الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الماراتون الإغريقي

امين قمورية
A+ A-

أقدم الاغريق وقالوا "لا لـ"ارهاب" الدائنين، لا لمزيد من التقشف، لا للخوف من عصا الرأسمالية العمياء. لا كبيرة زلزلت أوروبا وكسرت فزاعة الخروج من الاورو واعادت للمسار الوطني مكانته وللناس ارادتهم.


اليونان دفعت سلفاً الثمن قهراً وذلاً وتقشفاً وفقراً. خمس سنوات من العيش تحت رحمة الاجراءات التي فرضتها الترويكا لم تصحح الخلل ولم تحسن الاقتصاد ولم تردم الثغرات. كانت عقابية عوض أن تكون اصلاحية، تضاعف الدين عوض ان يتراجع، تقلص الاقتصاد عوض ان ينمو، فقدت الاصول الوطنية ذات القيمة الانتاجية عوض ان تتعزز. كان مطلوبا من اليونانيين الاستمرار في تجرع الاجراءات السامة نفسها من دون أي أمل في الشفاء... فكانت الـ"لا" المدوية التي تتردد اصداؤها اليوم في اسبانيا والبرتغال وايطاليا رفيقة اليونان في المصيبة الاقتصادية.
المواجهة الاولى مع مافيات المصارف الكبرى واباطرة المال انتهى فصلها الاول. لكن الفصل التالي بدأ للتو. الحكومة التي وقفت في وجه أكبر تكتل اقتصادي عالمي بعد الاقتصاد الاميركي، بات مطلوباً منها ان تجترح معجزة اقتصادية تعوض الخسارة المتوقعة للمساعدات الاوروبية. المهمة الصعبة الان هي وضع برنامج اقتصادي وطني جريء يحفز النمو ويستثمر ايجابا القيمة المضافة ويحد من نسبة البطالة المرتفعة. والمهمة الاصعب هي التعامل مع الشرائح والطبقات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة التي خرجت مرهقة من سنوات التقشف العجاف والتزمت "لا" حكومة جبهة "سيريزا". هؤلاء من الصعب اقناعهم بربط الاحزمة على البطون مرة أخرى. اليوم لم تعد معركتهم مع متسلط خارجي يفرض شروطه من عليائه ومن السهل استنفار المشاعر الوطنية ضده، بل صارت مع وطني ارتفع من خارج الصفوف التقليدية الى رأس السلطة لانه وعد الناس بالخلاص من الازمة والناس صدقته. ومن وعد، عليه ان يفي بالوعد... وإلا!
تركيا جار اليونان اللدود، أبلت بلاء حسناً في الاقتصاد من غير ان تكون في فردوس منطقة الاورو ولا الفضاء الاوروبي، فلماذا لايستفيد الاغريق من دروس خصمهم التاريخي؟ صحيح ان انقرة اعتمدت في نموها على راعيها الاميركي الذي لن يفوت الان فرصة المخاض اليوناني لدق اسفين جديد في اقتصاد القارة القديمة... لكن مروحة الحلفاء والاصدقاء الجدد المتاحة لاثينا، واسعة وفي مقدم هؤلاء شركاؤها الاوروبيون في المصيبة نفسها. ولعل وحدة الفقراء القدامى والمفقرين الجدد دولاً وشعوباً في اوروبا وتعاونهم يعيد التوازن المختل الان في القارة لمصلحة الاغنياء ويجعل الاتحاد الاوروبي اكثر انسانية.
الماراتون اليساري اليوناني المقبل شاق وصعب، لان فشله ستترتب عليه سيادة مطلقة لليمين الفاشي أو لمزيد من توحش رأس المال.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم