الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

فرنسيس وكيريل... أهل الشام أدرى بشعابها

الأب جورج مسّوح
فرنسيس وكيريل... أهل الشام أدرى بشعابها
فرنسيس وكيريل... أهل الشام أدرى بشعابها
A+ A-

لا ريب في أنّ لقاء #البابا_فرنسيس والبطريرك الروسيّ #كيريل، لمجرّد انعقاده، هو إنجاز تاريخيّ على صعيد العلاقات ما بين الكنائس وترميم الوحدة ما بين المسيحيّين. وقد صدر إعلان مشترك عن رأس الكنيسة الرومانيّة ورأس الكنيسة الروسيّة اتّفقا فيه على مواضيع عديدة ومتشعّبة. غير أنّنا لن نتناول، في هذه المقالة، سوى ما يمتّبصلة إلى العلاقات المسيحيّة-الإسلاميّة في بلادنا التي تتعرّض لاهتزازات قويّة بسبب الظروف القاسية التي تعصف بأهل هذه البلاد كافّة.


يتحدّث الإعلان المشترك عن المسيحيّين بكونهم "ضحايا الاضطهاد"، وبأنّهم يتعرضون "للإبادة" أو "للطرد" و"النزوح"، وبأنّ "كنائسهم تُهدم وتُنهب بوحشية"... هذا إلى حدّ كبير صحيح، غير أنّه غير واف للواقع، إذ يحصر ضحايا الاضطهاد بالمسيحيّين دون سواهم. فالإعلان لا يستعمل التعابير ذاتها في حديثه عن "مؤمني التقاليد الدينيّة الأخرى"، بل يكتفي بالإشارة إلى أنّهم "قد أصبحوا هم أيضًا ضحايا الحرب الأهليّة والفوضى والعنف الإرهابيّ". هذا الكلام يتضمّن أحكامًا مطلقة غير دقيقة، وتمييزًا غير منصف، وقد جعل الإعلان غير متوازن.


المسيحيّون والمسلمون، ومن دون تمييز، متساوون في البرّ وفي الإثم. فمنهم مَن تعرّض ويتعرّض للاضطهاد، ومنهم مَن هو شريك للظالم، ومارس القتل والتعذيب. المسلمون ليسوا كلّهم أولياء، وليسوا كلّهم شياطين. ولا المسيحيّون كلّهم قدّيسون، وليسوا كلّهم أبالسة... ضحايا المجازر والطرد والتهجير هم من المسلمين والمسيحييّن. فثمّة مدن وقرى إسلاميّة قد صارت أثرًا بعد عين، وتهدّمت آلاف المساجد... وكان الأجدر ألاّ يتمّ استعمال صيغة "قد أصبحوا هم أيضًا ضحايا..." الواردة أعلاه، لأنّها تعني كأنّهم ليسوا ضحايا منذ بدء الاضطرابات، وأنّ ما يجري لهم ليس سوى ردّ فعل فقط.
يخصّ الإعلان المشترك بالذكر بلدين فقط من بلدان الشرق الأوسط، هما سوريا والعراق. ويدعو "الجماعة الدوليّة" إلى بذل الجهد من أجل "وضع حدّ للإرهاب بواسطة أعمال مشتركة ومنسّقة"، ثمّ يوجّه نداء "إلى جميع الدول المعنيّة بمكافحة الإرهاب لكي تتصرّف بشكل مسؤول ومتعقّل"، ويحثّ المسيحيّين على الصلاة بحرارة كي لا تقع حرب عالميّة جديدة. هذا الكلام يبقى عموميًّا طالما أنّه لا يحدّد بعض الأمور التي ينبغي أن تكون واضحة وجليّة. لذلك نتساءل:
1- مَن هي "الدول المعنيّة بمكافحة الإرهاب" التي يشير إليها الإعلان المشترك؟ الدافع إلى سؤالنا هذا هو أنّه لم تبقَ دولة في العالم لم تتدخّل في سوريا بذريعة مكافحة الإرهاب. أجيبونا، بالله عليكم، هل المقصود بالدول المعنية بمكافحة الإرهاب أميركا أو روسيا أو فرنسا أو السعودية أو إيران أو تركيا أو إسرائيل؟ وكلّ دولة من هذه الدول متّهمة من طرف مشارك بالحرب بأنّها تدعم الإرهاب.
2- هل المقصود بالإرهاب هو ما تقوم به الجماعات الدينيّة المتطرّفة، "داعش" وسواها، أم "إرهاب الدولة" الذي تمارسه الدول المتورّطة كلّها، بحرًا وبرًّا وجوًّا؟ هل كانت بلادنا تنعم بالسلام والرفاهيّة قبل ظهور "داعش" وأشباهه؟ ألم يكن ثمّة أرهاب طاغ فيها منذ عقود؟
3- لماذا يغفل الإعلان ذكر الديموقراطية أو المطالبة بالحرّيّة لجميع أبناء هذه البلاد كي يختاروا ما يرونه مناسبًا لهم من نظام للدولة؟ أليس في هذا الإغفال إعلان مبطّن لدعم الأنظمة الديكتاتوريّة في المنطقة؟ أليس في ذلك إقرار غير مباشر بدعم ما يسمّى بحلف الأقلّيّات في وجه الغالبيّة الإسلاميّة؟
4- لماذا إغفال ذكر دولة إسرائيل وما جرى وما زال يجري فيها من إرهاب بحقّ الشعب الفلسطينيّ؟ أليس ثمّة إبادة للوجود المسيحيّ في فلسطين؟ ألا يستحقّ الفلسطينيّون المطالبة بحقّ العودة إلى ديارهم؟ أم أنّ التحالفات السياسيّة مع الدولة الإسرائيليّة حالت دون تناول القضيّة الأساس التي لولاها لما وصلنا إلى ما وصلنا من ذلّ وهوان؟


يبدو أنّ هذا الإعلان، من حيث هذه الالتباسات التي يثيرها، يوفّر التبرير لـمَن يبحث عن تبرير كي يتدخّل في سوريا لتأمين مصالحه بذريعة مكافحة الإرهاب. وكان جديرًا بأن يكون هذا الإعلان صادعًا بكلمة الحقّ.


حسن أن يطالب الإعلان المشترك بإطلاق كلّ المختطفين، ومن بينهم مطرانا حلب بولس يازجي ويوحنّا إبراهيم. هذا المطرانان هما اللذان يمثّلان المسيحيّة الأنطاكيّة بتاريخها العريق وتمايزها بالانفتاح على مواطنيها من المسلمين. لن يجدي أيّ تدخّل خارجيّ في الحفاظ على المسيحيّين، وقد جرّب المسيحيّون في حقب عدّة، قديمًا وحديثًا، استدعاء التدخّلات الأجنبيّة، لكنّهم سرعان ما ندموا على ذلك بعدما عاينوا عواقبها الوخيمة.
ليس لنا سوى الشراكة الإسلاميّة المسيحيّة القائمة على المساواة والعدل، أي القائمة على المواطنة التامّة، سبيلاً إلى السلام. لن يجدي أيّ حلّ لا يرضي المسلمين، وبخاصّة إذا توسّل هذا الحلّ القوّة. ونحن، أبناء أنطاكية، مدينة الله العظمى، حيث دعي التلاميذ مسيحيّين لأوّل مرّة، نحن أدرى بشؤون بلادنا. نعم، "أهل مكّة أدرى بشعابها"، ونحن أهل الشام أدرى بشعابها.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم