الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

مشروع لبناني دولي يفوز عالميّاً متفوقاً على 1700 فكرة... والصدمة: "لبنان لا يعترف بالمشروع"

المصدر: "النهار"
مجد بو مجاهد
مجد بو مجاهد
مشروع لبناني دولي يفوز عالميّاً  متفوقاً على 1700 فكرة... والصدمة: "لبنان لا يعترف بالمشروع"
مشروع لبناني دولي يفوز عالميّاً متفوقاً على 1700 فكرة... والصدمة: "لبنان لا يعترف بالمشروع"
A+ A-

إنها سخريّة القدر، عندما يستطيع مشروعٌ لبناني ـ دولي، الفوز بالجائزة الأولى كأفضل مشروع اختير من بين 1700 فكرة قدّمت من 170 دولة، ولكنّه لا يؤخذ على محمل الجدّ في لبنان، إن لم نقل "يرفض" ولا يستخدم حلّاً شاملاً لأزمة النفايات. هذا ما حصل فعلاً في الأيام القليلة المنصرمة، حيث تمكّن مشروع Landcare Med الذي تديره الجامعة اللبنانية بالتشارك مع جامعة كالياري الإيطالية وكلية الهندسة التونسية وبلدية دوسيموبوتزو في سردينيا الإيطالية وبلديتي زبدين وحارة صيدا وشركة الجنوب للمقاولات في لبنان وبلدية مجاز الباب في #تونس من نيل جائزة Energy Globe Award 2016 كأفضل مشروع يُعنى بالإدارة المستدامة للنفايات المنزلية الصلبة وطرق معالجتها.


ويتمثّل مبدأ المشروع بضرورة تفعيل الإدارة الرشيدة للنفايات الريفية الصلبة عبر الفرز من المصدر وعبر التدوير الرشيد لها واستخدام التقنيات العلمية والصناعية الحديثة، عبر الإفادة من فرز النفايات وإعادة استخدامها وتدويرها والإفادة من المواد العضوية الناتجة من هذه النفايات لتكون مصدر طاقة هائلة ومصدراً مهماً للأسمدة المفيدة في #الزراعة. لكنّه ورغم شموليّته ومساهمته في إنتاج الطاقة الكهربائيّة والأسمدة الصحيّة، وقدرته على تمويل نفسه ذاتيّاً، ودوره في الحدّ من أزمات التلوّث التي يعانيها لبنان، يبقى مجرّد حلمٍ صعب المنال على صعيد الوطن، إذا كان إمكان تنفيذه في القرى اللبنانية التي ستحتضنه (حارة صيدا وزبدين)، يصطدم بمعوّقات كبيرة أبرزها عدم إمكان تمرير المناقصة الدوليّة. فماذا تبقّى من المشروع إذاً؟ وكيف تبلورت فكرته منذ انطلاقته بالتنسيق مع الدولتين الايطالية والتونسية؟


العميد السابق لكلية الزراعة ومدير مختبر الأبحاث للمواد والبيئة في الجامعة اللبنانية، الدكتور تيسير حميّة، يروي في حديثٍ لـ"النهار"، التطلّعات التي انبثق منها المشروع: "الفكرة بسيطة للغاية وهي التي ساهمت في منح الجائزة للمشروع ككل: "الفرز من المصدر". هي نفسها العبارة التي مللنا من كثرة تردادها في الأوساط اللبنانية. وهي تترجم من خلال جعل المواطن شريكاً في إدارة ازمة النفايات انطلاقاً من منزله ووصولاً الى وطنه. ويبدأ الحل من خلال تكثيف المحاضرات التوجيهية العملانية في مختلف الأحياء السكنية التي يشملها المشروع ومحاضرات التوعية العملية التي لا بد من تكرارها مرّات عدة لترسخ في الاذهان".


ويضيف:"نقل الخبرات الى المواطنين يتيح لهم فرصة تعريف الآخرين حيال كيفية ادارة النفايات الصلبة. على سبيل المثال، تكفل عمليّة تدريب 200 مواطن في كلّ قرية، نشر التوعية في صفوف مئات الآلاف من اللبنانيين. هذا ما يساهم في تغيير الاعتقاد التقليدي والتفكير النمطي للمواطن اللبناني الذي لا يجد نفسه معنيّاً بمعالجة النفايات".


يروي حميّة أن للمشروع جانباً تكنولوجياً آخر اضافةً الى الجانب التوجيهي، لكنّه، ويا للأسف، لن يبصر النور لأن المناقصة الدوليّة لم تمرّ. وتتمثّل الفكرة في استحداث 4 مصانع صغيرة، كان من المقرر ان يتواجد مصنعان منها في لبنان لصالح بلديتي زبدين وحارة صيدا حيث يتم تأمين مستوعبات خاصة بالمواد العضوية والكرتون والاوراق والبلاستيك والزجاج كخطوة اولى لمعالجة النفايات.


ويكفل المصنع معالجة 2 طن من النفايات العضوية يوميّاً، وما يميّزه أنه قائم على ظاهرة التفكك الحراري الميكروي، ما يكفل التخلّص من جميع النفايات بعد تحوّل جزء منها الى سماد عضوي، مفيد للأرض مع مردودية وفاعلية أكثر من الأسمدة المصنّعة. اما الجزء الآخر من النفايات، فيتحوّل لتوليد الطاقة الكهربائيّة من خلال غاز الميتان او بهدف استخدامه كغاز للمنازل. هذا يعني برأيه، التخلّص من مظاهر التلوّث التي من المؤكّد ان تسجّل نسبتها 0%.


لو أن المشروع يتّخذ بعداً وطنيّاً عامّاً
"لو أن مشروع ادارة النفايات الصلبة يترجم على كافة المحافظات اللبنانيّة، لكنّا تخلّصنا من ازمات النفايات في لبنان الى الأبد". بهذه العبارة يختصر حميّة تصوّره حيال أهميّة تطبيق المشروع على صعيد الوطن، مؤكّداً انه طرح فكرة متكاملة منذ نحو ثمانية اشهر وفي اكثر من محاضرة واحدة، لكن من دون أن يلاقي آذاناً صاغية.


ويترجم المشروع عمليّاً في استحداث 6 مصانع نظيفة وصديقة للبيئة لا تلوّث فيها، على شاكلة مشروع حارة صيدا. وتقدّر تكلفة المصنع الواحد 50 مليون دولار من شأنها أن تحقّق ربحيّة سنويّة تقدّر بـ10 ملايين دولار من خلال بيع #الكهرباء بكلفة 10 سنتات للكيلوواط الواحد. "تصل الكلفة التي ندفعها اليوم للكيلوواط الواحد ما يقارب الـ500 ليرة لبنانيّة، في حين أنها لن تتجاوز الـ150 ليرة وفق المشروع المتداول" يشير حميّة.


"برأيك، ما هي الاسباب التي تحدّ من قدرة الكفايات التعليميّة في لبنان على النجاح الداخلي في وطنها الأم؟"، يجيب أن "البلد مركّب وفق المحسوبيّات ونحن نعاني أزمة أخلاق. الكفايات لا تنال دورها في لبنان، رغم نجاحها في الخارج نظراً لاهتمام البلدان الأجنبيّة بالكوادر خدمةً لنمو البلد وازدهاره".


الحماسة موجودة لكن العقبات أقوى
لا شك في ان العقبات التي واجهت الباحثين الذين شاركوا في مشروع الإدارة المستدامة للنفايات الصلبة وطرق معالجتها كثيرة. كان ابرزها الصعوبة في اقناع المواطنين في اهمية الفرز من المصدر. المهندسة ابتهال حميّة جنباي من أبرز الباحثات اللواتي شاركن في المشروع، تروي في حديثٍ لـ"النهار" تجربتها الشخصيّة. تقول: "الشعب اللبناني بحاجة إلى توعية بالنسبة إلى السلامة البيئية بكل مضامينها. من هنا كان دور الجامعة اللبنانية الايجابي لجذب الناس وتوعيتهم الى ما يحدث حولهم بالمشاركة مع الفاعليات البلدية التي لا بد من تحمّل مسؤولياتها في هذا الاطار. البعض يستغرب حين تقول له ان النفايات تشكّل ثروة خفيّة يمكن الاستفادة منها بدلاً من رميها. الحماسة كانت موجودة، لكننا لا نلبث ان نصل الى بابٍ محكم لا يمكن تجاوزه، الا وهو المحسوبيات التي تطغى في مجتمعنا".


يبقى الفرز من المصدر حلماً لبنانياً بعيد المنال. حلمٌ على المواطن أن يؤمن به أوّلاً. عليه ان يعي أن أكياس القمامة التي تكدست لأشهر في أزقة بيروت وضواحيها، انعكاسٌ لعدم تحمّله المسؤولية تجاه نفسه قبل وطنه. عليه ان يعلم ان استفاقته اليوم رهنٌ بثلاثة مستوعبات تفصل النفايات المنزلية الصلبة عن الورق والبلاستيك والزجاج. يا له من واجبٍ صعب التنفيذ!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم