الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ماذا لو؟

جمانة سلّوم حداد
A+ A-

تشهد إيطاليا، منذ انطلاق موسم الصيف، حملة واسعة ولافتة تقوم على توزيع كتب في الحدائق العامة والشواطئ، في عدد كبير من مدن الاصطياف الجبلية والبحرية، لكي يقرأها المصطافون ومرتادو البحر، على أن يتركوها لسواهم عندما ينتهون منها. الغاية من هذه المبادرة الثقافية إغناء الفترة الصيفية بالقراءة، لكي لا تمضي نهارات المتعطّلين خالية من أي فائدة ثقافية.
لقد أعجبتني هذه الفكرة أيما إعجاب. ذلك أن وجود تلك الكتب في متناول الناس، في أوقات غالباً ما يصرفها أصحابها مستسلمين للكسل والسباحة والاسترخاء والأحاديث العابرة، يمثّل ملجأ معنوياً يهرع اليه هؤلاء، وخصوصاً إذا أرادوا أن يمزجوا التسلية بالجدية، والفراغ بالامتلاء. هي كتب ذات موضوعات واهتمامات متنوعة، تقدم خدمة ثقافية مجانية من دون بدل، لأنها تجلس مع هؤلاء الجلساء، وكلما شعروا بالضجر أو بالحاجة الى شخص أو "شيء" يؤنس وحشتهم ويبعد عنهم وحش الملل، وجدوا في تلك الكتب ما يخفف عنهم وطأة شمس الوحدة التي تلفّ حياتهم وأرواحهم المغلّفة بالوحشة.
قلتُ في نفسي، ماذا لو أن أحدهم عندنا، خطا خطوة كهذه، على شواطئ جونية او خلدة او الرملة البيضا وسواها؟ فماذا كانت لتكون النتيجة؟
الأرجح أن مبادرة كهذه لا بدّ أن تواجَه بالاستهزاء غالباً، وبعدم الاكتراث، وبإطلاق النكات. قلائل سيجدون فيها "ضرباً" من ضروب البحث عن الفائدة الثقافية والمعنوية.
لستُ بالتأكيد من اللواتي والذين يتعمشقون بالزعم الثقافي والأدبي، كيفما كان. بل أحبّ أن أعطي كل شيء وقته. فللتسلية أوقات، وللمعرفة أوقات. لكن مبادرة كهذه، الأكيد أن أصحابها لا يسعون من خلالها الى تسميم التسلية بالجدية المضخمة والمبالَغ فيها، ولا الى الحؤول دون تمضية الوقت على الشاطئ. كلا. إنهم بالأحرى يريدون أن يلوّنوا الوقت ذاك، فلا يذهب بأكمله طعماً للشمس والطبيعة والبحر، بل يكون على غرار مائدة فيها من ألوان الأكل والشراب ما يتلاءم مع أذواق الناس المختلفة.
بودّي لو أستيقظ يوماً لأرى على شاطئ المنطقة حيث أسكن، مقاعد بحرية معدّة للجلوس، وعلى تلك المقاعد ثمة كتب تنتظر مَن يفتح غُلفها ويتصفّح أوراقها، لعله يعثر فيها على فائدة تُذكَر.
كتب تلقي التحية علينا، وهي ليست لتحدي الاسترخاء، ولا لتبكيت أولئك الذين يحبّون تمضية الوقت أحياناً من دون بذل أي جهد فكري. إنها فحسب دعوة الى الاستئناس؛ الى الإحساس بوجود آخر، والى إقامة صداقة تفتح حواراً، يبدأ بكلمة ولا ينتهي بانتهاء الكلمات.


[email protected] / Twitter: @joumana333

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم