السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

هل تتدخّل مصر عسكريًّا في ليبيا؟

المصدر: النهار
امين قمورية
هل تتدخّل مصر عسكريًّا في ليبيا؟
هل تتدخّل مصر عسكريًّا في ليبيا؟
A+ A-

ألمح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في حضور نظيره الفرنسي فرنسوا هولاند، إلى إمكان تدخّل عسكري في #ليبيا في حال عدم توفير الدعم للجيش الليبي وعدم رفع الحظر الأممي عن تسليحه. وعلى رغم تأكيده دعم القاهرة لحكومة الوفاق الليبية برئاسة فائز السراج بتشكيلتها الحالية، شدد على أهمية دعم الجيش الليبي، لمواجهة التنظيمات الإرهابية، موضحاً أنه في حال عدم تقديم الدعم فهناك إمكان لتدخل عسكري في البلاد.


وفي خضم الوضع المزري في ليبيا على كل الاصعدة والذي يُشكّل مصدر قلق للمجتمع الدولي عموما ودول الجوار خصوصا، صارت الازمة الليبية مسبّبًا رئيسيًّا للصداع في القاهرة التي على رغم دعوتها الى التعامل الديبلوماسي مع هذا الملف الحساس، فإن الطيران الحربي المصري قصف مرات عدة مواقع لتنظيم "الدولة الاسلامية" في الأراضي الليبية.


كما وجدت الحكومة المصرية حليفًا لها في ليبيا، وهو اللواء خليفة حفتر، قائد الجيش الذي سبق له أن عمل تحت إمرة العقيد معمر القذافي، قبل ان يجد نفسه منفيًّا عقب توالي هزائم قواته الحربية في تشاد، حيث عاش على مدى عقدين من الزمن في شمال فرجينيا في الولايات المتحدة ، ليعود بعدها عام 2011 إلى ليبيا، وقد تداعت أوضاعها السياسية، وليشغل منصب قائد ما يسمى بـ"الجيش الوطني"، الذي يدين بالولاء للحكومة الليبية المتمركزة في طبرق، والتي كانت تحظى بالاعتراف الدولي.


ومنذ توليه هذا المنصب لم ينفكّ حفتر يدعو الدول التي يزورها إلى رفع الحظر المفروض على توريد السلاح إلى ليبيا، نظرًا الى حاجته الماسة للامدادات الحربية في ظل اختلال التوازن العسكري لغير مصلحته في مواجهة الميليشيات المسلحة المعارضة له ولحكومته في ليبيا. وساندته في هذه الدعوة القاهرة حيث تلقّى شحنات أسلحة من الجيش المصري، وهو الأمر الذي أدى الى صدور تقرير عن الأمم المتحدة يدين القاهرة لانتهاكها القرار الدولي بحظر توريد الاسلحة الى ليبيا. ومع ذلك توالت زيارات حفتر للقاهرة وقابل السيسي شخصيًا. وفي خطوة تبرز الاهتمام البالغ للسلطات المصرية بما يجري على الحدود الغربية، زار الرئيس السيسي مقر القيادة العسكرية في المنطقة الغربية المتاخمة للحدود مع ليبيا، لتأكيد حرصه على متابعة الوضع المتوتر في الدولة الجارة. وعكس ذلك مدى التأثير المتزايد لليبيا على الأمن القومي المصري، ومع ذلك، فإن حجم العمليات العسكرية المصرية الخاصة والسرّية ضد ما تعتبرهم القاهرة إرهابيين في الصحراء الغربية غير معروف.


وبلغ الدعم المصري ذروته في الطلب الصريح الذي تقدّم به السيسي امام هولاند، ما فتح باب التكهّنات أمام ما إذا كانت القاهرة بصدد التدخل العسكري في ليبيا، أم أن الأمر لا يعدو مجرد تلويح بورقة الضغط من أجل دفع المجتمع الدولي لدعم للجيش الليبي الوطني.
وإذا كان دعم مصر لقوات حفتر يبدو منطقيًّا ومفهومًا، فإن هذه المساندة المصرية لهذا الرجل قد ترتد سلبا على العلاقات المصرية الاميركية حيث ينظر "البنتاغون" نظرة عدم ثقة الى حفتر. وتاليا قد يؤدي ذلك إلى فشل مصر في التنسيق مع الجهات الدولية في حال شنّ حملة جوية غربية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في ليبيا ما سيجعل تحقيق الاستقرار في ليبيا بعيد المنال.


وتتركز الحسابات المصرية تجاه الجوار الليبي على أمرين، أولهما: تقليل تأثيرات التفاعلات الداخلية الليبية، لا سيما في الشرق الذي يمثل ظهيرًا استراتيجيا لمصر، عبر إبطال تأثير المهدّدات في الشرق الليبي في الداخل المصري الذي يواجه تناميا لظاهرة الإرهاب، وثانيهما يتعلّق بالحفاظ على منظومة المصالح المصرية مع ليبيا، وتاليا فمن مصلحة مصر استقرار الوضع الليبي بما يضمن الحفاظ على العمالة المصرية التي تنتمي لشرائح فقيرة بالأساس، وإعادة تنشيط الاستثمارات الليبية في مصر لدعم عملية خروج الاقتصاد المصري من مأزقه.
وعلى ذلك، يقول الباحث السياسي المصري خالد حنفي علي ان من المهم التفرقة بين أنماط عدّة للتهديدات الليبية على الأمن القومي المصري، فثمة تهديدات ذات طبيعة عالية كالاشتباك الأمني، مثل مسألة تحول شرق ليبيا إلى حاضنة إقليمية للجماعات "الجهادية"، مما يشكل خطرا على الأمن المصري الذي يدخل في الوقت نفسه في مواجهة مع جماعات نظيرة لها في الداخل.


بينما هنالك تهديدات ذات طبيعة متوسطة، وتنصرف إلى استهداف المصالح المصرية داخل ليبيا، وهو أمر على أهميته يظلّ داخل الحدود الليبية، وتأثيراته ذات طبيعة غير مباشرة، لا سيما في ما يتعلق بضغوطات عودة العمالة، وتراجع معدلات التبادل التجاري والاستثماري على الاقتصاد المصري.
يضاف إلى ذلك أن هناك تهديدات طور الاحتمال، وتتعلق ببزوغ نيّات انفصالية في شرق ليبيا، وهو أمر تكتنفه صعوبات جمّة، لا سيما في ظل وجود خلافات في الشرق على مسألة الانفصال، أو اللامركزية الفيديرالية، علاوة على أن الخيار الأخير لا يزال هو الغالب. كما أن استقلال برقة، على وجه التحديد، سيحتاج إلى توازنات دولية وإقليمية، تضمن تدفّق النفط، خصوصا أنها تحوز غالبيته، وتمنع تحوّله إلى كيان جهادي مسلح.


وإزاء طبيعة هذه التهديدات، يقول الباحث نفسه ان ما يطرح في شأن احتمال تدخل الجيش المصري في شرق ليبيا ينطوي على تعقيدات تتعلق بالتنسيق الإقليمي والدولي، فضلا عن مستوى حدّة التهديد، بمعنى هل هنالك من المعلومات المؤكدة ما يشير إلى تخطيط هذه الجماعات لاقتحام الحدود المصرية، مما يستدعي التدخّل العسكري الذي سيكون مكلّفًا، حال ما إذا كان ذا طابع انفرادي؟ فالجيش المصري، ساعتها، سيواجه حربًا غير متماثلة مع جماعات مسلحة، قد تكون أعقد وأكثر تكلفة من مواجهات سيناء نفسها، كما قد يمثل ذلك توريطا للنظام الحالي في مصر، ويزيد من تعقيد المشكلات الأمنية والاقتصادية التي يواجهها، وهو الأمر الذي دفع وزير الخارجية المصري، سامح شكري لنفي أي نية للتدخل عسكريا في ليبيا.


ويعتقد ديبلوماسيون مصريون وليبيون أن تدخل مصر عسكريًا في ليبيا ورقة ضغط لم تُطرح بعد، لكنها تبقى سيناريو متوقعًا في المستقبل، إذا دعت الحاجة إليه عبر طلب مباشر من حكومة الوفاق الوطنية، كبوابة شرعية تمثل مطالب الشعب الليبي.
وقد أكّد الناطق باسم وزارة الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، إن أي تدخل خارجي هو شأن ليبي، حيث إن التدخل في ليبيا لا يكون إلا بمطلب من حكومة الوفاق الليبي.
وأشار خبراء عسكريون مصريون الى إن هناك سببين قد يدفعا القاهرة لتغيير موقفها المعلن في شأن التدخل العسكري؛ الأول يتعلق بمطالبة الليبيين أنفسهم بالتدخل، والثاني إذا وجدت القاهرة ما يهدد أمنها القومي.
ويقول الضابط الكبير بالجيش الوطني الليبي، العقيد أحمد المسماري: "نحن ضد أي تدخل مباشر في ليبيا، والجيش الوطني الليبي قادر على حسم المعركة. فقط نحتاج لإمدادنا بالسلاح. ومن أراد الوقوف معنا حقًا يمدنا بالدعم اللوجستي".


يظل أن التعاطي المصري مع التهديدات الليبية ينبغي أن ينطلق من الموازنة بين أمور عدة ، أولها المصالح داخل هذا البلد، ثانيها طبيعة التهديدات، ونطاق انتشارها، وآخرها إعادة رسم السياسة المصرية بشكل عام تجاه دول الجوار، بما يضمن تأثيرًا مصريًّا في التفاعلات الداخلية لهذه الدول، قبل التفكير في اللجوء إلى التدخل العسكري.


[email protected]
Twiter:@amine_kam

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم