السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

فيليب غاريل سينمائيّ الحبّ وعذاباته!

فيليب غاريل سينمائيّ الحبّ وعذاباته!
فيليب غاريل سينمائيّ الحبّ وعذاباته!
A+ A-


يعمل المخرج الفرنسي فيليب غاريل بعيداً من الموضة مبلوراً اتجاهات تحمل السينما الى ضفاف جديدة. ينحدر من عائلة من المثقفين، والده الممثل موريس غاريل وابنه الممثل لوي غاريل الذي اداره في أربعة أفلام الى الآن. لا يزال يستعين بالأسود والأبيض لتصوير أفلامه الموسومة بشخصية سردية فريدة، ومن بين أفلامه الأخيرة، "الغيرة" الذي عُرض في مهرجان البندقية. انها حكاية حكاية حبّ، وانفصال وقهر وغيرة، بطلاها لوي غاريل وآنّا موغلاليس. يقول انه لا يتصور نفسه يخرج فيلماً كوميدياً أو فيلماً هدفه الأوحد جعل الجماهير العريضة تزحف الى الصالات، فهو مخرج نوع معين من الأفلام.


كل ما يصرح به غاريل في مقابلاته يشير الى انه ليس مخرجاً فحسب، بل مخرج الأفلام التي يجيد صنعها. يقول: "شأني شأن الكثيرين من صغار السن في مرحلة ما، كانت السينما بالنسبة الينا المتنفس الوحيد. كنا متمسكين بها كما يتمسك الشخص الذي يغرق بخشبة الخلاص. نماذجي الكبار في السينما كانوا فرنسيين طبعاً، لكنهم كانوا ايضاً وخصوصاً ايطاليين. مقارنةً بغيري، أنا قليل الارتباط بالسينما الأميركية وبصنّاعها الجهابذة. حتى متابعاتي لتلك السينما قليلة. أعتقد انه يستحيل عليّ اليوم أن أبلور طاقاتي خارج السينماتين الفرنسية والايطالية، لأن علاقتي بهما عبر الزمن كانت عميقة. أما تصويري بالأسود والأبيض، ففي مرحلة سابقة كان صعباً جداً اتمام فيلم منزوع الألوان. اليوم، ارى ان هناك عودة إلى سينما بلا ألوان. ما يعني ان المراهنين على اللونين كانوا على حقّ، عندما ظلوا يتمسكون بهما طوال سنوات. هنري لانغلوا كان يقول: الأسود والأبيض لن يختفيا ابداً. وبما ان السينما ولدت باللونين، فعليها ان تحافظ على ما واكب نشأتها".
عندما سألتُ غاريل عما بقي من السينما التي جعلته يكون ما هو عليه اليوم، وعنيت بها "الموجة الجديدة"، شعرتُ انه غضب بعض الشيء، اذ اعتقد ان ما اقوله انتقاد لـ"الموجة" وانتقاص من قيمتها. فجاء ردّه بمنطق الدفاع عن الذات: "هذه السينما منتشرة اليوم أكثر مما كانت منتشرة في وقتها. لنأخذ أفلام غودار مثلاً: في الستينات كانت ايراداتها ضعيفة جداً، باستثناء بعضها القليل. عندما تسأل ماذا بقي، السؤال لا يُطرح على هذا النحو، لأن الأهم ان "الموجة" انتصرت على الزمن، وبعض أفلامها لا يزال يُعرض على التلفزيون بين الحين والآخر".
لا يزال غاريل يشاهد الأفلام القديمة أكثر مما يشاهد الجديد. ثلاثة أرباع الأعمال التي يشاهدها هي من السينما القديمة. يقصد صالات باريس القديمة لمشاهدتها. يعترف ان لا تلفزيون لديه في المنزل، ولم يكن عنده تلفزيون في أي يوم من الأيام؛ هو حريص على الاّ يضع أيّ صورة أمام عينيه. الشخصية الرئيسية التي يضطلع بدورها في "الغيرة" إبنه لوي غاريل، ذات أحاسيس مرهفة، لكن الرغبة تأخذنا أكثر من مرة لندخل الشاشة ونقول للوي: "اذهب، عش أيامك، وامسك بزمام حياتك". نسأله: "يبدو لي انك تتناول هنا جيلاً كاملاً من مسلوبي الإرادة والقرار، بعدما صوّرتَ جيلك الذي كان محصّناً بالنضال وعدم الاستسلام"، فيأتي الرد: "كنا أربعة في كتابة سيناريو الفيلم، رجلين وسيدتين. أكثر من ثلثي الفيلم من توقيع السيدتين. لذلك ترى ان الشخصيات النسائية هي شخصيات حقيقة من لحم ودم، في حين ان مثيلاتها الرجالية، تمت معالجتها بالجهل الذي يمكن ان تستعين به المرأة عندما تنظر الى الرجل (هذا الجهل هو أيضا جهلنا نحن الرجال في كلامنا عن المرأة). لذا، في اعتقادي ان الضعف الذي عند لوي مصدره السخرية غير المقصودة التي بثّتها الكاتبتان، فأرتأيت ان تبقى كما هي لأنني أجد الرجال الضعفاء أكثر استئثاراً بالفضول من الرجال الأقوياء".
لا شيء في السينما يثير ازعاجه مثلما يثير ازعاجه الأبطال الخارقون. لا يخفي تأثره الشديد بموريس بيالا وايضاً وخصوصاً ببروسون وتروفو وغودار، لكنه يتعامل واياهم كما يتعامل الرسام مع التشكيليين الكبار عندما يذهب الى المتحف. لا يقلّد، بل يعاين ما اكتشفه العظماء قبله، معتبراً ان هذا حقه. لكن، كيف تكون الكتابة بثماني أيادي؟: "كان مهماً لي ان يكون السيناريو نتيجة مساهمة بين اطراف عديدين. بدأنا من مسوّدة ووصلنا الى مشاهد تخيّلها كلٌّ منا على حدة، ثم وضعناها معاً لنرى ما النتيجة التي سنخلص اليها. أما الرابط بينها، فهذا كان شأن الكاميرا التي اعادت صوغ الحكاية من جديد".
عندما يصوّر الحبّ، يقول غاريل انه لا يستلهم فقط تقليداً عريقاً في الأدب يعيد الاعتبار الى الرومنطيقية في حياتنا، انما يستند ايضاً الى التحليل النفسي الذي لم يقل كلمته الأخيرة بعد. "لا أعرف اذا كان العثور على الحبّ والمحافظة عليه اسهل اليوم مما في السابق، لاننا لا نعرف كيف كان سابقاً. الشيء الوحيد الأكيد أن الحبّ في زمن الأزمة أفضل من الحبّ في زمن الحرب. اذا تذكّرنا ما عاشه الناس خلال الحربين العالميتين، اعتبر أنفسنا محظوظين. لذا، الأزمة ضررها اقل، مقارنةً بالحرب. أحاول أن أجعل كل الامور نسبية. ولدتُ بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا يعني انني لم اعشها، وهذا امتياز عظيم، ليس فقط للفنان الذي أنا بل ايضا للانسان الذي احاول ان أكونه".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم