السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

خيارات كرد سوريا وتركيا... وخيارات أردوغان

المصدر: "النهار"
زانا عمر- اعلامي كردي سوري
خيارات كرد سوريا وتركيا... وخيارات أردوغان
خيارات كرد سوريا وتركيا... وخيارات أردوغان
A+ A-

منذ انطلاقة ثورات الربيع في البلدان العربية، ومثلها في سوريا ومرورها في جميع مراحلها، انقسم الكرد في سوريا كسائر شعوبها وطوائفها بين أحزاب وجماعات، كلّ يتحرّك حسب محاوره وحلفائه وسياسته.


الكرد في سوريا انقسموا بين فريق موالي للبرزاني؛ والمعروف بالمجلس الوطني الكردي، وفريق آخر وهو المرتبط أيديولوجيا بحزب العمال الكردستاني؛ المعروف بحركة المجتمع الديمقراطي TEV-DEM.
كان الفريقان يتحرّكان بخطين منفصلين تماما، الأول يُجاهر بعدائه للنظام السوري، وانخراطه في المؤسسات السياسية للمعارضة السورية، دون العسكرية منها، أما الثاني، حركة المجتمع الديمقراطي، فكان على الدوام يقول بأنه لا مع النظام و لا المعارضة، بل يسموّن أنفسهم بالخط الثالث، ودعم عسكريا وحدات حماية الشعب، التي أصبحت فيما بعد من أقوى الفصائل العسكرية تنظيما وقوة في سوريا، وهذا ما حدا بالمجلس الوطني الكردي ليصف حركة المجتمع الديمقراطي بالتشبيح للنظام، وضرب أهداف الثورة.



لم تكن مقولة الخط الثالث (لا مع النظام ولا المعارضة) بالأمر اليسير في تلك المرحلة الباكرة من الأزمة في سوريا، كما هو المشهد عليه الآن، وعليه فقد دفع الكرد من الفريق الثاني ضريبة رؤيتهم هذه كل لحظة، حيث تعرضت مناطقهم إلى إغلاق المعابر، ومحاصرتها والهجوم عليها.
كانت الرسائل التي يرسلها أوجلان من سجنه في إيمرلاي، تحمل تأكيداً صارماً أن الأمور ستتغيّر لامحال، وأنّ الكتل المعارضة ستتحوّل إلى جماعات مسلحة تأتمر بأمر أردوغان (الخليفة)، وفي الطرف الآخر فإنّ النظام ذاته سيأخذ صفة أعدائه في التطرف والإرهاب، لذا إياكم والاصطفاف مع أحد الطرفين، وعليكم فقط بالدفاع المشروع عن مناطقكم ودياركم ومكوناتكم جميعها، وسوف تتحوّل أنظار العالم عاجلا أم آجلا إليكم.



هل الفشل جزء من خطة اردوغان؟
لم يكن الدعم التركي (للثوار) في سوريا دون مقابل، ولا يمكن فهم المشهد في إطاره السوري فقط، بل ثمة تطوارت داخلية في تركيا كان لها التأثير القوي، ومكنت الرئيس في رسم سياسات تركيا الخارجية إزاء التعامل مع الأزمة في سوريا وفرقائها.

في تركيا كان حزب الشعوب الديموقراطية قد عمل لأجل الانتخابات المؤخرة سنين طويلة، واستفاد من دعم وحدات حماية الشعب لها في زيادة جماهيريتها، وكذلك أسطورة الانتصار على حلفاء اردوغان في كوباني، وفي الجانب الآخر من الحدود كانت ثمة انتصارات جلبت طائرات التحالف إلى صفّها لمساندتها. وحدات حماية الشعب الكردية التي أزالت "داعش" من حدود تركيا، والتي كان آخر معاقلها في تل أبيض، شريان "داعش" من جهة تركيا وممر السلاح والمقاتلين، كلّ ذلك كان بشكل متزامن مع تحقيق الهدف التكتيكي لحزب الشعوب الديموقراطية في تركيا وذلك بدخولها البرلمان التركي بنسبة تفوق الـ 10 في المئة.



الأتاتوركية خسرت المعركة في سوريا
تركيا خسرت بالفعل، أو لنقل بشكلٍ أدق إنّ نظرية أتاتورك وقوانينه ودستوره خسرت المعركة في الإستمرار، هذه المرة على يد النسخة الإسلامية في الحكم ممثلة برجب طيب أردوغان.
ربما يدرك أردوغان نتائج جميع سياساته إزاء التعامل مع الكرد في سوريا وتركيا معا، وربما أراد ذلك لخلق المجال لصعود الكرد المتأهبين للنجاح، ليس فقط عسكريا (في سوريا)، بل سياسياً ومدنياً (في تركيا). أثبت الكرد في تركيا أنّهم إلى جانب امتهانهم القتال، مبدعون في تنظيم أنفسهم في الحياة المدنية وخوض الانتخابات بطريقة أبهرت بالدرجة ذاتها التي أبهر فيها العالم بانتصارات وحدات حماية الشعب على "داعش" وأخواتها.


ليس أمام أردوغان سوى طريقين لا ثالث لهما، إما التحالف مع الكرد لتغيير الدستور وحصول الكرد هناك على حكم ذاتي، أو التحالف مع القوميين الأتراك، وفي الثاني لن يستطيع تغيير الدستور وتثبيت النظام الرئاسي، وحتماً سيعني الامر نهاية عملية السلام مع أوجلان، والدخول مجدداً في حرب مع حزب العمال الكردستاني، ولكن الحكم في تركيا لن يكون مدعوماً هذه المرة بشكل تام من الغرب و"الناتو" اللذين باتا أكثر قرباً من التحالف مع الكرد، منه إلى تركيا وإبقائها حليفاً، وربما ظهر ذلك باكراً في نقل القواعد العسكرية الأميركية من تركيا إلى كردستان العراق.
تشهد تركيا  تغييراً كبيراً بالقدر الذي تتغيّر فيه سوريا أيضا، ولا تدفع سوريا بالفعل دماً ضريبة تغييرها فقط، بل لتغيير تركيا أيضا.


 


العلويون


العلويون في سوريا وتركيا لهم حسابات في بال كلٍّ من أردوغان وأوجلان، وكذلك الأمر في حساب حلفائهم العسكريين في سوريا.
ينقسم الولاء العلوي في تركيا بين حزبين رئيسيين، وهما حزب الشعب الجمهوري الذي يسميّه أردوغان بحزب العلويين، والثاني حزب الشعوب الديمقراطية الموالي للكرد، ولتجاوز عتبة الـ 10% زاد الحزب الكردي من نشاطه في الأوساط العلوية، لا سيما أنّ أكثر من30 % من العلويين يتحدثون الكردية، وأدرج الحزب في قائمته 10 أسماء علوية. لم يغيّر أردوغان من سياسته "سُنّية الهوى" لا بل استمر في إرسال رسائل التهديد والوعيد المبطّنة إلى العلويين في سوريا، كي يفهمها علويو الداخل التركي جيداً، أضف إلى ذلك أنّ حزب الشعب الجمهوري يعتمد بدرجة كبيرة على شعبيته العلوية.


في الطرف الآخر من الحدود في سوريا، انتهج حلفاء كلّ من أردوغان وأوجلان السياسة ذاتها، فوحدات حماية الشعب لم تعادِ العلويين أبداً كطائفة، وهنا يمكن القول بأنّ العلويين في سوريا يتم التعامل معهم على الصعيد الشعبي لا كتمثيل النظام لهم، أقرباء السوريين من العلويين على جانبي الحدود لهم تأثير على آرائهم، وهنا يتذكّر الجميع كيف قامت وحدات حماية الشعب الكردية بعدم السماح لفصائل معارضة سورية باجتياح النبل والزهراء في ريف حلب، مما أدى إلى وصف المعارضة المسلّحة الموالية لأردوغان وحدات حماية الشعب بالتشبيح للنظام، وبعد فترة ليست ببعيدة قامت فصائل مسلحة بالهجوم على منطقة سلمى في ريف اللاذقية محدثة انتهاكات كبيرة ضد المدنيين العلويين. صدى الحالة السورية لها تأثير مباشر في وعي الناخب العلوي في تركيا، مما زاد من عدائه لأردوغان واقترابه أكثر من حزب الشعوب الديمقراطية.



أظهرت النتائج التي أعلنت عنها مفوضية الانتخابات في تركيا أنّ حزب العدالة والتنمية حصل على 40.87% من أصوات الناخبين، فيما تخطى حزب الشعوب الديمقراطي الحاجز الانتخابي (10%)، بحصوله على 13.12% من الأصوات، وحلّ حزب الشعب الجمهوري في المركز الثاني بنسبة 24.95%، وحصل حزب الحركة القومية على 16.29%، فيما حصلت الأحزاب الأخرى والمرشحون المستقلون على 4.77%.
الكتلة العلوية غير الرسمية (حزب الشعوب الديقراطية - حزب الشعب الجمهوري) ستكون على عداء مع أردوغان، والكتلة الكردية في البرلمان أيضاً لن تسمح بتغيير نظام الحكم في تركيا، وإن سمحت فسيكون ذلك إرضاءً للكرد والعلويين، وهذا حتماً سيؤدي إلى النتيجة التي لن يحمد أردوغان عقباها.
أما الخيار الثاني أمام أردوغان فهو التحالف مع القوميين الأتراك من الحركة القومية، وهنا على أردوغان الدخول في حرب مفتوحة مع الكرد إرضاءً للحركة القومية، وربّما إدخال "داعش" عبر حدودها إلى كوباني الكردية السورية، من جملة رسائلها رسالة إلى حركة القوميين الأتراك، فحواها اتباع سياسة الأرض المحروقة، نصف الجيش التركي الآن على الحدود مع إقليم روجافا الكردي السوري، ومجيء وجدي غونول وزيرًا للدفاع مجددًا، قد يكون مقدمة يمكن فهمها على أنّ أردوغان يقرع طبول الحرّب ضد كرد تركيا وسوريا في آن، إلا أنّ قاعدة الإنجرليك لم تعد موجودة في تركيا، فهل تتكلّل سياسة الكرد في تركيا وبندقية الكرد في سوريا بإقليمين كرديين، وهذا أقصى ما كان يتمنّاه الكردي على مدار عقود طويلة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم