الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الجيش اللبناني وساعة الصفر

رامي عودة - حزب المشرق الديني
الجيش اللبناني وساعة الصفر
الجيش اللبناني وساعة الصفر
A+ A-

هل اقتربت عقارب الساعة السياسية في لبنان من الرقم صفر بكل معناه الصارخ على مستوى الافلاس السياسي وحالة الشلل العضوي في مؤسسات الدولة؟ ما عدا المؤسسة العسكرية التي تبدو في قمة لياقتها في مكافحة الارهاب والجهوزية التامة على حدود الوطن الكبير.


المؤسسة العسكرية اللبنانية التي أبصرت النور حتى ما قبل استقلال لبنان، هي التي اختزنت الوجدان القومي اللبناني ونبض الوطنية الكيانية التي نمت لتصبح مصهراً للروح اللبنانية الوثّابة.


الجيش اللبناني هو "الحزب" اللبناني الحائز أوسع شرعية شعبية في لبنان مقارنةً بأي حزب في اليسار واليمين، وحتى بين المؤسسات الدينية التي تُجمع كلها على محورية الجيش اللبناني الذي يجمع شباب الوطن الكبير في بوتقة الشرف والتضحية والوفاء.
لا يستطيع اكبر "حزب" في لبنان وهو الجيش اللبناني، مع كل أذرع المؤسسة الأمنية اللبنانية، الانتظار اكثر، وهو يرى تشظّي الساحة السياسية وبدء التآكل في البنية الدستورية، وصولاً الى عمق الميثاق الوطني اللبناني الذي اصبح مهدداً بروحه ونصوصه.
كثيرة هي المجتمعات والدول التي اصبح فيها تدخل الجيش في السلطة أمراً ضرورياً و حتمياً، وهي مجتمعات سميت "praetorian societies"، اي مجتمعات خاوية سياسياً من احزاب و قوى اجتماعية جامعة للنسيج الوطني وأعضائه الأكثر حيوية؛ و هذا يحتّم على المؤسسة العسكرية في أي بلد من الدخول و التدخل الحازم في السلطة لملء الفراغ السياسي، واعادة تشكيل السلطة من نقطة الميثاق الوطني والاجتماعي الجديد.


هل هذا ينطبق على لبنان؟


إنّ أي مراقب للساحة اللبنانية يرى بوضوح حالة الخواء والفراغ السياسيين، وعدم وجود أي حزب أو قوة اجتماعية بامكانها لمّ شمل المجتمع، وتكوين رافعة للعمل الوطني ببعديه الاجتماعي والاقتصادي، ما فوق الانغلاق المذهبي والتقوقع الطائفي، كما لوضع البلاد على سكة التنمية الاخلاقية المدنية، وبناء البيئة القانونية التي من دونها لا يوجد رجاء لقيام الدول ونهضتها.
هل ينطبق قانون تدخل الجيش في السلطة على مواصفات المؤسسة العسكرية اللبنانية؟
المواصفات مكتملة، أنت أمام مؤسسة وطنية بامتياز متماسكة البنية، صمدت في أعتى حرب أهلية شهدها القرن العشرون بكل ابعادها الإقليمية والدولية. وأمام بنية عسكرية هزمت الارهاب و قاومت الاحتلال، وأمام مؤسسة أنجبت قيادات عسكرية فذّة، كما أنجبت رؤساء للجمهورية لم ينجبهم أي حزب سياسي أو طائفة سياسية في لبنان .


إنّ حالة التآكل التي تعتري مؤسسات الدولة اللبنانية وأجهزتها المركزية واللامركزية، بالإضافة للرسالة المدوية التي أرسلها التفجير الأخير بما يمكن تسميته العبوة اللغز قرب مصرف لبنان والمهجر، يحتّم على المؤسسة العسكرية الأولى في الوطن القبض على هذا الملف الخطير، وإبعاده عن المزايدات والمماحكات ولعبة الاتهام السياسي...هنا يبرز دور الجيش اللبناني باجتراح خطوة انقاذية تفرضها المؤسسة الوحيدة الباقية المتماسكة... إنّ الجيوش الوطنية وجدت لتكون الضامن الأول والأخير لحق الشعب في سيادته على أرضه ومؤسساته عندما تفلس الطبقة السياسية في اي بلد، و تعجز الحراكات المدنية عن انتاج مشروع وطني شامل تتمحور على القوى الحيّة في اي مجتمع سياسي حديث. فإذا كان اللبنانيون يتغنون بمعادلتهم الذهبية : جيش - شعب - مقاومة، فهل حان الوقت لإضافة الضلع الرابع الى تلك المعادلة لتصبح : جيش - شعب - مقاومة - اقتصاد؟
هل تعي الطبقة السياسية اللبنانية أنّ المزايدات في اللعبة الاقتصادية والنقدية، وتحويل الحوار الذي كان قائماً بين "حزب الله "و مصرف لبنان إلى قميص عثمان، هو لعب بالأسس المتينة المتبقية للاقتصاد الوطني؟


والمعروف أنّ المصارف الوطنية هي المقرض الأول للدولة اللبنانية، وأنّ معظم الدين العام هو دين للمصارف على الدولة والشعب؟
لماذا لا تتفرغ النخب السياسية الحاكمة ووسائل إعلامها ومن كافة الاتجاهات إلى التركيز على قضايا المواطن الحقيقية بدل نقل اهتمامه إلى قضية مصرفية بحتة لا يدرك كنهها إلاّ أصحاب الاختصاص ؟


إنّ وضع مشكلة المصارف مع "حزب الله" تحت المجهر الشعبي والإعلامي، يضع البلاد في عين العاصفة، مما قد يغري كل المصطادين في الماء العكر ليكونوا في موضع الهجوم، ومنها الهجمات الإرهابية، بغية حرف النقاش المصرفي البحت، وتوجيهه الى اتجاه آخر مفتوح على احتمالات أمنية، فتصبح الجهة المستهدفة بالإدانة الدولية في موضع الإدانة المحلية. و هنا تكمن الخطورة حيث تبرز الحاجة إلى إعادة وضع الأمور في نصابها القانوني الاقتصادي البحت، من أجل إيجاد مخارج وطنية لأزمة مستوردة من الخارج .


إنّ القصور لدى النخب السياسية في استيعاب خطورة ما يحدث قد يعيد خلط الأوراق، فيعيد العجلة السياسية والاقتصادية إلى مرحلة الثمانينيات، حيث تتطايرت كل السقوف التي كانت تحمي الاقتصاد والنقد الوطنيين، وحيث كانت البلاد تحت الاحتلال، و كانت المؤسسة العسكرية مغيّبة قسرياً في تلك المرحلة بفعل الانشطار الوطني الحاد؛ أمّا في اللحظة السياسية الراهنة فلا عذر للجيش من أن تكون له كلمة الفصل، حيث فشل السياسيون وقد كشفت البلاد دستورياً من خلال لعبة التمديد للسلطات، وأصبح الدستور وجهة نظر، كما اصبح الميثاق الوطني عرضةً للتهميش والتمزيق على يد نخبةٍ سياسية ادارت ظهرها للبلاد، منغمسةً في دوامة الفساد السياسي والمصالح الخاصة على حساب المصلحة الوطنية العامة.
هل الساعة السياسية مؤاتية لتدخل الجيش في السلطة؟
انها ساعة الصفر او تكاد تكون.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم