الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

اليونان تستغيث...فمن ينقذها من الافلاس!

المصدر: "النهار"
موريس متى
اليونان تستغيث...فمن ينقذها من الافلاس!
اليونان تستغيث...فمن ينقذها من الافلاس!
A+ A-

مع انتهاء برنامج الإنقاذ المالي الممنوح لليونان، وبعد ساعات من محاولة يونانية أخيرة تكللت بالفشل لمنع التعثر وإنزلاق البلاد في فوضى اقتصادية ومالية كبيرة، وفي خطوة كانت متوقعة الى حد بعيد، فشلت اليونان بالفعل في تسديد ديون إستحقت عليها منتصف ليل الثلثاء – الاربعاء لصندوق النقد الدولي بقيمة 1.7 مليار دولار، لتكون بذلك أول دولة متقدمة صناعية تتعثر عن تسديد هذا النوع من المستحقات للمؤسسة الدولية التي تضم 188 دولة.


ونتيجة هذا التعثر، تحرم اثينا مباشرة من الاستفادة من موارد صندوق النقد الدولية المالية، وستبقى محرومة منها حتى تسديد القسط المترتب عليها. ومنتصف ليل أمس، انتهت صلاحية الجزء الاوروبي من خطة الاتقاذ الدولية التي قدمت الى اليونان ما حرم الدولة الاوروبية من مساعدات وقروض وأموال إنقاذ وأرباح على مردود السندات المترتبة للبنك المركزي الاوروبي بما قيمته حوالى 18 مليار دولار.


تفاصيل الساعات الاخيرة
هذا التعثر سجل رغم المحاولة الاخيرة التي قام بها رئيس الوزارء اليوناني اليكسي تسيبراس تجاه القادة الاوروبيين سعياً الى توفير الموال اللازمة لتغطية المستحقات، عبر طلب حزمة إنقاذ أوروبية جديدة لمدة عامين بقيمة 29.1 مليار أورو. لكن هذا الاقتراح الذي ناقشه وزراء مال منطقة الاورو خلال إجتماع هاتفي، تم الاتفاق على تأجيل البحث فيه مرة جديدة خلال إجتماع يعقد مساء اليوم في بروكسيل، اذ من المتوقع أن تقدم أثينا المزيد من التفاصيل عن ذلك الطلب. وفي هذا السياق، أكد رئيس مجموعة الاورو يورين ديسبلوم الذي ترأس الاجتماع "أن أي إنقاذ جديد لليونان قد يتطلب شروطاً أكثر صرامة مقارنة بتلك التي تم فرضها عليها في السابق".


وفي سياق متصل، يستمر رئيس الوزراء ألكسيس تسيبراس بحث اليونانيين على التصويت بـ"لا"، أي ضد مطالب الدائنين خلال الاستفتاء التي سينظم في اليونان يوم الاحد المقبل، بعد ان رفضت أثينا خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي المنصرم كامل الشروط التي حددتها الجهات الدائنية مقابل حصولها على الدعم المالي والانقاذ الدولي عبر صرف مساعدات مالية لها بقيمة 7.2 مليارات أورو تمكنها من الايفاء بإلتزاماتها. في المقابل، إعتبر عدد كبير من القادة الاوروبيين ان التصويت بـ" لا" سيقرب اليونان خطوات إضافية نحو الخروج من منطقة الاورو، أما التصويت بـ"نعم" فقد يمهد بالفعل الى إعادة إطلاق مفاوضات جديدة حيال خطة الانقاذ الشروط والاصلاحات التي ستواكب عملية صرف الاموال التي تحتاجها الدولة الاوروبية.


وقبل ساعات من إنطلاق إجتماع وزارء مال الاورو للبحث بالمقترحات اليونانية الجديدة، طلبت أثينا من مجموعة الاورو ابرام اتفاق لمدة سنتين مع آلية الاستقرار الاوروبية، صندوق الدعم لمنطقة الاورو، ما قد يسمح لها بتغطية مستحقاتها التي تقارب قيمتها حوالى 30 مليار اورو بالاضافة الى إعادة هيكلة ديونها التي تقارب 30 مليار اورو، مع اعادة هيكلة دينها العام. وقد أشارت سلسلة تقارير صحفية أن تسيبراس أبلغ الدائنين الدوليين، اي صندوق النقد الدولي، والبنك المركزي الاوروبي والاتحاد الاوروبي نيتة بلاده الموافقة على كل الشروط التي عرضها الدائنون خلال المفاوضات الأخيرة مع إدخال عدد قليل من التعديلات عليها. والاقتراحات التي ربطتها اليونان مباشرة بقرار الدائنين صرف شريحة جديدة من المساعدات المالية بقيمة 29.1 مليار أورو، تتضمن تعديل بضرائب القيمة المضافة مفيما يخض الجزر اليونانية. اما الإصلاحات المتعلقة بمعاشات التقاعد، فأشارت التعديدلات التي تقدمت بها أثينا الى وجوب تأجيل التغيير المطلوب في سن التقاعد إلى 67 عاماً بحلول سنة 2022 ليبدأ في شهر تشرين الأول المقبل وليس حالياً.


كما كشفت بعض المصادر المتابعة للملف عن ان اليونان المحت حتى الى امكان تعليق تنظيم الاستفتاء يوم الاحد المقبل في حال استئناف المفاوضات مع الاتحاد الاوروبي، وموافقة الجهات الدائنة على خطة المساعدة المالية الثالثة عبر آلية الاستقرار الاوروبية والمقتراحات التي تقدمت بها في الساعات الماضية، الامر الذي ما زالت حتى هذه اللحظات ترفضه بشدة ألمانيا التي أكدت مستشارتها انغيلا ميركل اغلاق باب المناقشات مع اليونان بإنتظار نتائج الاستفتاء. بدورها، حذرت المعارضة اليونانية المحافظة من أن الاستفتاء على بنود حزمة الإنقاذ سيكون استفتاء على مستقبل اليونان في أوروبا، مؤكدا ان الاجور والرواتب ستكون في خطر في حال صوت اليونانيون بـ"لا"، هذا وتظاهر أكثر من 20 الف شخص في العاصمة أثينا تاييداً للبقاء في الاورو وللإصلاحات الاتي تطالب بها الجهات الدائنة".


مقاضاة المركزي الاوروبي
وهدد اليونان بمقاضاة مؤسسات الاتحاد الاوروبي في محاكم العدل الاوروبية لمنع طردها من منطقة العملة الاوروبية الموحدة الاورو وانقاذ نظامها المصرفي، بحسب ما جاء على لسان وزير ماليتها يانيس فاروفاكيس، الذي قال: "معاهدات الاتحاد لا تتضمن بندًا بشأن الخروج من الاورو ونحن نرفض الخروج وعضويتنا ليست قابلة للتفاوض". واللجوء الى خطوة كهذه بهدف إصدار قرار ضد مؤسسات الاتحاد الاوروبي يعتبر سابقة من شأنها أن تزيد من حدة الأزمة، في الوقت الذي تحدثت فيه بالفعل بعض المعلومات عن دراسة تقوم بها الجهات اليونانية بهدف الادعاء على البنك المركزي الاوروبي لتجميده سيولة خاصة بالمصارف اليونانية تصل قيمتها الاجمالية الى 89 مليار اورو، وبعد أن رفض المصرف طلبا يونانيا برفع سقف هذا السقف بقيمة 6 مليارات اورو للمساهمة بتغطية السحوبات الكبيرة التي تمت من المصارف اليونانية، الامر الذي اعتبرته اثينا خرقا للواجبات القانونية التي تقع على المركزي الاوروبي بالحفاظ على الاستقرار المالي للدول الاعضاء.


واليوم الانظار تتجه الى الاستفتاء الذي سينفذ يوم الاحد المقبل، ولكن ايضا تتجه نحو اجتماع اعضاء مجلس البنك المركزي الاوروبي الذي سيبحث في وضع النظام المصرفي اليوناني، ومسألة الابقاء على خط قروض طارئة لهذه المصارف التي تعول عليها من أجل ان تستمر ماليا بعدما باتت البلاد محرومة من تدفق اموال صندوق النقد الدولي والاتحاد الاوروبي والبنك المركزي الاوروبي. ولإجتزاء جزء من تداعيات هذه الازمة، قامت الحكومة اليونانية بتفعيل بند استثنائي من نظام صندوق النقد الدولي يسمح لها بالحصول على تأجيل لاستحقاقها تجاه المؤسسة المالية الدولية التي قامت بدورها بالنظر بالطلب اليوناني للبت فيه خلال الايام القليلة المقبلة. وعلى صعيد متصل، خفضت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني تصنيف الديون السيادية للسندات اليونانية درجة واحدة من "CCC" إلى "CC"اي إلى درجة أدنى بنطاق "الخردة"، في خطوة لم تكن مقررة. وإعتبرت إن مخاطر تعثر أثينا في سداد ديونها للقطاع الخاص أصبحت مرتفعة، مشيرة الى وجود نسبة 50% لخروج اليونان من الاورو. وبدورها خفضت وكالة "فيتش" التصنيف الائتماني للديون السيادية اليونانية إلى النطاق الخردة، او غير القابل للإستثمار.


في حال الافلاس
وفي حال إعتربت اليونان دولة عاجزة عن تسديد الديون المستحقة عليها، ما يعني انه "الافلاس، فهذا الامر يشكل سلسلة تداعيات عليها وعلى مقرضيها. وبالنسبة لليونان، هذا الامر قد يدفعها للخروج من مظلة آلية الإنقاذ الأوروبي، وبالتالي لن تتمكن من الاستفادة بعد اليوم من أية قروض تقدمها الأسواق المالية، وهذا حكما سيمنعها من الالتزام بتسديد قسط يستحق عليها في الأول 20 تموز لمصلحة صندوق النقد وتبلغ قيمته 5.3 مليارات اورو من أصل دين كامل يقدر بحوالى 21 مليار اورو، ودفعة تستحق في الأول من اَب وتبلغ قيمتها 284 مليون اورو، بالاضافة الى قسط ثالث لمصلحة البنك المركزي الاوروبي ويستحق يوم 20 آب بقيمة تبلغ 3.2 مليارات اورو. ومع الاعلان عن الافلاس، تتوقف حكما كل برامج الانقاذ والمساعدات الدولية التي تستفيد منها الدولة، وبالتالي تتوقف المصارف اليونانية عن الحصول على القروض من البنك المركزي الأوروبي، وهذا ما قد ينذر بإنهيار القطاع المصرفي بعد تهافت المودعين على سحب أموالهم من هذه المصارف. مع الاشارة الى انه ومن تشرين الاول 2014 تم سحب أكثر من 30 مليار اورو من المصارف اليونانية أي أكثر من 20% من إجمالي الودائع، ما أجبر الحكومة على إتخاذ قرار بوضع سقف عند 60 اورو للسحوبات اليومية من اجهزة الصراف الآلي، بالاضافة الى فرض حظر على التحويلات المالية إلى الخارج، مع إتخاذها قرار إغلاق المصارف حتى يوم الاثنين المقبل. وبالطبع، مع إعلان الافلاس، قد تجد اليونان نفسها مجبرة على الخروج من منطقة الاورو، نتيجة الضغوط الداخلية والخارجية التي ستتعرض اليها الحكومة، وصولا الى إمكان إتخاذ السلطات النقدية قرار بإصدار عملة جديدة مكان الاورو أو حتى العودة الى "الدراغما". مع الاشارة الى ان مغادرة اليونان الاتحاد الاوروبي يعني حكما مغادرتها منطقة العملة الاوروبية الموحدة، وهكذا خطة سيكون لها تداعيات ايضا على النظام المالي العالمي، رغم تأكيد الرئيس الامريكي باراك اوباما ان الازمة الحالية في اليونان ينبغي ألا تثير "ردود أفعال مبالغا فيها" في الولايات المتحدة ولن تحدث صدمة كبيرة للنظام المالي الاميركي. بدورها ، طمأنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن مستقبل أوروبا "ليس على المحك" بسبب الازمة اليونان. ولكن، أي إعلان لليونان عن إفلاسها سيؤدي حكما لتدهورا قيمة الديون المستحقة للغير، وأبرزهم البنك المركزي الأوروبي ودول مؤثرة في مجموعة الاورو، مثل ألمانيا وفرنسا، وما قد ينعكس سلبا على العديد من المؤسسات والمصارف العالمية، بالاضافة الى امكان إنتقال إرتدادات هذه الازمة الى دول أوروبية ما زالت حتى اليوم تعاني من تداعيات الازمة العالمية. وبإختصار، ورغم التطمينات التي قدمها المسؤولون عن السياسية النقدية الاوروبية وتأكيدهم ان أي تطور دراماتيكي في اليونان سيكون تحت السيطرة وستستوعبه آلية الاستقرار الاوروبية.


الديون اليونانية
تشير الارقام الرسمية الى ان حجم الديون الحكومية اليونانية تصل الى حوالى 313 مليار اورو، تضاف اليها ديون للمصارف والشركات اليونانية بقيمة إجمالية تقارب 500 مليار دولار. وبالنسبة الى توزيع هذه الديون، تعتبر المفوضية الاوروبية أكبر دائني اليونان وطبعا على ما يُعرف بآلية الاستقرار المالي الأوروبية، اذ يصل حجم الديون اليونانية تجاهها الى حوالى 131 مليار اورو ، ثم ما يحمله الاتحاد الاوروبي من ديون على الدولة الاوروبية وتقدر بحوالى 53 ملياراً، فيما تصل حصة صندوق النقد الدولي من الديون اليونانية الى قرب 20 ملياراً. والى هذه الديون، تضاف قيمة السندات الحكومية اليونانية، والسندات المستحقة تجاه البنك المركزي الأوروبي( البنك المركزي الأوروبي يحمل 18 مليار اورو من السندات اليونانية، منها 6.7 مليارات اورو تستحق في تموز وآب المقبلين)، وعدد من المصارف الأوروبية وقيمتها الاجمالية حوالى 30 مليار اورو، مع اضافة ما يقارب 40 مليار اورو على شكل مستحقات ديون لمصلحة عدد من المستثمرين الاجانب.


ويبقى السؤال حول مصير، ليس فقط اليونان في الفترة المقبلة، ولكن مصير كل دول الاتحاد الاوروبي ومنطقة الاورو في حال خرجت هذه الدولة من التكتل وكرت معها سبحة الدول التي ما زالت تكافح يوميا للصمود وعدم الانهيار، وحول ما تبقى للإتحاد الاوروبي من آليات وركائز يمكن الاتكال عليها لمنع إنتشار الفوضى وضرب هذه العدوى النظام المالي والمصرفي الدولي، ما يشرع الابواب امام ازمة مالية عالمية جديدة.


[email protected]
Twitter : @mauricematta

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم