الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"الأحباش" تيار ملأ الساحة السياسية زمناً مديداً أين هو اليوم وهل ما زال قوياً بعد الضربات التي تلقاها؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
"الأحباش" تيار ملأ الساحة السياسية زمناً مديداً أين هو اليوم وهل ما زال قوياً بعد الضربات التي تلقاها؟
"الأحباش" تيار ملأ الساحة السياسية زمناً مديداً أين هو اليوم وهل ما زال قوياً بعد الضربات التي تلقاها؟
A+ A-

أين جماعة "الأحباش" وواجهتهم "جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية"؟ أهي في حال ضمور واعتكاف أم إنها اختارت أن تدخل في طور الستر والتقية في انتظار غد آخر؟ أم ربما استقالت من دورها السياسي المعروف؟


أسئلة جديرة بالطرح، وعملية تقصّي الوضع الراهن لهذه المجموعة عملية جاذبة، فهذا الفريق السياسي الذي يوشك على الاحتجاب كان في حين من الدهر مالئ الدنيا وشاغل الناس، وتحديداً في عقد التسعينات من القرن الماضي، اذ برز كواحد من أقوى التجمعات السنية في الساحة البيروتية ومن أكثرها طموحاً وحراكاً، وهو لم يكتف بدور الوعظ والارشاد والنشاط ذي الطابع الديني، بل ولج ساحة العمل السياسي من أوسع أبوابه طارحاً نفسه منافساً لكل مكونات هذه الساحة عبر نشاطات كثيفة ومتنوعة وتحالفات، وعبر بث آراء ومعتقدات جدلية فضلاً عن مرشحين الى مجلس النواب.
وأكثر من ذلك دخل الاحباش (نسبة الى مرشد تيارهم الشيخ عبد الله الحبشي) في صراع مع أعرق القوى والتيارات السنية، كما دخلوا في خلاف مع المرجعيات السنية الدينية الرسمية بعدما قدّر لهم أن يتسلموا مفاتيح 3 مساجد أساسية في 3 مناطق بيروتية مكتظة.
والأكيد أن ثمة من تذكّر في الآونة الأخيرة الدور المبكر جداً للأحباش في مواجهة التيارات المتشددة والسلفية، وفي مقدمها الفكر الوهابي، وفي مقارعة فكر "الأخوان المسلمين" الذين يطلقون عليهم مصطلح "الفكر الأخواني" بكل رموزه ومسمياته، فقد صرفوا الكثير من الجهد للرد على كلا التيارين عبر كتب ومنشورات وندوات ونشاطات، فكان أن دفعوا اثماناً غالية إذ اغتيل رئيس الجمعية السابق الشيخ نزار الحلبي في أوائل عقد التسعينات لدى خروجه من منزله في الطريق الجديدة.
وليس خافياً انهم لم يكونوا على وفاق مع "تيار المستقبل" ومؤسسه الرئيس رفيق الحريري، مما أوصد أمامهم باب العودة الى مجلس النواب عن بيروت بعدما قيّض لهم ولوجه في الانتخابات النيابية الاولى عقب سريان اتفاق الطائف عام 1992، وهو ما انعكس توتراً مكبوتاً وصراعاً خفياً.
ومن البديهي أن كل هذه المساحة من الصخب والضجيج السياسي الذي أحدثه هذا الفريق مدى أكثر من عقد، تقلصت تدريجاً بعد الانسحاب السوري من لبنان عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، اذ ادرجوا في خانة القوى النامية تحت ظلال الوجود السوري كونهم دخلوا معه في حلف وصاروا جزءاً من التيار المحسوب على السياسة السورية في لبنان.
الجميع كان يراهن على ان الفريق سينكفئ من الواجهة لاعتبارات عدة أبرزها:
- أن كل الذين هم على صلة بسوريا صاروا في موقع تهمة إلا اذا أعلنوا الانتقال.
- الى ذلك حدث تحول حاد في المزاج الشعبي السني لا سيما بعد محاصرة دمشق بتهمة اغتيال الرئيس الحريري.
ولكن اللافت ان هذا الفريق اختار "ان يثبت في الميدان ويواجه" وفق تعبير مسؤول في "جمعية المشاريع"، ففيما اختارت معظم القوى ان تنحني للعاصفة وان لا تدخل في التجربة، أعلن "الأحباش" عن لائحة ثلاثية لخوض الانتخابات النيابية في بيروت في وجه لائحة الرئيس سعد الحريري، فكان ان نال هؤلاء ما معدله نحو 20 الف صوت، وهو رقم معتبر في تلك المرحلة وقد أراد الاحباش من خلال تجربة التحدي هذه أن يؤكدوا انهم ليسوا بلا جذور، واستطراداً أنهم ليسوا صنيعة أحد بمن في ذلك السوريون.
ويرى المسؤول إياه أن "الأحباش" نجحوا في اختبار التحدي ولكنهم دفعوا الثمن لاحقاً. فالتجربة دفعت البعض الى اتخاذ قرار بمعاقبتهم وتأديبهم، فكانت الضربة الكبرى التي وجهت اليهم بما صار يعرف بقضية الأخوين عبد العال اللذين زج بهما في السجن وأحدهما ضابط في الجيش بتهمة الضلوع في عملية اغتيال الحريري. فكان ردهم هادئاً مشفوعاً بمزيد من الانكفاء، الى أن افرج عنهما بعد ما يقرب من ثلاثة أعوام، فكان الاستقبال الحاشد في مقر الجمعية في برج أبي حيدر والصورة الشهيرة التي وزعت يومها عن هذين الأخوين وهما يقبلان معاً يدي رئيس الجمعية الشيخ حسام قراقيرة دلالة رمزية على استمرار الطاعة وعلى أن السجن لم يجعلهما يتحللان من الولاء.
وفي عام 2009 توفي مؤسس "تيار الأحباش" الشيخ عبدالله الهرري المعروف بالشيخ الحبشي، فاعتبر البعض ذلك ضربة معنوية أخرى للتيار كونه فقد مرشده الروحي الذي أحاطه مريدوه دوماً بهالة من الاحترام قاربت حد التقديس. وراهن هذا البعض على أن الجمعية لن يكتب لها أن تعود سيرتها الاولى.
لكن المسؤول المشار اليه اعلاه يخالف هذا الاعتقاد ويؤكد أن المعية ما زالت حاضرة بكل، قوتها، ويذهب الى حد الجزم بان انصارها هم القوة الثانية في بيروت بعد "تيار المستقبل". ويضيف: "لقد صمدنا في وجه الكثير من اختبارات التحدي، من اغتيال رئيس الجمعية السابق الى المضايقات وعمليات الحصار لنا في بيروت بعد عام 2005، الى اتهامنا بأننا ظل سوريا في لبنان، الى هجمة قوى ومرجعيات علينا ومحاولة انتزاع مساجدنا ومراكزنا تحت لافتات وعناوين شتى، الى اغتيال السمؤول عن الجمعية في الجنوب قبل أعوام قليلة. ولكن ثمة في بيروت من يشهد اننا حاضرون سواء في مراكزنا المنتشرة في كل انحاء العاصمة أو في جامعتنا (غلوبل) الموجودة في محلة البطركية وفي المزرعة، والتي سندشن لها قريباً مجمعاً ضخماً في خلدة، اضافة الى مستشفى جامعي، فضلاً عن مؤسساتنا الاعلامية من إذاعة ومجلة ودار نشر".
أما على مستوى الحركة السياسية فيؤكد المسؤول عينه ان الجمعية ما برحت مرابطة على النهج السياسي المعروف عنها منذ زمن وما زالت تحافظ على تحالفاتها وتتبنى الخطاب إياه، لكنه يقر بأن الجمعية صارت تحسب حسابات أعمق لكل خطواتها، فهي اختارت على سبيل المثال ألا تخوض انتخابات عام 2009 رغم اصرار حلفائها عليها. واختارت أيضاً أن تقلل جرعة "الفولكلور" الذي كان يرافق نشاطاتها في السابق. ويؤكد ان الجمعية "لم تكن على خطأ إطلاقاً عندما حذرت من زمن بعيد من مخاطر الافكار المتشددة على الاسلام الوسطي... وها هي الجماعات المتطرفة تفتك بالبشر وتشوه صورة الاسلام بممارسات همجية لا يقرها عقل ولا يبررها شرع. الجمعية مع القائلين بان الربيع العربي الذي استبشر به البعض ظهر أنه خريف أوشك ان يضيّع القضية الفلسطينية ويبدد قدسيتها". واذا كانت الجمعية اختارت ألا يكون لها برنامج حراك سياسي يومي، فهي ترصد من كثب الحراك الشعبي وترى أن مطالب الاصلاح ومواجهة الفساد ووقف الاهدار وسواها مطالب محقة، وهي مع الباب المؤدي الى التغيير أي وضع قانون انتخاب على أساس النسبية لكونه يمهد لتجديد الطبقة السياسية وتداول السلطة.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم