الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

متى يخرج لبنان من مواجهة الخيارات الصعبة؟ إمّا خارج يعيّن رؤساء أو يعطّل انتخابهم

اميل خوري
A+ A-

كُتب للبنانيّين أن يترحم حاضرهم على ماضيهم وأن يفقدوا الأمل بالمستقبل، وأن "يروا حسناً ما ليس بالحسن"، و"عدّو لهم ما من صداقته بدّ". فعندما خضعوا للوصاية السورية وذاقوا مرَّ تصرفاتها، ترحّموا على زمن الانتداب الفرنسي الذي كان يأتي بخيرة الرجال لرئاسة الجمهورية ولرئاسة الحكومة، ويدخل أنزه الأشخاص إلى الحكومات ويضع أعدل القضاة على رأس المحاكم ليحكموا بالعدل بين الناس ويعاقبوا كل فاسد ومختلس، بحيث أن "الاكرامية" مهما كانت زهيدة تعتبر رشوة يحاسب عليها، في حين أن الرشوة الكبيرة تعتبر اليوم "إكرامية"... وعندما يشاهد اللبنانيون اليوم تصرّف إيران يترحمون على زمن الوصاية السورية التي لم تكن تخجل من تعيين رؤساء الجمهورية ورؤساء المجالس النيابية ورؤساء الحكومة والوزراء، ولم تكن تخجل من وضع قوانين للانتخابات النيابية مفصلة على قياس المرشحين الموالين لها ليؤيدوا استمرار هذه الوصاية المفيدة لمسؤولين سوريين ولمسؤولين لبنانيين أيضاً سياسياً ومالياً.


وعندما اغتيل رينه معوض بعد انتخابه رئيساً لم ينتظر الحكم في سوريا اتفاق اللبنانيين على رئيس يخلفه، انما قال بصراحة لمسؤولين لبنانيين بعدما طرحوا عليه أسماء عدد من المرشحين المقبولين للرئاسة أمثال بيار حلو وميشال إده: "اذهبوا وانتخبوا الياس الهراوي رئيساً للجمهورية". وعندما قرر الحاكم في سوريا التمديد له ثلاث سنوات لم يسأل عن رأي اللبنانيين، بل قال حتى لمن اعلنوا معارضتهم: "عليكم أن ترفعوا أصابعكم العشرة بالموافقة". وعندما ذهب الرئيس الهراوي الى سوريا لاستيضاح موقف الحكم فيها من الرئيس الذي سيخلفه تبلّغ بوضوح أن خلفه سيكون العماد اميل لحود. وعندما قرروا التمديد له ثلاث سنوات لم يسألوا حتى عن رأي السياسيين اللبنانيين ولا عن قول الرئيس رفيق الحريري وهو رئيس للحكومة أنه "يقطع يده ولا يوافق على التمديد للحود"، فاضطر تحت التهديد السوري الى ان يعود عن قوله هذا بعدما خُيّر بين قطع يده أو قطع رأسه...
إن زمن الوصاية السورية هذا، مع كل مرارته وظلمه واستبداده، كان أقل قسوة على اللبنانيين من تصرفات إيران وسلوكها في لبنان، إذ ليتها تفعل ما فعلته الوصاية السورية وعلى المكشوف فتقول من تريد رئيساً للبنان، لا أن تترك اللبنانيين يختلفون على اختياره ليدخل الشغور الرئاسي عامه الثالث وليس للبنان رئيس، حتى انها تأبى التدخّل لحسم الخلاف بين مرشّحين اثنين ومن الموالين لخطها السياسي وهما العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية، فتطلب من أحدهما الانسحاب للآخر، أو تطلب منهما الاحتكام الى الأكثرية النيابية التي تحسم الخلاف حول من هو الأقوى بينهما بالتصويت، فينسحب من نال أصواتاً أقل لمن نال أصواتاً أكثر، لا أن يظل من هم مع العماد عون يقولون إنه أكثر شعبية من فرنجية إذا كان الأخير يحظى بأكثرية نيابية. فالدستور لا يقول بانتخاب من هو الأكثر شعبية بل من يحظى بأكثرية نيابية لأن لبنان يطبق حتى الآن النظام البرلماني الديموقراطي وليس النظام الرئاسي.
لقد تساءل النائب وليد جنبلاط في حديث الى "النهار": أليس في إمكان روسيا وإيران القيام بتسوية لمصلحة عون على فرنجية أو العكس من أجل الاتيان برئيس؟ ودعا عون وفرنجية الى "إجراء مراجعة حتى لو أدى الأمر بهما الى الانسحاب وانتخاب ثالث". لكن العماد عون يرفض الانسحاب لأحد، فاما يكون هو رئيساً للجمهورية أو لا رئيس ولا جمهورية، في حين أن فرنجية أعلن استعداده للانسحاب لأي مرشح ثالث يصير الاتفاق عليه. والنقطة المهمّة التي أثارها فرنجية في حديث له هي مطالبته باستحداث صيغة دستورية جديدة تمنع تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية على قاعدة احترام الميثاق الوطني المتعارف عليه. الواقع أن الأولوية يجب أن تكون لوضع مثل هذه الصيغة ليصبح حضور النواب جلسات انتخاب رئيس الجمهورية ملزماً ولا يعود في الامكان تعطيل انتخاب الرئيس أياً كان المرشحون وأياً كان قانون الانتخاب. ومن دون ذلك يظل خطر تعطيل جلسات انتخاب الرئيس قائماً وأبواب الفراغ الشامل مفتوحة.
فمتى يخرج لبنان من الخيارات الصعبة التي يواجهها في كل زمن، فاما ان يعيّن له الخارج الرؤساء، واما يعطل انتخابهم ليسود فيه حكم الفراغ القاتل الذي لا يملأ إلا بالفوضى العارمة.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم