السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

الاستثمارات اللبنانية إلى إيران وسوريا تتطلّب حركة أكثر منها تشريعات

بول مرقـص- رئيس "جوستيسيا"
الاستثمارات اللبنانية إلى إيران وسوريا تتطلّب حركة أكثر منها تشريعات
الاستثمارات اللبنانية إلى إيران وسوريا تتطلّب حركة أكثر منها تشريعات
A+ A-

لبنان الخارج من حروب مدمّرة (1975-1990) والمحكوم منذ انتهائها من طبقة سياسية وإدارة وقضاء يضرب الفساد معظمها، يتقن حقّاً فن البقاء. ولا يزال صامداً جسداً بلا رأس منذ أيار 2014، مع تفريغ رئاسة الجمهورية من شاغلها مذذاك، وهي المركز الأرفع كي لا نقول الأوحد المحفوظ للمسيحيين في الشرق العربي. يُفاقم ذلك تدفّق اللاجئين السوريين إلى لبنان منذ اندلاع الأزمة السورية، ليقارب عددهم مليوناً وخمسمئة ألف نسمة أي ما يفوق ثلث عدد اللبنانيين المقيمين، أو حتّى نصفهم إذا أضفنا إليهم اللاجئين الفلسطينيين، مقابل دعم محدود وخجول عالمياً.



يصعب أن تعصف أزمات مماثلة بالاقتصاد من غير أن تقضي عليه، إذ إن الاقتصاد غالباً ما يرتبط بالوضعين السياسي والأمني وبالتطورات الاقليمية. صمد الاقتصاد اللبناني في ظل الحروب بينما الحرب في سوريا دمّرت الاقتصاد على نحو شبه كامل إذ تخطى معدل التضخم فيها ٤٢٢% مع نهاية عام 2015 نسبةً لعام 2010 عشيّة اندلاع الأحداث، كما تراجع ناتجها المحلي نحو الثلث خلال الأعوام الثلاثة الماضية فقط.



لكن ذلك لا يعني أن الاقتصاد اللبناني عصيّ عن التهديدات البنيوية، أبرزها دين عام يقارب راهناً 73 مليار دولار أميركي مع زيادة بنسبة تقارب 7% عن الفترة عينها من سنة 2014، مما أثر على العجز العام الذي ارتفع بدوره من 6,2% في عام 2014 إلى 6,8% في سنة 2015.
على صعيد التجارة الخارجية، واذا ما قارنا النصفين الأوّلين من عامي 2014 و2015، نجد أن الصادرات انخفضت بنسبة 8% في النصف الأول من عام 2015 متأثرة بالاقفال الكبير للحدود (معبر نصيب الحدودي) نتيجة الحرب في سوريا والتكلفة العالية للتصدير. كذلك الواردات شهدت تراجعاً للأسباب عينها بنسبة8.5 %. وكان لقطاع الصناعة حصته من المعاناة في سنة 2015 فقد سجل أداء باهتاً بسبب التأثر بالأوضاع الصعبة المحيطة، ففي الاشهر الخمسة الأولى من العام 2015 ومقارنة بالفترة ذاتها من عام 2014، شهد الأداء الخارجي للقطاع الصناعي تراجعاً بنسبة 9% فيما تراجعت الواردات الصناعية بنسبة 19%. بالنسبة إلى الاستثمارات، فقد تأثر لبنان على نحو كبير خصوصاً مع تكدس النفايات في الشوارع، فتراجعت حركة الرساميل والاستثمارات الوافدة بنسبة 1.9 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من العام 2015، مقابل 2.4 مليار دولار في العام 2014.



وتسود هواجس من زيادة الفوائد على القطاعين الخاص والعام بعدما خفضت وكالة "ستاندرد أند بورز" للتصنيف الائتماني، النظرة المستقبلية للتصنيف الائتماني السيادي للبنان من مستقر الى سلبي وذلك لشكوك الوكالة بقدرة الدولة اللبنانية على تسديد ديونها المتراكمة مما أثر سلبا على التصنيف الائتماني لأهم المصارف الدائنة للدولة وهذا بحد ذاته يشكل تهديداً لأهم القطاعات الاقتصادية مع تراجع التسليفات المصرفية خلال العام 2015 نحو 23 في المئة، مما يعني تراجعاً في النشاطات وطلب القروض، نتيجة تراجع قدرة القطاعات التجارية والفردية على الايفاء، وتالياً عدم القدرة على الاستثمارات والتوظيفات المقبولة. أما في قطاع الخدمات الاكثر تمويلاً للاقتصاد اللبناني فلم يكن وضع السياحة افضل اذ تراجعت حجوزات الفنادق راهناً بنسبة 13% عما كانت عليه في العام الماضي. وقد تراجعت مساهمة القطاع العقاري وقطاع البناء اللذين كانا يشكلان نسبة 20% من الناتج المحلي الإجمالي، نحو 17% في عام 2015.


 


إنعاش اللبنانيين اقتصادهم من الخارج
لئن معظم المؤشرات الأساسية الى تراجع، لا بد من التساؤل عن دور لبنان مستقبلاً، لبنان الذي كان مستشفى الشرق الاوسط ولم يعد كذلك بالضرورة مع افتتاح مستشفيات إقليمية تقارب كبريات المستشفيات اللبنانية ومع تراجع دوره السياحي لصالح تكدس النفايات وعدم الاستقرار الأمني والسياسي، وتحجيم دوره التعليمي مع افتتاح فروع للجامعات الأميركية واليسوعية في الخليج وتوزيع رخص جديدة على جامعات غير مطابقة للحد الأدنى للمواصفات الأكاديمية في لبنان، إضافة الى تقليص دوره المصرفي مع تثقيل التصنيف الإئتماني للبنان وتراجع السرية المصرفية وافتتاح الأسواق العربية، ومع تراجع دوره التعايشي أيضاً مع إثبات أهله تعذر حكم أنفسهم وتحويل نظامهم السياسي إلى نظام غير قابل للحكم.
فماذا بقي للبنان، إذاً، من دور يضطلع به مع طالع الأيام في منطقة تشتد فيها حدة بعض المؤشرات الاجتماعية لا سيما الهجرة، الفقر والبطالة، وتسودها التغيرات على الحدود في الهوية والمعالم الوطنية؟
أخال أن النتائج الاقتصادية، وبالرغم من كل المؤشرات السلبية المذكورة أعلاه، يمكن أن تنقلب رأساً على عقب، ليس بسحر ساحر، إنما بحركة اللبنانيين إلى الخارج. لماذا؟



#سوريا على طريق الحلّ السياسي وإن لم يكن هذا قريب المدى إلى الحدّ الذي افترضه المقترعون المحليّون في الانتخابات الرئاسية اللبنانية. فإذا كنا نحن اللبنانيين نرضخ لعجز السياسيين بسبب الظروف الاقليمية الراهنة التي يتذرّعون بها، إلا أن القطاع الخاص مُطالب بالتخطيط لاجتراح دور للبنان في إعادة الإعمار في سوريا التي تفتح آفاقاً إعمارية واستثمارية إجمالية تراوح بين 500 إلى 700 مليار دولار.
سوق آخر تسنح فيه فرص استثمارية كبيرة للّبنانيين: فبعد رفع العقوبات رسمياً عن إيران (باستثناء ما يتّصل بدعم "الارهاب" و"انتهاك" حقوق الانسان) وبعدما كان الايرانيون قد أعربوا عن حاجاتهم إلى الخبرة اللبنانية في الإدارة والتسويق، مع زيارة وفد رجال الأعمال اللبنانيين إليهم بنهاية العام 2015، أصبح بإمكان اللبنانيين اليوم الاستفادة من الأسواق الناشئة والخبرات الايرانية في مجال الطاقة والزراعة واستخدام التكنولوجيا. لا عوائق قانونية أمام ذلك ولا حاجة لتشريعات جديدة، إنما لجرأة ودراسة جادة للمصارف اللبنانية لإمكانات التمويل والتحويلات المصرفية دون إقلاق المصارف الأميركية والغربية المراسلة لهذه المصارف. وقبل هذا وذاك، تكمن الحاجة إلى انتخاب رئيس للبنان يرأس الوفد الاقتصادي إلى بلاد الفرس... على غِرار الرئيس الصيني الذي وقّع خلال زيارته منذ أيام قليلة شراكة مع إيران لخمسة وعشرين سنة من شأنها أن تسهم في إنقاذ اقتصاده الرازح تحت عبء ديون كبيرة. ليست مديونية لبنان أكثر عبئاً من مديونية الصين أو السعودية نفسها الرازحة هي الأخرى تحت دين عملاق يزيد من أعبائه تراجع سعر النفط وكلفة التدخّل في اليمن. لا مكان لمقارنة اقتصاديات هذين البلدين باقتصاد لبنان وليس المقصود منافسته لأيّ منهما بل الإفادة من فرص الاستثمار المتاحة في إيران على نحو ما تذهب إليه الصين. فلبنان جغرافياً وثقافياً أقرب إلى #إيران (وسوريا)، وطاقاته البشرية لا تقلّ شأناً.
هوذا الدور القادم لشباب لبنان، يثبتون فيه أن تطور اقتصاد بلادهم الذي لم تقوَ عليه الحروب الداخلية الماضية، ولا الحروب الاقليمية وتفريغ رئاسته من شاغلها حاضراً، رهنٌ بوثبتهم الاستثمارية هذه. فليبادروا إلى نفعه من الخارج إذا هم أخفقوا في انعاشه من الداخل المأزوم.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم