الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"النهار" تحاور غيزا روريغ وجه "إبن شاوول" الفائز بـالـ"أوسكار": بناء شخصية كولادة مؤلمة لكنّ المولود يجعلك تنسى الألم

"النهار" تحاور غيزا روريغ وجه "إبن شاوول" الفائز بـالـ"أوسكار": بناء شخصية كولادة مؤلمة لكنّ المولود يجعلك تنسى الألم
"النهار" تحاور غيزا روريغ وجه "إبن شاوول" الفائز بـالـ"أوسكار": بناء شخصية كولادة مؤلمة لكنّ المولود يجعلك تنسى الألم
A+ A-

من فيلم بموازنة ضئيلة لمخرج مجهول تعثّر مراراً في مرحلة إنتاجه، تحوّل "إبن شاوول" إلى الإكتشاف الأكبر لمهرجان كانّ السينمائي العام الماضي حيث نال "الجائزة الكبرى"، وصولاً إلى فوزه بجائزتين مرموقتين خلف البحار: الـ"غولدن غلوب" والـ"أوسكار". قيل الكثير وكُتِب الكثير عن هذه التحفة التي تحمل المحرقة النازية إلى مستوى آخر من المقاربة، بيد ان عرضه اليوم في بيروت ضمن إستعادة لأفلام "كانّ ٢٠١٥"، يتيح للجمهور اللبناني إكتشافه على شاشة كبيرة (المكان الحقيقي لمشاهدة الأفلام)، مثلما يسمح لنا بالعودة إلى نصّ كبير يتغلغل في مسامات الجلد، لكننا هذه المرّة سنقارب "إبن شاوول" من خلال ممثله الرئيسي غيزا روريغ (1967) الذي يضطلع اذاً بدور شاوول، أحد أفراد الـ"زوندركوماندو"، الفرقة المؤلفة من اليهود التي كانت تتولى تنظيف غرف الغاز في معسكر أوشفيتز البولونية. يروي لـ"النهار" تفاصيل دخوله في جسد شاوول، هذا الدور المرجّح أن يرافقه إلى الأبد.


أريد أن أعرف المزيد عن تجربتك خلال تصوير "إبن شاوول". أنت في الكادر طوال الوقت. المَشاهد قاسية والجو ضاغط. كيف تصف تجربة المشاركة في عمل كهذا؟
- طُرح عليّ هذا السؤال مراراً في الفترة الأخيرة، والناس يفاجأون من ردي. الشق الأكثر قسوة في هذه التجربة كان الانتظار من أجل التصوير. كبّلني هذا الاحساس الذي يمكنك تسميته توترا أو غضبا أو أسى. تراكمت إنفعالات كثيرة في داخلي من دون أن تجد طريقها إلى الخارج، وفي اللحظة التي كانت الكاميرا تبدأ بالدوران، كنت أعرف انها اللحظة الوحيدة لأفجر خلالها كلّ طاقتي وحماستي الداخلية. أثناء التقاط المَشاهد، كنت أقول للجميع: "أرجوكم، لا تتحدثوا معي، فأنا في العام 1944، لا أريد احتساء قهوة ولا أرغب في أن تسألوني كيف هي حال أولادي". الناس تفهموا ذلك، وأدركوا انه لا يمكنني أن أكون داخل الدور وخارجه في الحين نفسه. كنت أضع أطناناً من الماكياج على وجهي، وكان على الشخص الذي يضعه أن يتأكد بإستمرار اذا كان الماكياج الحالي مطابقا للماكياج في المشهد السابق. حظي "إبن شاوول" بموازنة ضئيلة، صوّرناه بفترة قياسية، وبالكاد استخدمنا موقع تصوير واحداً. كنا نشعر خلال التصوير بأننا ننجز شيئاً خارجاً عن المألوف. لم ندرك ذلك فحسب بل شعرنا به. واكبنا الحظ من البداية حتى النهاية. كانت الكيمياء قوية بين العاملين في الفيلم؛ لم يحصل أي صراع تافه بيننا، كأن الفريق كله يمضي في إتجاه واحد.

 هل جعلك حضورك في كلّ وحدة تصويرية تقريباً تشعر بالمسؤولية حيال الفيلم؟ لو سقط الفيلم فنياً لأشارت الأصابع إليك في المقام الأول...
- لم يكن عندي أي هاجس. سأقول لك شيئاً: لو كنتُ ممثلاً محترفاً لما تجرأتُ على التفريط بمستقبلي، لكنني لست سوى هاوٍ. ولو عرفتُ ان هناك أي شخص آخر كان قدّم أداء أفضل من الذي قدمته، لتراجعتُ من تلقاء نفسي. تلقيتُ هذا الفيلم كقدر. لم أكن مهموماً بإحتمال أن أساهم في سقوط الفيلم، شعرتُ ان الدور هو أنا، وتجاهلتُ الكاميرا كلياً. لم أكترث بعدد الدقائق التي أظهر فيها على الشاشة، فعلتُ ما كان في وسعي أن أفعل. كنّا نضطر إلى الانتظار ريثما يتم تحميض الشرائط ومشاهدة المواد المصوّرة، كوننا صوّرنا بالـ35. عندما كنت أعود إلى ما صوّرناه قبل بضعة أيام، كنت اطمئن إلى أن الأشياء على ما يرام.

 أكان على لازلو نَمَش إقناعك قبل إختيارك؟
- في البداية، كان يريدني لدور آخر، لكنني لم أكن مناسباً له. لازلو اعتبرني "اوكي" لتجسيد تلك الشخصية، لكنني قلتُ له انني لستُ مرتاحاً فيها. يومها، كان ممثل جورجي يضطلع بدور في المسرح بفيينا مرشحاً لدور شاوول، لكني سمعتُ لاحقاً أنهم لم يتمكنوا من استجابة طلبه، ذلك ان مدير أعماله طلب مبلغاً كبيراً من المال. كنت أعتقد حينها ان الدور مأخوذ، فقلتُ للازلو ان السناريو رائع والفيلم سيكون عظيماً لكن الدور المسنود اليّ، وهو صديق شاوول، لا يعبّر عن شخصيتي، لم أشعر انه أنا. كان عليّ بذل الكثير من الجهود كي أكونه. فعدتُ إلى نيويورك، وإذا
به بعد أسبوعين يبعث لي برسالة الكترونية ليقول ان كل ما يعرفه هو انه يريدني في الفيلم. فرجعتُ إلى التصوير، وبدأنا بالإرتجال من دون الركون إلى دور. بعد ذلك، بدأتُ أطالع كلّ ما في وسعي عن فرق الـ"زوندركوماندو". قرأتُ 400 صفحة من كتاب مدهش أعطاني اياه لازلو، وشعرتُ كأنني أتلقى لكمة على وجهي.

ما هو عنوان الكتاب؟
- "كنا نبكي بلا دموع" لجدعون غرايف. إلتهمتُ صفحة تلو أخرى. تطلب لغرايف 13 سنة لإجراء مقابلات مع عناصر فرقة الـ"زوندركوماندو"، ومعظهم لم يخبروا حتى أعضاء عائلاتهم عن وظيفتهم في أوشفيتز. في سلّم الناجين بعد الحرب، كان الـ"زوندركوماندو" يحتلون أسفل الأسفل. كان يُنظر إليهم بإحتقار شديد، كأنهم حثالة. وهم كانوا يعلمون ان النظرة حيالهم سيئة جداً، فلم يبوحوا بسرهم حتى لأولادهم. ثم، مرّ الزمن وكبروا، فجاء جدعون ليجعلهم يروون قصصهم. ظلّ يمطرهم بالأسئلة: ماذا كنت وظيفتك؟ كم دقيقة كانت تستغرق المهمة؟ ما كانت طبيعة نظرتك إلى المجوهرات التي على الجثة؟ كيف كنت تحلق الشعر؟ تفصيل فوق تفصيل، حفظتُ الكتاب عن ظهر قلب. عندما حانت لحظة الارتجال، رحتُ أروي طوال 40 دقيقة تفاصيل الحياة اليومية في أوشفيتز، من السادسة صباحاً حتى السادسة ليلاً. عندما انتهيتُ، رأيتُ جميع مَن كان على البلاتو يبكون. قالوا لي "شكراً، لنأخد قسطاً من الراحة"، بعد ظهر اليوم نفسه أُسنِد إليّ دور شاوول. اذاً، لا أعرف كيف حسم لازلو القرار، لكني اعتقد انه كان يعرف ان هذا الموضوع يسكنني. لم أكن أبحث عن الدور الأول، لكني اعتقد انه ادرك في لحظة ان من الصعب أن يجد مَن هو أكثر مني تشبعاً بما قرأت.

 ألم تشعر بالإحباط بعد نحو 40 يوماً أمضيتها داخل فرن؟
- لا. قد يفاجئك ردي، لكني كنت أريد هذا الفيلم بأي ثمن، كنت أؤمن به. أشبّه بناء شخصية إلى الولادة. ترى احدى ذراعي المولود ثم ترى قدميه، نعم الولادة مؤلمة، لكن المولود يجعلك تنسى الألم. خلال التصوير شعرتُ كأنني في غيبوبة، كنت أذهب إلى الفراش مع الفيلم. خسرتُ بعض الوزن، كنت وحيداً بعيداً من عائلتي، لم أفكّر في أي شيء آخر سوى هذا الفيلم. ما عدا أيام السبت، لم نكن نتوقف عن العمل. كنا على توافق تام جميعنا. معظم الناس الذين اضطلعوا بـ"دور" الجثث في الفيلم، وهم بالمئات، كانوا عراة. إنهم أشخاص يعيشون في الشارع ولا مأوى لهم، كانوا يعرفون إسمي وأعرف أسماء البعض منهم، اذ كنا نحتسي القهوة معاً أثناء الاستراحة. كنا في شهر آب، الشمس حارقة، والذباب في كلّ مكان. وكان المتشردون يستلقون بعضهم فوق بعض بلا أي حركة مقابل دولار واحد في اليوم. تأثرتُ عندما رأيتُ هذا. إلى اليوم، تصلني رسائل من هؤلاء المتشردين يبعثونها لي من كومبيوتر أحد مراكز الرعاية، يكتبون لي لمباركتي وللقول إنهم ينتظرون الفيلم بفارغ الصبر. علمتُ انهم ينتظرون في طابور ليبعثوا لي برسالة عبر صفحة الـ"فايسبوك" الخاصة بالفيلم. لذا، صدِّقني عندما أقول ان الفيلم خلاصة التكاتف بين فريق منسجم.

 أين جرى التصوير؟
- صوّرنا في قاعدة عسكرية بضواحي بودابست. حظينا بمهندس ديكور أنجز بلاتوهاً واقعياً لم يكلّف الكثير. بعد الانتهاء من التصوير، بدأتُ آكل الكثير من الحلوى، كي أخرج من الدور، فنسيتُ الشخصية. لم أكن قد أكلتُ الحلوى منذ زمن بعيد، كان عليّ أن أستعيد وزني الطبيعي. خرجتُ من الشخصية مبكراً حباً بالحلوى. في ما يتعلق بإنصهاري في الشخصية، كنت أشعر مراراً وأنا جالس في البيت، بإصبع تلمسني، إما تكون اصبع زوجتي وإما اصبع احد أولادي، وكانوا يفعلون ذلك ليقولوا لي "عد الينا". لديّ أربعة أولاد، وخلال التصوير اشتقتُ إليهم كثيراً. عندما انتهى التصوير، جاؤوا لزيارتي، فأخذتهم إلى معسكر أوشفيتز. ساندوني كثيراً، لأنهم كانوا يعلمون لماذا أنا بعيد من المنزل.


(*) يُعرض "إبن شاوول" في "متروبوليس"، الليلة الساعة العاشرة مساء، والاثنين 25 الجاري الساعة الثامنة، والسبت 30 الجاري الساعة الخامسة عصراً، والأحد 1 أيار الساعة السابعة ونصف مساء.
(**) النسخة الكاملة لهذه المقابلة على موقع "النهار"
www.annahar.com

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم