الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الخنادق تحفر خريطة الاقاليم العراقية

المصدر: النهار
امين قمورية
الخنادق تحفر خريطة الاقاليم العراقية
الخنادق تحفر خريطة الاقاليم العراقية
A+ A-

منذ قرون عدة لم تعد الخنادق والاسوار جزءا حيويا من الاستراتيجيات الدفاعية للدول والممالك، لكن بغداد التي لم تعرف اي من اساليب الحماية في الماضي ، صارت الاسوار في سنوات الاحتلال الاميركي وماعقبه من حروب وصراعات مذهبية خصوصا جزءا من الهوية الجديدة التي البست لها. ومن جديد اضيفت الى الاسوار الاسمنتية المبنية بين شوارعها اسوار اكبر في محيطها بذريعة منع دخول السيارات المفخخة والإرهابيين" ولـ"الحد من التفجيرات"، ، بينما شرعت حكومة اقليم كردستان في الشمال في حفر الخنادق خارج مداها الجغرافي المعترف به بالحجة نفسها، فهل هذه الاسوار هي للحماية ام مقدمة لحفر خريطة جديدة في البلاد تجزء ماكان موحد لمصلحة التفرقة والتفتيت؟


حتى #صدام_حسين رفض نصيحة مستشاريه بحفر خندق على الحدود مع ايران في ذروة الحرب الدامية بين البلدين خشية تدفق حشود عبر الحدود. لكن الادارة الكردية في الشمال شرعت بمشاركة شركة فرنسية في حفر خندق يمتد بطول 652 ميلا ، وبعرض 3 امتار وبعمق 3 امتار، من بلدة ربيعة في منطقة سنجار المحاذية للحدود السورية حتى مدينة خانقين قرب الحدود الايرانية، مرورا بسهل نينوى وباجزاء من صلاح وديالى وكركوك. وبعض هذه المناطق خارج حدود الاقليم ومتنازع عليها مع حكومة بغداد ، وتنتظر استفتاء شعبيا للبت في مصيرها لم يجر بعد ، ولاسيما كركوك الغنية بالسكان والتي يتشارك في سكنها الاكراد والعرب والتركمان. وهذه المناطق دخلتها البشمركة عندما اجتاحت #داعش مدينة الموصل في 2014 بعد انهيار الجيش العراقي فيها، واكدت في حينها انها ستنسحب منها بعد "هزيمة "داعش".
يقول الاكراد أن الخنادق ستستخدم كساتر دفاعي لحماية المناطق المحررة حديثا من الهجمات الداعشية الانتقامية، ويؤكد القائد الكردي سروان محمد ان:" هذه الخنادق ستمنع تسلل عربات الإرهابيين وتفجيرها في الخطوط الأمامية لقواتهم"، مضيفا بأن "داعش" يستخدمون سيارات مفخخة ضد الأكراد الذين بحاجة لأسلحة متطورة لتدمير الشاحنات التي يقودها انتحاريين عن بعد.


لكن الحكومة العراقية تخشى أن تكون هذه محاولة لتطبيق حدود كردية كأمر واقع وجزء من مخططهم لإعلان الاستقلال عن العراق، وقال رئيس لجنة الدفاع بالبرلمان العراقي ان "القوات الكردية تتخذ من محاربتها داعش تبريرا لحفر الخنادق، ونحن لا نؤمن أنها تستخدم ضد داعش، فنحن نرى أنها تأتي من أجل انفصال كردستان من العراق".
واقلقت الخنادق الكردية أيضًا قوات الحشد الشعبي الشيعية المسلحة التي تشارك البشمركة في السيطرة على كركوك. ويقول قائد الحشد في المنطقة ابو منذر أن حفر الخنادق ليس ضروريا، ف"داعش" ليس لها حضور في هذه المناطق، وأضاف:" نحن لدينا شكوك عما وراء هذه الجهود، فنحن نعتقد أنهم يسعون للانفصال أيضًا بمناطق عراقية تسيطر عليها أميركا".


ورأت النائبة عن ائتلاف دولة القانون عالية نصيف إنّ قيام إقليم كردستان بحفرِ #خنادقٍ حول المناطق المتنازع عليها : " تقسيمٌ فعلي للعراق" ، وتوقعت أن ينتظر رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني "انتهاء الشركة الفرنسية من حفر الخنادق، ليعلن دولتهُ الكردية". وقالت" إذا كان البارزاني يبررُ حفر الخنادق في المناطق المتنازع عليها، بأنّها ستساهم في صدّ هجمات إرهابيي داعش، فهذه الطريقة غير منطقية ، فالخنادق في هذه الحالة، ينبغي حفرُها على الحدود العراقية الخارجية، وليس في الداخل ، إذ لا فائدة من حماية منطقة من خطر الإرهاب، وترك المنطقة التي هي خلف الخنادق، تكتوي بنار الإرهاب، رغم كونها منطقةً عراقية أيضاً".
وتشي كل الدلائل والمؤشرات على الارض ان آوان انفصال #كردستان عن العراق وإعلان الاستقلال"، قد حان، فلن يجد الأكراد أفضل من هذه الفرصة للاستقلال، فالحكومة العراقية المركزية أصابها الوهن، ومنغمسة في صراع مستمر مع "داعش"، وهو التنظيم الذي تمتطيه كردستان للسير قدما في تحقيق حلمها القديم بالاستقلال. وكرر البارزاني مرارا ، إن "الإقليم مصمم على إجراء استفتاء يضمن لشعب كردستان (سكان الإقليم) تقرير مصيره".
اسوار بغداد
وفي غمرة الانشغال بحفر الخنادق الكردية، شرعت الاليات الضخمة التابعة للحكومة العراقية في بناء سور إسمنتي حول العاصمة العراقية، اثار رفضاً من بعض السياسيين، وشكوكاً لدى المتابعين للشأن العراقي، إن كانت هذه الخطوات لدواعٍ أمنية أم لرسم خارطة جديدة للعراق.
فقد اعتبر النائب عن اتحاد القوى رعد الدهلكي، أن سور بغداد الأمني، الذي شرعت قيادة عمليات بغداد بإنشائه اخيرا، "سجن كبير"، مشيراً إلى أنه جاء لـ"رسم خارطة حدود" لكونه يمتد إلى مناطق تابعة لمحافظة الأنبار. واضاف إن "سور بغداد مبهم وغامض ولا يختلف عن وضع أهالي العاصمة في سجن كبير للحفاظ على أرواحهم"، لافتاً إلى أن "السور جاء لتقطيع الأواصر والتواصل بين المحافظات ورسم خارطة جديدة، ولا سيما أنه يمتد إلى مناطق تابعة لمحافظة الأنبار".


وسيبدأ بناء الجدار في منطقة الصيحات على مسافة 30 كيلومترغرب بغداد؛ من أجل عزلها عن #الفلوجة التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" في الوقت الحالي، امتداداً إلى مناطق شرق الفلوجة وشمالها".
تكلف حفر الخنادق وبناء السوار الخزينة ملايين الدولارات في وقت يعاني العراقيون من نقص حاد في تأمين الحجات الضروية بسبب الفساد وسوء الادارة . وتأتي في وقت يحتدم الجدل السياسي في العراق في شأن التكثيف الاخير للتغيير الديموغرافي ووضع حدود للطوائف المختلفة، فالقوى السنية توجه اتهامات للميليشيات شيعية بعمليات تطهير طائفي في ديالى تمهيدا لافراغها من السنة. وقدمت كتلة "تحالف القوى الوطنية" السنية طلبا الى الامم المتحدة "لتوفير الحماية للسنة". واكدت ان الطلب جاء بعد "فشل الحكومة في حماية ابناء السنة واستمرار الانتهاكات المرتكبة ضدهم على يد ميليشيات متنفذة في محافظات صلاح الدين ودياالى والانبار وبابل ، فضلا عن عودة ظاهرة الخطف والقتل في بغداد وعدم اعلان نتائج التحقيقات".
وبات السياسيون السنة يجاهرون بحقهم في قيام اقليم خاص بالمدن ذات الغالبية السنية بعدما حدثت عملية فرز خنادق نهائية بين السياسيين الشيعة والسنة وقد سبقهم الى ذلك الفرز الوضع القائم في كردستان. وهناك من يذهب الى التبشير بالدولة العربية السنية . وهي دعوات ما كانت لتنطلق وتجد من يسمعها لو نجحت الاحزاب الشيعية في حكم العراق بوصفه عراقاً موحداً وليس معداً للتقسيم.


الاقاليم الثلاثة


وبعدما كان اقتراح نائب الرئيس الاميركي جو بايدن تقسيم العراق إلى ثلاث ولايات أو دول.. واحدة للأكراد وأخرى للسنّة العرب وأخرى للشيعة، يعتبر من "التابوهات" او المحرمات لغالبية العراقيين قبل سنوات، صار الان مقبولا لدى قسما كبيرا منهم، فالأكراد يسيرون قدماً لإتمام انفصالهم عن العراق، وينتظرون غطاءً دولياً، أو على الأقل عدم معارضة الانفصال من قبل من وفر لهم الحماية من الأميركيين والأوروبيين.. أما العرب السنّة وبعد الذي يتحدثون عن تهميش وإقصاء في سنوات حكم نوري المالكي فقد زادت نسب المؤيدين لإقامة إقليم يضم العرب السنّة من محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى وكركوك وأجزاء من محافظة بغداد الكبرى.. أما الشيعة والذين لا يريدون أن تتقلص مساحة العراق الذي تحت هيمنتهم، سيسعون إلى السيطرة على محافظات الجنوب والفرات الأوسط، وإبقاء بغداد كاملة تحت سيطرتهم مع محاولة السيطرة على بيجي وسامراء، وهذا ما سيخلق صراعاً بل وحتى مواجهات مع السنّة العرب الذين لا يمكن أن يتركوا مدناً ومناطق يشكلون فيها أكثرية، مثل سامراء وبيجي وأحياء كبيرة في بغداد تحاول الاسوار الجديدة ابتلاعها تمهيدا لهضمها.


ولأن معركة الموصل وانهاء سيطرة "داعش" تبدو صعبة المنال في الوقت الحالي، فان هيمنة قوى الامر الواقع وتنوع الميليشيات والتنظيمات المسلحة لاتبشر باستقرار قريب او فرض سيادة الدولة على كل اراضيها، فعدا وجود قوات الجيش العراقي بكل صنوفه، هناك قوات البشمركة ، وقوات الحشد الشعبي الشيعية وقوات العشائر السنية. وبدلا من ان تكون الحرب على "داعش" فرصة لتوحيد العراقيين ضد عدو واحد ، فانها على العكس اسهمت في مواصلة وقف التفكك المجتمعي الذي يعاني منه العراق،والذي جعل اللعبة السياسية فيه لعبة أميركية إيرانية وبدرجة اقل سعودية تركية ، أكثر منها لعبة عراقية. وهكذا ثبتت بدعم خارجي سيطرة القوى الطائفية والمناطقية والاتنية التي عمقت الشروخ الامجتمعية وودفعت الى الواجهة بمشاريع الاقاليم على اساس فيديراليات واسعة ليس لها مثيل في العالم.


الاخطر من ذلك ان هذه المشاريع تحمل في طياتها ليس فقط مشاريع اقتتال بين اقليم والاقليم الاخر حيث سيكون لكل منهم حكومته وقواته الخاصة، انما في داخل المكونات الطائفية والاتنية نفسها ، ذلك ان الحزبين المسيطرين في السليمانية الكردية لايظهران اي حماسة للاستقلال على عكس حزب البارزاني الذي يسيطر على اربيل ويتوق الى الانفصال الكامل. كذلك لدى الشيعة العرب ثمة تباين خفي بين ثلاثة تيارات او اتجاهات: اتجاه يرفض لهيمنة الايرانية ويعارض الاحزاب الطائفية الموالية لطهران، واتجاه يسلم قراره للمشيئة الايرانية، واتجاه يمسك العصا بالنصف، بمعنى يسعى الى قرار عراقي مستقل مع الابقاء على افضل العلاقات مع ايران. اما السنة العرب فيعانون في آن من هيمنة "داعش" وتسلطها على مناطقهم ومن التهميش من شركائهم في الحكومة والوطن، عدا عن ازمة المرجعية والخلافات الحزبية.


ومع استمرار الميليشيات في حكم الشارع ، وحكم الدولة بمنطق القبيلة او العشيرة، فأن الخنادق ستحفر حدود الاقاليم الاتية لا محالة ، لكن هل ستبقى هذه الاقاليم تحت سقف العراق ، ام ستتحول الى كيانات مجهولة المصير؟


[email protected]
Twiter: @amine_kam

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم