السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

ما بين "لوبورجيه" و"ستاد دو فرانس"

المصدر: "النهار"
مازن ح. عبود- استاذ في التنمية المستدامة
ما بين "لوبورجيه" و"ستاد دو فرانس"
ما بين "لوبورجيه" و"ستاد دو فرانس"
A+ A-

يلتئم مؤتمر تغيّر المناخ للأمم المتحدة 2015 في باريس ما بين الثلاثين من تشرين الثاني والحادي عشر من كانون الاول، وذلك بمشاركة رؤساء وممثلي الدول المنضوية في الامم المتحدة. هدف المؤتمر هو التوصل إلى اتفاق ملزم وعالمي حول المناخ، وقد سبق القمة عدد من المواقف الداعمة، كان أبرزها للبابا فرنسيس ولأمين عام اتحاد نقابات العمال العالمية الذي اعتبر بأنّ الوظائف لن تتوفّر في كوكب ميت.


 


الضربة المدويّة التي هزّت أسس المؤتمر المذكور أتت من واشنطن، وبالتحديد من مجلس الشيوخ الأميركي الذي رفض تشريع الرئيس أوباما (نتائج التصويت 46 مقابل 52) المتعلق بالاحتباس الحراري:



أولاً على الصعيد الاميركي، انتصارًا للمقتدرين المحافظين ممّن تسبّبوا بالظاهرة أصلاً، وممن يمسكون بغالبيتهم بالثروات على الكوكب. وهدفت هذه الضربة الى تعرية الرئيس اوباما قبيل مشاركته في مؤتمر المناخ، وفرملة جهود وكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة الاميركية التي تسعى الى الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة بشكل رئيسي عن الانشطة الصناعية (مادة نقاش مؤتمر باريس الرئيسية).



ثانيًا على الصعيد العالمي، أتى هذا الموقف كي يفيد المؤتمرين انّ الولايات المتحدة الاميركية التي أجهضت ورفاقها من الممتلكين كل المبادرات في هذا الاطار، ستجهض أيضًا أيّ مشروع قد تتمخض عنه القمة التي ستعقد في العاصمة الفرنسية، التي ما زالت تحت تأثير اعتداءات باريس الإرهابية. فالقلة المتحكمة بالعالم لا تزال غير راغبة بكبح جماح الطمع، ولا تزال غير راغبة بتسطير قواعد اقتصادية أقلّ وحشية في تأثيراتها على البشر والحجر في الكوكب الذي تمسك به، ومالا تزال غير راغبة بالبحث عن مصادر بديلة للنفط الاحفوري والتخلي عن الصراعات للتحكم بمنابعه، وبالتالي غير راغبة بحل جذور مسألة التطرف. وعلى ما يبدو فهي لا تزال متعلقة بأنصاف الحلول، لا بل على مورفين التخدير العسكري الذي يمحو الالم ويضمن عدم ضرب المرض. وقد أضحت مسألة الاحتباس الحراري اليوم التحدي الاكبر للحفاظ على الحضارة البشرية، وليس "القاعدة" و"داعش" اللتان تشكلان ظاهرتين ذابلتين قبل ان تولدا. فـ "داعش" هي من النتائج، وليست بحد ذاتها الازمة الكبرى. ومن يتلهى بالنتائج ومعالجتها حصرًا من دون التطرّق الى الأسباب ينفق المسافات الزمنية على ردات الفعل الى ان يزول الاساس بالكلية والاساس هو مصير الكوكب ونوعية الحياة عليه.



ما جرى في مجلس الشيوخ مؤشر سلبي للغاية يدلّ على عدم جهوزية ورغبة المارد العالمي بالمضي بأيّ اصلاحات بنيوية تحفظ الحضارة الانسانية وقيمها من عدل ومساواة وكرامة وحرية. لا ليس الاعتراف بالخطأ الذي اقترفته ايادي الدول الغنية خطيئة!! ولن تشكل مسألة التعويض على الدول المتضررة جراء التبدل المناخي عائقًا امام نمو الاقتصاد العالمي، بل انها تعيد توزيع بعض من الكتلة النقدية المتمركزة في أيدي عشرين في المئة من البشر الى ايدي المستهلكين، مما يعيد وضع الاقتصاد العالمي على سكة صحيحة. كلا ليست اكلاف اجراء تعديلات بنيوية على النُّظم الانتاجية في المدى القصير الا وسيلة تكفل خفض الاكلاف في المدى البعيد.



ما بين لو بورجيه وساحة الجمهورية وستاد دوفرانس مسافة أيام. ما بين لو بورجيه وساحة الجمهورية وستاد دوفرانس بضعة اميال. لا بل ان كل تلك الامكنة متصلة في المدينة الواحدة. ولحماية المحلّتين الأخيرتين يتوجب اخذ قرارات تاريخية في المحلة الاول. لم يعد الوضع يحتمل انصاف الحلول. عيوننا على باريس في الايام المقبلة، نريدها استفاقة، نريدها محطة لانقاذ حضارتنا الانسانية.


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم