاحقا ان مبادرته هي خاتمة المبادرات الانقاذية وبعدها ربما حل الطوفان.
واذا كان ثمة من يرى ان سيد عين التينة يحاول من الان تدارك تداعيات الاخفاق بعدما استشعر ان معارضي المبادرة لن يتراجعوا عن موقفهم مراعاة لخاطره، فإن السؤال هو: ماذا عن سبل جبه اندفاعة الارهاب الذي ابلغ بالملموس كل المعنيين انه قد انتقل من مرحلة الهجوم بعدما تخطى مرحلة التمركز والدفاع عن الحضور؟
من البديهي ان ثمة سرياناً لحملة ترهيب عارمة من الخطر الارهابي، ومن الاكيد ان منسوب هذا الخطر الى ارتفاع اكثر من اي وقت، ولكن الثابت ان لا الحكومة ولا القوى السياسية في وارد التفاهم على مشروع موحد للمواجهة يتلاءم مع طبيعة المرحلة، اذ ان خيار تغطية عملية ميدانية نوعية على غرار تحرير الجرود لاجتثاث خطر الارهاب من جذوره، تبدو في هذه المرحلة صعبة التحقق ان لم تكن مستحيلة بفعل غياب القرار السياسي الداعم وهو ما يستوي مع غياب القدرة اللوجستية التي تتيح للجيش التقدم لتحرير مساحة شاسعة نسبيا ووعرة يتحصن فيها ما لايقل عن خمسة آلاف مقاتل ارهابي محترف.
وحيال انسداد الافق هذا سيرتفع لاحقا ولا ريب السجال حول ثلاثة امور:
- موضوع النازحين السوريين وسبل التعاطي مع وجودهم حتى لا يصيروا بيئات حاضنة ومصدرة للارهاب.
- دور الاجهزة الامنية في المكافحة والمواجهة وقدرتها على اداء هذا الدور الثقيل والدقيق.
- مسألة الحماية الذاتية وردود الفعل المؤيدة والمعارضة، علما ان هناك من يعتبر ان الامن الذاتي يطبق منذ زمن في اماكن شتى وانه صار امرا واقعا لاسيما في ما يتصل بموضوع تنظيم وجود النازحين وضبط تحركهم وإشعارهم دائما بأنهم تحت عين الرصد.
ومن البديهي الاشارة في هذا المجال الى ان هناك من يرى ان منطق "حزب الله" هو الرابح الاكبر، فالارهاب خطر وطني بامتياز ومواجهته فعل دفاع كفائي في اي مكان او زمان.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم