الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

عن أزمةٍ عندنا... فينا!

المصدر: "النهار"
بقلم زياد بارود
عن أزمةٍ عندنا... فينا!
عن أزمةٍ عندنا... فينا!
A+ A-

منذ مدّة، أخذني سياسيٌّ صديق (وهو ينتمي إلى القلّة التي لا تزال تقرأ، وهو ناهم كتب) إلى شعر هشام الجخّ، وله قصيدة بعنوان "التأشيرة". في قصيدته، يكتب الشاعر المصري الشاب:


"تُقاتلُنا طفولتُنا
وأفكارٌ تعلّمنا مبادئها على يدِكم أيا حكّامَ أمّتنا
ألستم من نشأنا في مدارسكم
تعلّمنا مبادئكم
ألستم من تعلّمنا على يدكم بأن العودَ محميٌّ بحزمته ضعيفٌ حين ينفردُ؟
لماذا الفرقةُ الحمقاءُ تقتلنا؟"


تقاتلنا طفولتنا فعلا... يُقاتلنا شبابنا وشيبُنا... ونقاتلُ طواحين الهواء دونكيشوتيّا... نُقاتل ونتقاتل فيما بيننا فيما أسوار المدينة تُدكُّ يوميًّا في واحدةٍ من أخطر اهتزازت المنطقة وتاريخها وجغرافيتها. نبحث في فصول الكتاب ونتقاتل حولها، والكتاب في مهبّ العواصف المحيطة تتطاير أوراقه والفصول. فصولٌ من عجب في زمنٍ لم يبقَ فيه للربيعِ مطرحٌ. إسألوا الناس عن غدهم، يبتسمون ساخرين. إسألوهم عن طموح شبابهم يجيبون متعجّبين. إسألوهم عن الآتي من أيامهم يعجبون للسؤال! في زمن الأسئلة المحالة إلى الحدّ الأدنى، سؤالٌ جوهريٌّ في أحوالنا: هل العودُ محميٌّ فعلاً في حزمته؟ أم إنه ينفرد ضعيفًا مكسورًا خارج الحزمة وخارج الاتحاد وخارج الوحدة وخارج المصيبة التي تجمع؟ هل من حالٍ أسوأ من حالِ دولتنا المفكّكةِ أوصالُها (والتعبير للنائب الدكتور فريد الخازن)، العصيّة على دورية الانتخاب، الفاقدة لرأسها ولِوَعيها ولاتّزانها؟ هل من حالٍ أفظعُ من خطرٍ داهمٍ عند حدود بلادنا، بل كرامتنا، والداخلُ يتخبّط في نزوحٍ إليه، تنوءُ به إمكاناته؟ هل من حالٍ أدقع من اقتصادِ مجتمعٍ منتجٍ مأزومٍ بجناحيه؟ هل ثمّة عائلة لبنانية واحدة لم تعرف الهجرة؟ والأهم الأهم، هل ثمّة مجموعة لبنانية واحدة، حزبية او مناطقية أو طائفية أو ما شئتم من توصيفات الانقسام، هي بمنأى عن كل ما تقدّم؟ إن الجواب البديهيّ بالنفي لا ينسحب إيجابًا في الإجماع الوطني. وإذا كان من غير المأمول ولا المطلوب أن يُجمِعَ اللبنانيون واللبنانيات على كل أمورهم، حتى لا يستحيلَ الإجماعُ رتابةً وانسحاقًا، إلاّ أن الأغربَ يبقى ألاّ تجمعَهم سلّةُ المخاطرِ المشتركة وحالةُ التفكّك المدّدة وتداعيات هذه وتلك على يومياتهم وغدهم وجيوبهم ومصالحهم. الأغرب أن يكون شعبٌ لبنانيٌ مقاومٌ في دمه، مبادرٌ في جيناته، منفتحٌ في عقله، مقدامٌ في قلبه، غيرَ قادر على الالتقاء حول كلمةٍ سواء متى انهمر الخطر على رؤوس مكوّناته مجتمعةً، على تفكّكها!


ليس أجمل من التنوّع سياسةً وثقافةً وموقفاً وليس أبشع من الانقسام مصيراً وخطراً واستراتيجةً. قد يختلف فريقا الإنتاج حول سلسلةٍ... من الأمور. قد يتخاصمون حتى التخوين المتبادل مع نعوتٍ لا تنتمي إلى بني آدم وصفًا. وقد يختلف أهل السياسة على موقعٍ أو جبنةٍ أو ما تبقّى منهما، ويكيلون ما توفّر في الجعبة من شتائم. لكنّ المواطنين ينتظرون من كلّ هؤلاء وقفةً مسؤولةً أمام أبواق الخراب الآتي صراخها. عندما تسقط المدينة، لا يعود مهمّا ما داخل أسوارها من ثروات ولا يعود مهمّا من حَكَمَها أو حاول يومًا. عندما تسقط المدينة، لن يعودَ ينفع أيّ شيء. هذه هي الأزمة عندنا اليوم... وهي فينا!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم