الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

300 مسلح يعرون قبطية في صعيد مصر ويطوفون بها

المصدر: "رويترز"
300 مسلح يعرون قبطية في صعيد مصر ويطوفون بها
300 مسلح يعرون قبطية في صعيد مصر ويطوفون بها
A+ A-

لم يعد يوجد باب لبيت سعاد ثابت ولطخت آثار الحريق جدرانه وألقي حطام جهاز التلفزيون على الأرض. وبين الحطام تظهر بقايا رداء نوم أحمر.
تصف سعاد وهي في السبعين من العمر كيف جذبها أبناء قريتها من المسلمين على الأرض وعروها في طرق ترابية في قرية الكرم التي قضت فيها القسم الأكبر من حياتها.
التهمة؟ .. راجت شائعات عن علاقة غير شرعية بين ابنها وهو رجل مسيحي متزوج وامرأة مسلمة متزوجة. ونفت تلك المرأة في مقابلات تلفزيونية ما تردد عن تلك العلاقة.
وقالت سعاد المسنة لرويترز بعد أسبوع من الهجوم "بهدلوني.. حرقوا البيت ودخلوا جابوني من جوه ورموني قدام البيت ومزعوا هدومي زى ما ولدتني أمي وأنا بصرخ وأبكي."
والمسيحيون الأرثوذوكس مثل سعاد يشكلون نسبة تصل إلى عشرة بالمئة من سكان مصر البالغ عددهم 90 مليونا كما أنهم أكبر تجمع لمسيحيين في الشرق الأوسط. ولطالما اشتكى المسيحيون من التمييز في بلد يغلب على سكانه المسلمون.
وتقع هجمات على أساس طائفي بين الحين والآخر في مصر ونادرا ما تحوز على اهتمام واسع. لكن في حالة سعاد فإن المذلة العلنية لامرأة مسنة أفزعت الأقباط ودفعتهم للواجهة على المستوى الوطني.
وقال إسحق وليام وهو جار لسعاد وأحد أقاربها متحدثا لرويترز في منزله بالكرم "لو الموضوع حرق فده (هذا) مقدور عليه.. لكن إللي اتعمل في الست نعمل فيه إيه.. الإهانة دي مين يقدر يعوضها؟"
وأدان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هجوم الكرم الذي مثل دليلا على استمرار ما يتعرض له الأقباط بعد عامين من انتخابه وتعهده بتوحيد البلاد إثر سنوات من التوتر السياسي.
وعادة ما يقع العنف الطائفي بسبب شائعات عن علاقات عاطفية بين طرف مسلم وآخر مسيحي أو للاشتباه بأن المسيحيين يشيدون كنائس دون استيفاء التراخيص الرسمية المطلوبة.
وتقول جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان وسكان في محافظة المنيا بصعيد مصر إن تلك الأحداث عادة ما يصاحبها حرق منازل وإتلاف محاصيل ومهاجمة كنائس كما يجبر الأقباط أحيانا على الرحيل عن قراهم. وفي المنيا أكبر تجمع مسيحي على مستوى البلاد.
بعد ذلك يأتي دور جلسات الصلح العرفية وهي مساع غير رسمية تدعمها الحكومة يحاول خلالها قساوسة وشيوخ التوسط للصلح بعيدا عن أروقة القضاء.
وقال مسيحيون التقت بهم رويترز إن تلك الجلسات تنتهي عادة بتنازلات من جانبهم كالموافقة على نزوح عائلات بعينها عن البلدة أو الاتفاق على عدم وضع صلبان واضحة على الكنيسة بينما لا يخضع الجناة لأي عقاب.
ويقول سكان مسلمون ومسؤولون دينيون إن الجلسات العرفية تساعد في التوصل لحلول وسط وتجنب التصعيد أو العقاب.
ويوافق الأقباط عادة على ما تسفر عنه تلك الجلسات لتجنب المزيد من المتاعب.
لكن ذلك الهجوم الأكبر سبب مرارة جديدة بين الأقباط في تلك القرية الصغيرة بصعيد مصر. يقولون إن الصلح لن يكون كافيا هذه المرة.
وقال وليام "إحنا خاضعين للدولة وللقانون مش للمجالس العرفية.. وإللي غلط يتحاسب بالقانون وياخد عقابه."


"الشعب كله انتفض"
دفع ما حدث لسعاد أبرشية المنيا لإصدار بيان يطالب بالعدالة. وأدانت الحكومة المصرية والأزهر ذلك الهجوم أيضا.
وقال الأنبا مكاريوس وهو أرفع رجل دين مسيحي في المنيا لرويترز عبر الهاتف "بيتقتل لنا ناس ومش بناخد حقوقهم ويتسرق أموال ومنازل وممكن يتخطف مننا بنات وناس يضطهدوا في الجامعات وفي الطريق العام وداخل أعمالهم وفي وسائل المواصلات وكل ده بنتحمله وبنمرره.. لكن فيه تصعيد."
وأضاف "(يقولون لنا) اقبلوا بالصلح وإلا.. النهاردة الشعب رافض.. اقبلوا الصلح وده أفضل لكم من سيناريوهات تانية سيئة.. والأهالي بسطاء وعايزين (يريدون) يعيشوا في سلام.. لكن المرة دي الشعب كله انتفض ورافض إن يوصل بينا الحال إلي مثل هذه السلوكيات.. أنا مصري أدافع عن أخلاق مصر وقانون مصر في هذه السيدة."
وقالت مصادر أمنية إنه منذ ذاع خبر ما حدث اعتقل 15 رجلا على صلة بالعنف وسيخضعون للتحقيق.
وقبل ذلك قال وليام إن المهاجمين طلقاء ويجوبون القرية بحرية.
وتحدثت رويترز مع جيران كانوا شهودا على الحادث قالوا إن ذلك جرى يوم 20 مايو أيار حين أضرم رجال مسلمون النيران في سبعة منازل لمسيحيين وجردوا العجوز من ملابسها في الشارع بعد شائعات عن علاقة غير شرعية لابنها أشرف بالمرأة المسلمة.
وقال وليام إن أشرف فر من القرية مع زوجته وأبنائه قبل الحادث بيوم واحد بعد أن تلقى تهديدات. وقال إسحاق إبراهيم من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية إن والدي أشرف لجآ للشرطة خوفا على حياتهم. وقال إبراهيم وسكان آخرون إن المهاجمين أحرقوا المنزل في اليوم التالي.
ونفى محافظ المنيا طارق نصر بإصرار لوسائل الإعلام وقوع الهجوم. وبعد 26 مايو أيار وبعد أن ذاع النبأ قال المحافظ إن ما جرى لا يعدو كونه "حادثا بسيطا."
ولم يرد نصر على محاولات عديدة للوصول إليه عبر هاتفه المحمول. وزار المحافظ الكرم يوم الجمعة بعد إدانة السيسي للهجوم.
وقال السيسي في تصريحات وهو يفتتح مشروعا سكنيا اليوم الاثنين "لا يليق والله أبدا إن اللي حصل يحصل في مصر أو يتكرر مرة تانية.. القانون والحساب.. أي حد غلط مهما كان عدده هيتحاسب."
وزار القرية يوم الجمعة الماضي وفد من رجال دين مسلمين ومسيحيين من القاهرة حيث انتشرت سيارات مدرعة وعشرات من الشرطة في الشوارع. ورفض أقباط من سكان القرية لقاءهم.


"قفلنا علي نفسنا"
تبدو ندبات واضحة في رأس جار قبطي لسعاد وعلى وجهه وذراعه. يقول هذا الجار واسمه إسحاق يعقوب إنه شارف على الموت في تلك الليلة وطالب بتطبيق القانون ووضع نهاية لتلك الجلسات العرفية.
وقال "سمعت ضرب النار فخرجت من البيت وقفت عليّ الباب.. فالناس طلبت مني إني ادخل البيت وأقفل الباب وروحت عملت كده وطلعت علي السطح لقيت النار طالعه من بيت أشرف واتصلت على حد شغال في المطافي علشان يكلمهم."
وأضاف "نزلت لقيت الباب مفتوح ولقيت ناس كتيرة واقفه قدام الباب فروحت ناحية الباب فضربني واحد بحاجة علي دماغي كان دخل الصالة بتاعت البيت وسحبوني علي الشارع وكان نازل الضرب علي جسمي."
بعد ذلك عثر يعقوب على سعاد مختبئة في بيت جار مسلم فاصطحبها لبيته.
وقالت زوجة إسحاق التي طلبت عدم ذكر اسمها "لما تسمع إنهم خدوا واحدة ست وخلعوها هدومها.. إحنا لما سمعنا كده رحنا قعدنا في أوضة (غرفة) وقفلنا علي نفسنا وكنا مرعوبين ولما جت قعدناها معانا."
وقللت أم مجدي الجارة المسلمة التي آوت سعاد من شأن ما حدث ووصفتها بأنها "تهويش شباب طايشة."
وقالت أم مجدي "أنا كنت بأتفرج علي المنظر من فوق من البلكونة فإبني فتح جاب أم عوني وقالي لبسيها.. دخلت عندي وأنا لبستها.. قلتلها اقعدي.. لقيتها مش راضية مش عارفه مكنتش مأمنة."
وأضافت "عشرتي وعشرتها كإنها أختي.. هي مسيحية وأنا مسلمة وأنا لا من عيلة دول (هؤلاء) ولا دول. هو تهويش شباب طايشة."
بدت سعاد مرتعشة وهي تتحدث مرتدية ملابس سوداء في مقطع فيديو على الإنترنت يوم الجمعة وتنفي أن تكون طلبت المساعدة من أحد وتؤكد أنها عفت عما حدث.
لكن الأقباط في الكرم قالوا إن مغفرتها لن تمنع هجمات في المستقبل.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم