الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"الدب الروسي" يقطع رأس الافعى هنا: معادلات كثيرة ستتغير!

هالة حمصي
هالة حمصي
"الدب الروسي" يقطع رأس الافعى هنا: معادلات كثيرة ستتغير!
"الدب الروسي" يقطع رأس الافعى هنا: معادلات كثيرة ستتغير!
A+ A-

حذار الدب، "الدب الروسي" تحديدا. للعارفين في الشؤون الروسية، "عندما ينتفض، لا يهز البيت الداخلي فحسب، انما ايضا كل العالم"، يقول رئيس الجامعة المفتوحة لحوار الحضارات في موسكو عضو الاكاديمية الروسية للتعليم واستاذ الفكر الغربي وفلسفة الحضارات في الجامعة اللبنانية الدكتور سهيل فرح لـ"النهار". ان ينتفض "الدب الروسي" اخيرا ويتحرك عسكريا في #سوريا، جوا وارضا، ليس مستغربا لمن يتقن قراءة لغة الجسد الروسي. في حسابات الجبهة، الهزيمة ممنوعة، كأنها معركة دفاع عن ارض روسيا نفسها. "في التاريخ، ما امكن اي بلد الانتصار على روسيا".


وفي التاريخ ايضا، "للشرق الاوسط او المشرق العربي موقع خاص في الاستراتيجية الروسية الشرق-اوسطية، على اختلاف العهود"، يقول فرح. الدلائل موثقة ومؤرخة، وتبيّن اهتماما روسيا جديّا بالمشرق العربي، في "حركة صعود وهبوط" وفقا للعهود. واذا كانت الآلة العسكرية الروسية تدخلت اخيرا في سوريا، "فذلك من اجل توظيفها في قمع ربما العناصر التي تقف عائقا امام ايجاد حل سياسي فيها"، يقول فرح. ويتدارك: "وصلنا الى مرحلة انسدت فيها كل الطرق، واصبحت الحالة لا تطاق... #الروس اخذوا هذا الموقف، بعدما فشلت الآلة العسكرية الغربية في ضرب تنظيم "داعش". دخل لاعبون كبار واقليميون ومحليون لعبة جهنمية عبثية، ولم يعد احد قادر على ضبطها، الى ان اتى الدب الروسي".


قهقعته دوت بعيداً، وتخيف الاخصام كالعادة. "تأتي #روسيا الى الشرق، بدفع من جروح عميقة لديها من الارهاب بعدما سدد ضربات اليها على ارضها". أحداث الشيشان الرهيبة ومجمل الفضاء القوقازي، مجزرة مدرسة "بيسلان"، تفجيرات المسارح والقطارات والعمليات الانتحارية لا تزال تتأجج بقوة في الذاكرة الروسية. "اولا تأتي روسيا اليوم لتدافع عن نفسها هنا، قبل ان ترجع الافعى الى بلدها. تريد ان تضربها او ان تقطع رأسها هنا. ثانيا، تأتي لتحاول تقوية المؤسسات الروسية في المنطقة قدر المستطاع. يخطئ من يعتقد ان شخص الرئيس السوري بشار الاسد هو اولويتها. اكثر ما يرعب الروس حاليا هو ان يصير مصير سوريا كمصير ليبيا".


المتورطون... في الزاوية



المعادلة واضحة، والسيناريو شبه مؤكد. "اذا نجح التدخل العسكري الروسي، فستتغير معادلات كثيرة، ليس على مستوى سوريا والعراق وكل الشرق الاوسط فحسب، انما ايضا على مستوى كل العالم"، يقول فرح. النجاح الروسي يضع "روسيا في موقع اقوى على اكثر من جهة. وستتمكن من المفاوضة والضغط اكثر لفرض شروطها. اذا نجحت، فان كل من موّلوا ويموّلون الارهاب الداعشي في المنطقة، من دول وجهات، سيحصرون في الزاوية، لانهم متورطون".


يعرف فرح عما يتكلم، ويبشر المشككين بان "روسيا ليست عاطفية، بل براغماتية". هذا الباحث الاكاديمي اللبناني مواطن روسي ايضا. وله مكانته الرفيعة في بلده الثاني. العام 2011، قلده الرئيس الروسي السابق ميدفيديف وسام "بوشكين" في الكرملين. حاز لقب "شخصية العام في ميدان العلوم" العام 2011، تقديرا لدوره في تطوير نظرية الحوار بين الحضارات. كذلك، حاز اوسمة روسية رفيعة عدة. واذ يشدد على براغماتية روسيا، فكي يؤكد "حرصها على ان تكون علاقتها طبيعية مع كل الاطياف العربية، على اختلاف طوائفها. و"بالتحصيل الحاصل"، تشكل روسيا الضمان الاقوى للحفاظ على المسيحية المشرقية والاقليات في اوطانها العربية".


العلاقة الدافئة


الروسيا في المنطقة، من اول الطريق. وجذورها محفورة تاريخيا في شكل متين في مختلف المجالات، بدءا بالتجارة، مرورا بالسياسة والثقافة، وصولا الى العلاقات الروحية. ويتدارك فرح: "تاريخيا، تنتمي روسيا الى المسيحية المشرقية. واليوم بات الاسلام يشكل جزءا لا يتجزأ من شخصيتها، مع وجود نحو 20 مليون مسلم فيها". في العنوان الروحي، "العلاقة بين روسيا والارثوذكس المشارقة عميقة ودافئة، والعلاقة متينة بين الكنيستين الأرثوذكسيتين الروسية والانطاكية. وقلة تعرف ان الكنيسة الانطاكية هي التي اوصلت المسيحية الى روسيا، وليس كما يعتقد البعض انهم اليونان"، يقول.


في الكلام التاريخي، تتعدد المحطات التي تعكس عمق العلاقة بين ارثوذكس روسيا والمشرق العربي. "كان ميخائيل سيرين "السوري" اول متروبوليت ارثوذكسي لكييف، ام المدن الروسية، بعد معموديتها العام 988. وقد ساهم في التأسيس الروحي لعلاقة دافئة مع روسيا. كذلك قام البطريرك الانطاكي يواكيم الخامس بزيارة تاريخية لروسيا، وقع خلالها وثيقة مهمة خلال حكم القيصر فيودر ايفانوفيتش، تسمح بإقامه مقر بطريركي مستقل في موسكو العام 1589. زيارات متعاقبة للبطريرك الانطاكي مكاريوس من 1655 الى 1667 لروسيا، والذي وضع مع ابنه الروحي الارشمندريت بطرس كتابا عن روسيا الارثوذكسية، ولا يزال يشكل حتى اليوم احد اهم المراجع التاريخية الدينية عن تلك المرحلة. ولم تقل اهمية عنها زيارات لاحقة لبطاركة انطاكيون، منهم غريغوريوس الرابع، الكسندروس الثالث، واغناطيوس الرابع"(*)، وأيضا البطريريك الحالي يوحنا العاشر.


انطلاقا من هذا الدفء في العلاقة الروحية الروسية-المشرقية، يشكل ايضا الاهتمام الروسي بالمشرق مسألة طبيعية ومتوقعة. "اليوم، هناك علاقة حميمة بين النظام والكنيسة الروسيين، وهي حميمة اكثر مما كانت عليه في المرحلة القيصرية. وهي تقوي الفريقين"، يقول فرح. الدعم العلني الذي ابدته الكنيسة الروسية تجاه التدخل العسكري الروسي في سوريا يعكس متانة تلك العلاقة. "موقفها هذا يأتي ايضا في اطار أوسع يضم في جنباته المنظمات مختلف الطوائف الدينية، المسيحية واليهودية والاسلامية والبوذية. ان تدعم تلك الطوائف النظام في محاربة الارهاب موقف طبيعي. يجب الا ننسى ان موقف الكنيسة هو موقف اكثر من 20 مليون روسي مسلم أكثريتهم سنة ايضا"، يقول فرح.


طاقة انفعالية كبيرة


اما استخدام تعبير "المعركة المقدسة" على لسان احد مسؤوليها، "فخاطئ". "في هذا اللهيب المشتعل في الاعلام والنفوس، كان وقعها صعبا... ردود الفعل مفهومة، لكنها تعكس في الوقت نفسه طاقة انفعالية كبيرة جدا، خصوصا في الذهنية الشرقية. في هذا المنحى، ينبغي التأكيد أن كل العقول النيرة في الأديان تقر بأن الإرهاب هو الرديف للجهل وكل أصناف التخلف الذهني والسلوكي. أما الدين والأيمان عموما فهو الارتقاء بالإنسان الى السمويات التي تجمع الجميع".


ما يعلمه جيدا فرح هو "ان العامل الديني بات يحتل مكانة مهمة في العقيدة الجيوسياسية والداخلية الروسية". ويقول: "روسيا تريد اليوم، على المستوى العالمي، ان تتبع سياسة نقيضة للقيم الليبرالية المنفلتة في الغرب، وتحاول التمسك بالقيم المحافظة التقليدية التاريخية المرتبطة بمؤسسة الاسرة و بالموروث الثقافي الإيجابي للشعوب كبديل عن القيم الليبرالية المنفلتة. والكنيسة الروسية تمارس دورا مهما في هذا الاطار، وتملأ الفراغ الروحي المسيحي في روسيا".


ولكن حذار، ينبه فرح، "لأنه قد يكون، الى جانب ايجابية هذا الدور، وجه آخر سلبي، لما لتسييس الدين وادلجته من انعكاس سلبي عليها وعلى الرسالة المسيحية". والدعوة ثنائية: "على الكنيسة المسيحية والدين الاسلامي ان يشغلا طاقتيهما في تأمين الطعام الروحي للمؤمنين، وان يبتعدا عن التسييس والادلجة المسيئين جدا للمسيحية والاسلام معا".


(*) من مقدمة سهيل فرح ونيكولاي غافروشين لكتاب "المتروبوليت ايليا كرم والروسيا".


[email protected]


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم