السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

من 13 ألفاً إلى 45 ألفاً... لمنَ تتركون هذا الوطن؟

المصدر: "النهار"
سلوى أبو شقرا
من 13 ألفاً إلى 45 ألفاً... لمنَ تتركون هذا الوطن؟
من 13 ألفاً إلى 45 ألفاً... لمنَ تتركون هذا الوطن؟
A+ A-

"ولدتَ في لبنان وحصلت على الجنسية اللبنانية إذاً كُتبت عليك الغُربة"، هذه الهجرة التي هدفت إلى كسب الرزق والتجارة، تحوّلت مع مرور العقود إلى اغتراب طويل جراء الوضع الأمني المتردّي وبحثاً عن واقع معيشي أفضل.


 


عوامل تُعيدك أو تبعدك!


تزوجت رولا وسافرت مع زوجها إلى أوستراليا، وبعد سنوات لحق بها أهلها، غادروا منزلهم وأحكموا ربط حقائبهم، تاركين أقارب وأصدقاء، بالنسبة إليهم لبنان لم يعد بلداً صالحاً للعيش. تخبر "النهار" بأنَّ "الحياة أفضل، طريقة العيش والتقديمات الاجتماعية تشعرنا بالراحة والطمأنينة. مررنا بصعوبات جمَّة في لبنان، وبات الاستقرار هدفنا الوحيد. لا أزور لبنان منذ سفري، ولكن بعدما أنجبت طفلي أشعر بحنين وبرغبةٍ في أن يعرف ابني وطن أهله، لكنه يعتبر نفسه أجنبياً. ولدَ في أوستراليا وترعرع وما من شيء يربطه بالوطن، حتى إنه يرفض التكلّم بالعربية على الرغم من أنه يفهم اللغة. أعتقد أنني ووالده الرابط الوحيد بجذوره اللبنانية وأدرك تماماً أنه بغيابنا عن هذه الدنيا سيرفض حتماً مقولة أنه من أصول عربية.
حال عماد مختلف، فهو أكمل اختصاصه الجامعي في الولايات المتحدة الأميركية وكان مصراً على العودة إلى لبنان، بحسب ما يخبر "النهار"، معتبراً أنَّ "عوامل عدة تدفع الشخص للعودة إلى أرض الوطن ترتبط بالتربية والتنشئة والعلاقات الاجتماعية". بالنسبة إليه "من يبحثون عن صورة جديدة ونمط عيش مختلف يحبّذون الهجرة وعدم العودة، إذ إنّ الفرد في الدول الأخرى أقوى من المجتمع. الحال في الغرب لم تعد كالسابق خصوصاً من الناحية الاقتصادية إذ باتت المصاريف تساوي المداخيل أو أكثر، بين ضرائب وإيجارات ومدفوعات. ومن يسافر يدخل في وهمٍ مفاده تأسيس حياة جميلة والبحث عن هوية ضائعة. أقمتُ في الخارج 12 عاماً كنت أعتقد في العامين الأوليين أنَّ الحياة رائعة، ولم أكن أفكِّر بالعودة إلى لبنان، ولكن بمرور الوقت وجدت بأني لا أستطيع تربية أبنائي في الغُربة، لأنهم سيتأثرون حكماً بالمحيط من حولهم. من يسافر يظنُّ أنه يتوجه إلى شطِّ الأمان. ونظرة اللبنانيين إلى الدول الغربية شبيهة بنظرة جبران خليل جبران عن لبنان. الواقع في الخارج مختلف اجتماعياً واقتصادياً، ومن يبحث عن الأمان الموجود هناك سيجد أنَّه بات شبه مفقود في ظل تفجيرات بروكسيل ولندن وباريس. البديل عن الهجرة يكمن في التعلم في الخارج والعودة إلى لبنان حيث يملك الإنسان فرصاً أكبر في استثمار شهادته وتبوؤ مراكز ذات مكانة أفضل".


الهجرة تاريخ وأرقام!


بدأت الهجرة في منتصف القرن التاسع عشر وامتدَّت إلى بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914 حيث كان يخضع لبنان حينها لحكم المتصرفية، وشهدت هذه المرحلة تنامياً للهجرة من لبنان باتجاه الولايات المتحدة الأميركية والبرازيل والأرجنتين، جراء الجفاف وانتشار الأمراض والأوبئة. ومن العام 1914 وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية أودت المجاعة بحياة مئات اللبنانيين. ومع بداية الحرب اللبنانية عام 1975 انطلق تيار الهجرة باتجاه دول الخليج العربي بحثاً عن فرص عمل وعيش رغيد. ومما لا شكّ فيه ارتباط النمو الاقتصادي والبطالة بالهجرة. وقد بيَّن استطلاع أجراه مركز الدراسات والمشاريع الانمائية (مدما) ونشرته صحيفة "النهار" في عددها الصادر في 11 آب 2013 أنَّ الوضع الأمني هو السبب الرئيس للسعي إلى الهجرة التي ارتفعت من 1 أو 2% في استطلاعات ما قبل تموز 2006 إلى 28% في تموز 2007. في المقابل بدا أنَّ السعي لتحسين مستوى المعيشة هو هدف الهجرة بنسبة تتراوح بين 80 و90%.


إلى ذلك، أظهرت دراسة أجرتها جامعة القديس يوسف، تناولت فيها هجرة الشباب بين العام 1992 و2007، أن الشباب المهاجرين لا يرغبون في العودة إلى لبنان حيث بلغت نسبة هؤلاء 54% من مجموع الشباب المهاجرين، في حين تبيَّن أنَّ نسبة الذين ينوون العودة لا تتجاوز الـ 18%.
وتفيد أيضاً الأرقام الصادرة عن "الدولية للمعلومات" وفق دراسات أجريت من عام 1998 إلى 2015 ارتفاع المتوسط السنوي للهجرة من 13 ألف إلى 45 ألف منذ العام 2011 تزامناً مع اندلاع الأزمة السورية. ويقدَّر عدد اللبنانيين المقيمين في الخارج كمهاجرين بصورة موقتة ومن يحملون الجنسية اللبنانية دون سواها بحسب "الدولية للمعلومات" مليون و300 ألف.


الولوج إلى المنظمات الإرهابية


نبحث عن الدوافع التي تمنع الشباب اللبناني من التفكير بالعودة إلى أرض الوطن، نسأل الباحث الدكتور ميشال سبع عن الأسباب، فيجيب في حديث لـ"النهار" أنَّ "النتائج البلدية دليل على أن الناس ليسوا مُحتجّين فقط على الواقع الذي نعيشه بل يشعرون بنوع من الاشمئزاز، لأسباب عدة أولها سماعهم نواب الأمة والمسؤولين يقولون إنَّ الحل والربط في لبنان لانتخاب رئيس للجمهورية مرتبط بقرار خارجي، فهل من الممكن الانتماء إلى بلد يقول مسؤولوه بأنهم لا يستطيعون القيام بأيّ شيء وأنهم مرتَهَنون إلى الخارج؟، وإذا كان الحكام يقولون بأن لا علاقة لهم بلبنان، فهذا يعني أنَّ الشعب اللبناني لا يعيش في دولة. أما السبب الثاني فهو تنامي الشعور بالعودة إلى الطائفة مرغمين، في حين أنَّ زعماء الطوائف مرتَهَنون للسياسيين، إذ بات السياسي يؤثر في المرجع الديني لا العكس. فيجد اللبناني نفسه غير منتمٍ إلى وطن أو إلى طائفة فيشعر بضياع هائل كأنه يعيش في المجهول ما يدفعه إلى الهجرة أو حثّ أولاده على الهجرة. أما السبب الثالث فهو غياب الإيمان بالاستقرار المصرفي، وقريباً سيكون هناك هروب جماعي من لبنان". ويضيف: "أجواء مقلقة على كل المستويات، وصراعات في البيت الواحد وعدم الشعور بالانتماء تدفع به إلى الهجرة إلى أي مكان. كما أنَّ هناك الخطر الأمني وتواجد "داعش". ولا يمكن أن يتغيَّر الواقع الحالي من دون إراقة دماء، فكل طبخة تحتاج إلى نار. إلى ذلك، صعوبة الهجرة إلى أوروبا جراء الأزمة السورية إضافةً إلى الترحيل الذي يطال اللبنانيين في دول الخليج يدفع بالشبان إلى الولوج إلى المنظمات الإرهابية ورمي أنفسهم في المجهول بعدما بات الأفق مسدوداً".


 


أزمات سياسية واقتصادية وأمنية، وازدياد في معدلات البطالة تحثُّ كثراً إلى البحث عن فرص أفضل خارج الـ 10452 كيلومتر مربع، يأس من الواقع يتجلى تمرداً عبر الهجرة، فلمنَ تتركون هذا الوطن؟ 


 


(إلى مَن طالت فترة غيابه عن أهله في لبنان، ويرغب في لقائهم، الرجاء التواصل معنا)


 


[email protected]


Twitter: @Salwabouchacra

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم