الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

المستويات الجرمية في المقتلة السورية

براء صبري- صحافي سوري كردي
المستويات الجرمية في المقتلة السورية
المستويات الجرمية في المقتلة السورية
A+ A-

لن تنتهي القصة في سوريا قريباً، لقاء ڤيينا ميزته ليس أكثر من أنه لقاء، وتدافع، وتباهي بين القوى الكبرى على حساب الأزلام من القوى الإقليمية. كيف يكون التجانس بين القوى المجتمعة عينها على الحل على الأرض، وجميع الأطراف المسيطرة في الخارطة العامة السورية تمتلك ذوات متباعدة بشكل قطعي لا يقبل التجانس أبداً؟!


الخريطة الموزعة للقوى المسيطرة في كل سوريا لن تلتئم، ولن يكون للقوى الإقليمية لسوريا، والتي تخشى من تقبل المشهد الحقيقي، وارتداداته على ساحاتها الداخلية، المشهد عينه الذي تعزز بفضل تلك الدول اللاحقة بركب الطائرات الغربية، والراجلة مع الطائرات الروسية، والساعية إلى أكذوبة المناطق الآمنة، شيء يستحق من الأهداف التي تريد. ولن يقف هذا الهذيان كما تشتهي دول الإقليم داخل أسوار المذبحة السورية التي مرّ عليها أكثر من أربع سنوات، بل سيمتد إلى المحيط كله، وقد بدأ الامتداد بالفعل في بعض البقاع.


آليات العمل المجتمعي المتحد شكلياً، وكما تشتهيها الأنظمة الإقليمية ولّت إلى غير رجعة، ولن يستقر الوضع إلا باستقرار الأوضاع المجتمعية التي تفيد "بوحدانيات مجتمعية" ذات توجه انطوائي قد تكرسه ضرورات التداخل الاقتصادي اللوجستي إلى انفتاحات بسيطة لا حاجة لذكرها، كحيّز من القديم في الجديد المدمي الولادة.


ثانويات التصاريح عن هياكل من عهد "سايكس بيكو" لا تزال تميل إلى الخداع النفسي الذاتي اولاً، قبل أن تسعى إلى خداع الواقع الجريح ثانياً. ألم يقل رئيسا الإستخبارات الفرنسية، والأميركية، في لقائهما الأخير،والمتزامن مع إجتماع ڤيينا، "أن ما يعرف بدولتي العراق وسوريا المعروفتين لم يعد لهما وجود، ومن المستحيل أن تعود إلى الكيانات المعروفة"!.


في المقتلة السورية المستمرة شيء من تراتبية جرمية تشبه التقسيمات المعهودة في القوانين الجنائية في المتن العام القانوني. فالقوى الكبرى، والنظام الوحشي، والتيارات الراديكالية الإسلامية، تعتبر الفئة الأولى والأكثر جرمية، والتي تعرف بأصحاب "الجنايات" وهي التي لا يمكن الطعن لصالح أحدها لانغماس أيديها في كل ماحدث ويحدث، مهما حاول من يقوم بادارة الاجتماعات الدولية من جهود، ولو كان في مسعى عدم التفويت المصلحي للدول الداعمة، أو كان في مسعى التصالح للمجمل العام ككل.


الفئة الثانية، والتي تعرف بأصحاب "الجنح الشديدة" فهي دول ادعت القدرة على إدارة المرحلة السورية في عصر انكفاء اوباما، وانشغال بوتين بأوكرانيا ومصيبة تراجع أسعار النفط معاً.
الدول عينها التي غذت الصراع والقوى والتي سعت لشغل حيز وجودي داخل الإجتماع "الڤييناوي" الذي يضج به الإعلام، في تناسي ان الاجتماع عينه هو الذي جرد القوى الإقليمية نفسها من الوزن السياسي الذي أصرت على إظهاره على حساب الشعب السوري وعذاباته.
ألم يقل السيد اردوغان أنه سيقصف القوات الكردية في سوريا، ووقتما يشاء، لا لشيء سوى أنها تسيطر على الحدود الجنوبية لدياره التي تحن إلى عهد السلاطين، وتقمع أشقاء تلك القوات على أرضها، ولايهمه ان كان تيار من "القاعدة" أو أشرس من "القاعدة" ذاتها ك"داعش" يسيطر على الحدود نفسها.


الفئة الثالثة، هي أصحاب المخالفات البسيطة. هؤلاء،لايشكل هيكلهم بالأصل أي جزئية مؤثرة من تفاصيل المقتلة العامة السورية سوى أنها تجرد الحدث، وتؤطره لأهداف الفئة الثانية "الإقليمية" في صورة أوراق بيانية، وتصاريح مشوهة، كما هو الحال مع "الإئتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية"، والذي إنتهى كل الصخب المواظب لتشكله إلى صدام إقليمي على تسيده، ومن ثم تطويعه،ولصالح الأهداف الإقليمية البخسة، وعلى حساب مايفترض أنه وطن خرج ليتخلص من الإستبداد، وكانت ولادته نفسه نتاج ذلك.
قوة التجريد الحاصل تكمن في أن حقيقة إجتماع ڤيينا لم يضف الى المشهد شيء سوى أنه جزء من مايسمى "الإيقاظ الدولي" للقوى الكبرى لدول الإقليم عن حقيقة مفادها أن الأحداث الدولية، وإن تغافلت عنها في بعض الأحيان، لايمكن أن يعتبر أنه تسريج للفرس، وتجهيز للركوب، وعلى أمل إستمرار التغافل الى ما لا نهاية، وكأن المؤتمر يٌختزل بعنوان يقول: "لاتؤكل الكعكة السورية هكذا ياجوار، وياجوار الجوار".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم