السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

كلّنا معرضون مثل ليلى ولا ندري

مجد بو مجاهد
مجد بو مجاهد
كلّنا معرضون مثل ليلى ولا ندري
كلّنا معرضون مثل ليلى ولا ندري
A+ A-

يقال إن الليل عرّاب السهر، حيث النجوم والقمر والسكينة تلفنا. النوم من اختصاص متبنّي الكلاسيكية في الحياة. أما الذين يحبّذون إطلاق العنان لأحلام اليقظة، فهم في الغالب لا يعرفون النعاس قبل بزوغ الفجر. الشعراء والكتاب والعشاق، كلّهم يجتمعون عند المساء فيؤنسون وحدة الظلمة بأفكارهم. من على الشرفة، او في السرير، الحالم لا يتوقّف. هذا من الناحية الوجدانية المشجّعة للموضوع. الا ان نظرةً معاكسة تجد في الظلمة تراجيديا حقيقية، لأنهم يكرهون السهر لكنهم لا يستطيعون النوم. في هذه الحالة اللجوء الى الطبيب يصبح أولوية. انه نوعٌ من اضطرابات النوم التي يعنونها الطب بـ"الأرق"، وله دوافعه النفسية الخفيّة. فما هي اسبابه الحقيقية؟ وكيف يستطيع جسم الانسان مقاومة الساعات المتأخرة من دون الغرق في أحضان الوسادة؟



حتى صياح الديك
الاستمرار في السهر بعد منتصف الليل قد يعتبر عمليةً طبيعية بالنسبة إلى محبي الحياة الليلية. الا ان النوم في العاشرة ثم الاستيقاظ في منتصف الليل والسهر حتى الساعة الخامسة فجراً امرٌ مختلف تماماً. هذا ما يصيب ليلى، المرأة الخمسينية التي لا تقوى على اغماض عينيها حين تسيتقظ لدخول الحمام بعد استيقاظٍ مفاجئ يصيبها. تقول: "المشكلة بدأت منذ اكثر من عشر سنوات حين بدأت مظاهر الارق المزمن تظهر علي كل ليلة في الفراش. لم أقوَ على النوم قبل بزوغ الفجر، رغم انني استشرت صيدلي وارشدني الى ضرورة اتخاذ دواء خاص بالصداع كمرحلة اولى. الا ان الوضع كان يتفاقم سوءاً في كل يوم، حتى قرّرت الشروع في تناول المنوّم كما يفعل كثيرون، ولم يمانع الصيدلي الذي شاركني وجهة نظري. العلاج أعطى نتيجةً مرجوّة في الايام الاولى منه، الا ان المشكلة عادت لتتفاقم بعد اسابيع، حيث وجدت انني مضطرة لزيادة الجرعة". الحلّ الذي اتخذته ليلى من دون استشارة طبيبٍ مختص والذي وافق عليه الصيدلي، كان له بعد اكثر خطورة حين توقّف المنوم عن اعطاء مفعولٍ ايجابي، فعادت إلى معاناتها. تضيف: "كنت انتحر كالساذجة دون وعيٍ علمي بالسبب الحقيقي للمشكلة. ما حصل كان دون ارادتي خصوصاً ان تأثير الدواء كان قوياً ويشعرني بالهذيان لكنني كنت ارجو النوم وحسب. استمرّت عملية ابتلاع الحبوب أشهر قبل الاحساس بشعور الاختناق. حينها زرت طبيباً مختصاً وتبين ان المشكلة تتعلّق باضطرابات في الجهاز التنفسي. تصريح الدكتور جاء مخيفاً، حين اعتبر ان ما فعلته كان ينذر بجريمة ارتكبها بحق نفسي".


بين التوتر ومشاكل التنفّس
قد تختلف اسباب الارق باختلاف الحالة. بين الاضطرابات النفسية والمشاكل الصحيّة تتأرجح الخبايا. فيصنّف الاختصاصي في امراض النوم، الدكتور جورج جوفيلكيان، انواع الارق قسمين: "الاوّل يتصف بعدم قدرة الشخص على النوم حتى ساعات الفجر رغم قضائه لحظات طويلة في الفراش دون نتيجة، اما النوع الثاني فيتّخذ طابع النوم المتقطّع اي الاستيقاظ ليلاً وعدم القدرة على النوم مجدّداً". وحول الخبايا الكامنة وراء النوعين المختلفين يحيل "السبب الى مشاكل نفسية مرتبطة بعدم الإحساس بالأمان والخوف من النزاعات والحروب خصوصاً ان ثقافة المجتمع اللبناني وذكرياته مبنية على التوترات الامنية المتلاحقة. الا ان للأرق المتقطّع عوارض مختلفة تعود غالباً الى مشاكل في الجهاز التنفسي حيث ينقطع الاوكسيجين عن الشخص وهو نائم ما يجبره على الاستيقاظ ليلاً وعدم القدرة على العودة الى النوم مجدّداً. المأزق هنا يكمن في ربط المريض حالته بأسباب نفسيّة في حين ان الحقيقة كامنة وراء عامل صحي غير مستقر".


الادمان على المنوّم
يحذّر الدكتور جوفيليكيان "من الحلول العشوائية التي قد يعتمدها المرضى في عملية العلاج، وذلك من خلال تناول المهدئات والمنومات من دون استشارة طبيب مختص، بل انهم في هذه الحالة لا يعترفون اصلاً بهذه الحبوب كأدوية بل يعتبرونها جزءاً لا يتجزأ من حياتهم اليومية وهذا ما يدخلهم في صراع الادمان عليها وعدم القدرة على النوم دون زيادة الجرعة، المسألة التي سوف تتسبّب حتماً بتفاقم المشكلة نظراً إلى الأعراض الجانبية التي تسببها هكذا ممارسات ومن أبرزها عدم فعاليتها في حال اعتيادها". وعن الاجراءات التي على المريض اتباعها يقول: "المسألة تحتاج الى اعادة ضبط الساعة البيولوجية من خلال زيارة اختصاصي في امراض النوم حيث تتم المعالجة في حالات من طريق استخدام ضوء قوي جداً في العيون ما يساهم في اعادة توقيت الشعور بالنعاس الى السكة الصحيحة. اما في حال كان السبب عضوياً، فيرجى اللجوء الى طبيب جهاز تنفسي مختصّ وليس الى طبيب نفسي".


عصب العين السبب؟
تعتبر العين العنصر الاكثر حساسية في الجسم الانساني وهي الاكثر عرضةً للجدل جرّاء اضطرابات النوم. فيشير الدكتور جوفيلكيان الى ان "العملية مرتبطة بافراز الانزيم المسؤول عن الاحساس بالنعاس والذي يساهم في حض الانسان على الشعور بالنوم. عصب العين قد يؤدي الى احجام هذه الافرازات في حال اعتياده السهر فيبقى الشخص صاحياً طوال الليل". وعن تحبيذ استخدام مواقع التواصل الاجتماعي حتى ساعات متأخرة من الليل يعتبر ان "هذه الممارسات خطيرة وتؤثّر سلباً في صحّة الانسان لأنها تساهم في عملية تشجيع عصب العين على احباط افرازات الاحساس بالنوم الذي يفرزه الدماغ بوتيرة اكبر".


التوقيت المثالي للنوم
تختلف النظرة الى ساعة النوم باختلاف الاسلوب الحياتي. فيؤكّد الدكتور جوفيلكيان ان "تحبيذ السهر والقلة في النوم لا يعتبران نوعاً من انواع الأرق أو حالة مرضية، بل هو خيار شخصي يتخذه الفرد نظراً للرغبة في الاستمتاع ليلاً بهواية او ممارسة خاصة كحب الاستطراد واطلاق العنان للمخيّلة وهذا ما يسمى بأسلوب الحياة، حيث يكونون معتادين على السهر لساعات متأخرة والنوم في ساعات الصباح". وعن التوقيت المثالي للنوم يعتبر انها "مسألة تختلف بين شخص وآخر، لأن هناك من يعملون في توقيتٍ متأخر كالمضيفات والممرضين فيضطرون لاستبدال الساعة البيولوجية. الا ان الانسان يحتاج عادةً من 6 الى 8 ساعات نوم كحدٍّ طبيعي، كما يعتبر افتراش السرير في الـ10 مساءً والاستيقاظ في الـ6 صباحاً عملٌ مثالي".
المنوّم قد يتحوّل من مسكّن الى سمّ. الاعتياد على اتخاذ الادوية دون استشارة طبيب مختصّ عملية تصنّف في خانة انتحارٍ لا إرادي. ليس في وسع المرضى التكهّن وتحبيذ اجراءاتٍ يعتبرونها مسالمة لانها قد تكون قاتلة. على الصيدلي ايضاً أن لا يطلق العنان لنصائح قد تخرج عن نطاق صلاحياته. الأرق ماكر، قد يخبئ في خباياه مشاكل غير متوقّعة. الاستيقاظ المتقطّع ينذر بمشكلة تنفسيّة ليست بخطيرة، فلا تجعلوها حكاية درامية.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم