الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

وهلّق لوين؟

المصدر: "النهار"
رمزي الحافظ
وهلّق لوين؟
وهلّق لوين؟
A+ A-

سوف يسيل حبر كثير في تحليل نتائج الانتخابات البلدية في بيروت، فيجعل بعضها الخاسر رابحاً والرابح خاسراً، أو يدعو الطبقة السياسية، وهي في الحقيقة طبقات، لاستخلاص العبر، أي يأمل بمعجزة من صنف أن تصلح السلطة ذاتها.


لقد أضاعت مجموعة «بيروت مدينتي» على نفسها، وعلينا، نصراً كان في المتناول. بالرغم من عرق بذل ودمع ذرف، لم تتمتع هذه اللائحة بحنكة إدارة الحملات وبخبرة التعاطي مع الجمهور، أي أنها كانت تفتقر إلى مقومات بلوغ السلطة بواسطة الاقتراع. لم يفدها جهد ربع الساعة الأخير، وعوضاً عن بلوغ مركز القرار والإنجاز، جاءت الحصيلة رسالة إلى طبقة سياسية لا تسمع.


 


أسباب تخفيفية
المتعاطفون مع الحملة الوليدة سوف يمنحونها جميع الأسباب التخفيفية عن أخطاء فادحة رافقت ولادتها، فتخبطها وسقطاتها. عماد اللائحة مواطنون شرفاء يسعون إلى التغيير الإيجابي ويعبرون عن سخط الجمهور، كل الجمهور، من سوء إدارة البلاد والعباد. لقد نأت الحملة بنفسها عن أي ممارسة سلبية أو غير أخلاقية، وهذا يسجل لها، لكن الطريق إلى جهنم معبد بالنيات الحسنة. لم تفلح «بيروت مدينتي» في دفع الناخبين إلى الصندوق، لا سيما منهم أولئك الأكثر حرماناً من الخدمات البلدية، ولعل أقصى ما استطاعت فعله إبراز وجه حضاري مقابل ما عُد استمراراً لنهج المجلس البلدي الحالي (السابق الآن).


 


الشعارات المستفزة
لم تكن شعارات لائحة البيارتة موفقة البتة، بدءاً بشعارها المستفز، الطارد ليس البيارتة المسجلين خارج العاصمة فحسب، بل أيضاً، وخصوصاً، أصحاب القيود البيروتية الذين ألبسوا تهمة تفريقية هم منها براء. لم يكن قرار بيروت بغير أيدي أهلها ليتم استرجاعه، وقاطنو العاصمة، والعاملون فيها، يتشاركون الهموم والاحتياجات ذاتها، لا يفرق بينهم انتماء طائفي أو حتى طبقي. إن أياً من الطرفين، في المحصلة، لم يقدِّر صعوبة المعركة. افترض التغييريون أن ضيق صدر المواطن كفيل بذاته بإيصالهم، واعتد تحالف الأحزاب (الهش) بإمكاناته اللوجستية وولاء المحازبين (والعصبية الطائفية) فاستخف بخصم المبادرة العفوية. يؤخذ على اللائحتين أنهما أعلنتا قبل أيام من الاقتراع، ما يفسر بعضاً من تعادل النتائج، إذ سقطتا معاً سقوطاً مدوياً، وفشلتا في استمالة الناخبين الذين ظلوا خارج اللعبة، حاجبين الثقة عن جميع المرشحين.


 


خندق واحد يجمع الأضداد
في زمن الاغتيالات والمبارزات الانتخابية مع فريق الثامن من آذار، كان قسم من جمهور 14 آذار (غير المنضوي حزبياً) يغض الطرف عن تسويات ومساومات وحتى تجاوزات أحزاب فريقه، على قاعدة أنَّ القضية الأساس والمعركة الأم أولوية. وبانحياز الحزبين الرئيسيين في 14 آذار لمصلحة مرشحين رئاسيين من 8 آذار، سقط التهاون مع انحدار الأداء، ونفذ الجمهور، متأخراً، انتفاضة داخل الانتفاضة التي دعا إليها سمير قصير قبيل استشهاده، فأعادت إلى الشارع وهجه. في مقلب آخر، تلاقت مصالح من لديهم حسابات سياسية مع الرئيس سعد الحريري، فصفوها مع بروز هذه الانتفاضة بأن وظفوا أصواتهم فيها، من غير أن يُطلب منهم ذلك، فتحول ما بدأ لائحة في مواجهة أحزاب السلطة إلى تكتل يضم معظم الأحزاب والقوى المناهضة لتيار المستقبل، ما ولد مفارقة في تلاقي قسم كبير من شارعي 8 و 14 آذار في خندق واحد. هكذا استغلت، بخبث، الأهداف السامية والبريئة لتلك الانتفاضة الجماهيرية.


 


كيف نربح؟
من السذاجة الاعتقاد أن الانتماء إلى المجتمع المدني كفيل وحده بإحداث تغيير جذري في الأداء السياسي، حتى على مستوى بلدية كبيرة مثل بيروت. يقتضي الحكم الصالح خيارات صعبة، تستوجب خطاً سياسياً ومنهجاً اقتصادياً يحميها ويفعّلها، ويفرض أولوياتها.
لو قيض للائحة «بيروت مدينتي» أن تنجح، لكانت اصطدمت عند تسلم مقاليد البلدية بقوى ظاهرة وخفية تجهض عملها، وتمنعها من تحقيق برنامجها. أثبتت تظاهرات الصيف الماضي والانتخابات البلدية في بيروت راهناً أن رد الفعل الظرفي وقصير النفس لا يكفي لقلب معادلات أرسيت منذ عقود.
إننا نحتاج إلى حركة سياسية فاعلة ومستدامة، على شكل حزب (أو أكثر)، يستطيع جمع الطاقات وتجييش الجماهير لفرض الخيارات الصعبة، وتأمين الدعم في الحكم، أي حكم، أمخترة كان أم رئاسة جمهورية. نحتاج إلى أحزاب حديثة يمولها المؤمنون بنهجها، يكون ولاؤها للوطن وحده، وتشبه في برامجها وأدائها لبنان المرتجى، فتعمل بأساليب ديموقراطية، وتروج لمشاريعها وتطلعاتها لا لقيادييها، وتنظر الى المستقبل، متوسطاً وبعيداً، عوضاً عن الاستحقاقات الظرفية والداهمة. هذا هو الطريق السليم للتغيير، وبغير ذلك تظل الحركات... حركات.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم