الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

بين استطلاعٍ هنا وآخر هناك

المصدر: "النهار"
بقلم زياد بارود
بين استطلاعٍ هنا وآخر هناك
بين استطلاعٍ هنا وآخر هناك
A+ A-

لافتٌ فعلا أن تسلكَ ممارساتُنا الديموقراطية، ولو في زمن التمديد المديد، مسارات استطلاعات الرأي (وربما الاستفتاء يوماً). مستجدٌّ هو إشراكُ الناس على هذا النحو في خياراتٍ عامة غالباً ما لا يُشركون فيها ولا يُسألون إلاّ مرّة كلّ أربع سنوات اقتراعاً، تضاعفت لتصبح ثماني، بغطاء "دستوري" غير ضامنٍ للحقوق والمبدئيات، بل خاضعٍ لاعتبارات أهل السلطة. أما تفاصيل الاستطلاع، فالشياطين فيها كامنة، كالعادة، بين مُعلَنٍ ومُضمَر، بين إقلاعٍ هادرٍ وهبوطٍ إضطراري، بين حقيقةٍ ووهم، بين مندفعٍ ومتحفّظ، بين مراهنٍ على النتيجة ومراهنٍ على الوقت... في أي حال، ليس هدف هذه السطور حسمَ جدلٍ ستحسمه الأيام الآتية وتُظهر المستور من المواقف والحقيقي منها...


إلى سويسرا، حيث استطلاعات الرأي والاستفتاءات... "رياضة وطنية"! ففي "البلد الأكثر سعادة في العالم"، تبدو مشاركة المواطنات والمواطنين في الشؤون العامة هي الأكثر شمولاً في الآليات والموضوعات على السواء. فإلى حق الانتخاب، تحتلّ الاستفتاءات (Referendums) والمبادرات الشعبية (Initiatives populaires) حيّزاً مهماً على الساحة العامة، بالإضافة إلى حق تقديم العرائض. بالأرقام، عرفت سويسرا، بين 1848 وحزيران 2015، ما مجموعه 595 إستفتاءً ومبادرة شعبية (218 إستفتاء إلزامياً، 177 إستفتاء إختيارياً و200 مبادرة شعبية)، قُبل منها 290 وسقط 321. الأهم في كل ذلك أن وسائل المشاركة الشعبية هذه لم تقتصر على خيارات كبرى، فحسب (كانضمام سويسرا إلى منظمة الأمم المتحدة، مثلاً)، بل تعدّتها إلى مسائل تخص الناس في يومياتها وفي تحسين نوعية حياتها. هكذا، مثلاً، صوّت السويسريون في آذار الماضي على "مبادرة شعبية" ترمي إلى استبدال الضريبة على القيمة المضافة بضريبة على الطاقة غير المتجدّدة. مزيجٌ من البيئي والضريبي، صوّت فيه 41,6% من الكتلة الناخبة.
وبالعودة إلى سويسرا الشرق (سابقاً وبمفعول غير رجعي)، وبمعزلٍ عن تأجيل الانتخابات (من الرئاسية إلى الطالبية وما بينها من انتخابات عامة)، يبدو واضحاً أن إشراك الناس في أمور الشأن العام يبقى انتقائياً، موسمياً، ظرفياً، عابراً وأحياناً فولكلورياً، تجميلياً ومن قبيل رفع العتب. لماذا لا نجرؤ على ترجمة مقولة إن الشعب هو مصدر السلطات؟ هل يصدّق أحدنا أن "السلطات" تريد فعلاً لهذا الشعب أن يكون مصدرها؟ هل عجزت فعلاً هذه "السلطات" - المتحدة على اختلافها- عن إنتاج قانون إنتخابي يعدل في التمثيل؟ أم إنها اتفقت، على اختلافها، على تجنّب حكم الشعب بأصواته؟ وهل يسمح مُدَوزنو القانون أن يَعزفَ بغير ألحانهم؟ هو الجمهور، وقد توقّف عن التصفيق، يقول غضبه واستياءه ونفاد صبره. يقوله متمنياً استطلاع رأيه، ويقينه أنه لن يُستطلَع...



يُروى أن مواطناً في إحدى دول المعسكر الشرقي (سابقاً) كان يعارض في فكره، لا في الممارسة، النظام القائم. ومع استحالة البوح به جهاراً، كان يكتفي، لدى عودته إلى المنزل، بإفراغ ما في جعبته من نقمةٍ وغضبٍ وانتقاد. وكان للرجل ببغاء اقتناها منذ زمن، باتت تردّد ما تسمعه من كلام، إلى أن حصل وغادرت الببغاء قفصها ذات يوم وهربت الى خارج المنزل وإنما داخل المعسكر. فما كان من صاحبها إلا أن أعلن في الصحف عن هربها، مسارعاً إلى التأكيد، وقائياً، أنه جاء على خلفية خلاف سياسي عقائدي معه! من سجنه الكبير، سيخرج الرأي العام غير عابئ ببغائه، سواء استُطلع أم لم يُستطلع، ليقول، مردداً مع فؤاد بطرس، متسائلاً: "أليس الخطر كبيراً على الإنسان، عندما لا يعيش كما يفكّر، أن ينتهي به الأمر مفكّراً كما يعيش؟"...

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم