الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

أمينة التونسية و"العري السياسي"

المصدر: النهار
سوسن أبوظهر
A+ A-

محاكمتها تبدأ غداً الخميس أو بعد غد الجمعة. هي موقوفة منذ 19 أيار وأودعت سجن مسعدين في القيروان. إنها أمينة السبوعي. الاسم ليس مألوفاً. فهي عرفت بـ"أمينة تايلر" أو "أمينة فيمين".
والمفارقة أن ما تُلاحق به الشابة التونسية هذه المرة ليس له علاقة بإظهار ثدييها، طريقتها في الاحتجاج معتبرة أن "التعري الوسيلة الأفضل للتعبير عن تعاسة النساء في العالم العربي". ففي آذار نشرت صورة لها على صفحة "فيمين"، المنظمة الأوكرانية التي تحتج بالتعري على أوضاع سياسية واجتماعية مجحفة تواجهها النساء في العالم. كتبت على صدرها وبطنها :"جسدي ملكي وليس شرف أحد".
بعد موجات من الكر والفر منذ آذار، سقطت الشابة التونسية التي لم تبلغ بعد التاسعة عشرة من العمر في قبضة العدالة. وهي تواجه السجن سنتين لـ"تدنيس مقبرة" وسنة ونصف السنة بتهمة حيازة رذاذ مسيل للدموع ومُشل للحركة.
ماذا حدث في 19 أيار؟ كان الاستنفار الأمني على أشده في القيروان لمنع تجمع لحركة "أنصار الشريعة" السلفية، ودارت مواجهات استخدم فيها رجال الأمن الغاز المسيل للدموع. ظهرت أمينة. وتضاربت الروايات. قال الناطق باسم وزارة الداخلية محمد علي العروي إنها كانت تضع حجاباً ونظارة شمسية و"نجحت في خداع رجال الأمن المرابطين في كل مكان".
لم تحاول تعرية ثدييها. ذهبت إلى الساحة الخلفية لجامع عقبة بن نافع وكتبت كلمة "فيمين" باللاتينية على جدار منخفض يحيط بمقبرة أولاد فرحان المحاذية للمسجد. فتعرف عليها سكان محليون ورددوا "ديغاج" (ارحلي). قالت لرجل حاول إبعادها :"كلنا مسلمون"، فرد محتداً :"لست بمسلمة، لا تأتي إلى القيروان".
وقدم القيادي في "أنصار الشريعة" بلال الشواشي رواية مغايرة لصحيفة "الصريح". أفاد أن الشابة لم تأت وحدها، وأن رجال الأمن سهلوا وصولها. وهي قدمت إلى المدينة في 18 أيار وأقامت في نزل كان فيه "زملاؤنا في الدين". واتهمها بالوشاية بهم قبيل توقيفهم.
وبعدما اقتادها رجال الأمن، اتصلت أمينة بمراسلة مجلة "ماريان" الفرنسية ناديا الفاني لتبلغها باحتجازها. وصفت الكاتبة توقيفها بأنه "عمل سياسي محض"، كأن المطلوب "إيجاد رديف للحملة على الإسلاميين، كأن "فيمين" في خطورة (تنظيم) "القاعدة" والسلفيين". وتساءلت :"هل سيحملونها، وعمرها 18 سنة، مسؤولية غياب الأمن في تونس، وقتلة (المعارض اليساري) شكري بلعيد أحرار".
الجانب السياسي للقضية تطرق إليها والدا أمينة. في أحاديث صحافية متعددة، قالت أمها وفاء إن "هناك أحزاباً تستغل الخلل النفسي لدى ابنتي لدفعها إلى هذا النوع من الأعمال. فهي لم تتجاوز الثامنة عشرة وليست ناضحة بما يكفي لتقدير عواقب أعمالها، خصوصاً مع مشاكلها النفسية". وفي حديث تلفزيوني أبرزت مستندات طبية تفيد بأن كريمتها تعالج من أمراض عصبية. وعزت أزمتها النفسية إلى غضبها على والديها منذ طفولتها لاضطرارهما للعمل في السعودية وترك أولادهما في تونس.
واسترعى الانتباه موقف والدها، بشقه الإنساني والسياسي. نقلت عنه صحيفة "الشروق" أن "أمينة ابنتي وستظل ابنتي، وإن عرت كل جسدها، لأنها ضحية نمط مجتمعي فاشل. وأنا كوالد فشلت معها في نقطة ما، لأن شبابنا ينساقون وراء الموت في سوريا، والموت في البحر، وهو الذي لا يعود إذا هاجر. وهذا يخفي مشاكل اجتماعية يجب معالجتها وليس الانتقام من شبابنا". وتساءل :"أين وزيرة المرأة (وشؤون الأسرة سهام بادي)؟ أين المجتمع المدني والجمعيات النسائية لإنقاذ ابنتي التي غرروا بها تماماً كالشباب الذي يرسلونه إلى الجهاد في سوريا".
تساؤلات كثيرة تُطرح عن الشابة ودوافعها، والإجابات قد تتضح في المحاكمة. وفي كل الأحوال، وبرغم اختلاف الظروف، فإن أمينة السبوعي صارت، مثل محمد البوعزيزي، رمزاً لجيل مخنوق لم تحقق الثورة آماله.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم