الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

اللقاءات الطائفية والبحث في الدستور

المصدر: "النهار"
حسـن مرعـبي-نقيب المحامين السابق في الشمال
اللقاءات الطائفية والبحث في الدستور
اللقاءات الطائفية والبحث في الدستور
A+ A-

إن اللقاءات ذات الطابع الطائفي أو المذهبي تُسيء إلى لبنان سواء أكانت مسيحية أم إسلامية ، إلاَّ إذا إتَّسمتْ بمنحى فكري أو وطني. وبدل تلك اللقاءآت أليس الأجدى أن تكون وطنية جامعة للتشاور والتفاهم من أجل الحفاظ على وجود الوطن وحمايته وبقائه ؟


ومن ثمَّ هل يجوز البحث في مثل تلك اللقاءآت بالدستور والنصاب اللازم لإنتخاب رئيس الجمهورية ؟ وأين أصبح إختصاص المجلس النيابي ! ؟ وبالمناسبة سندلي بِدَلْوِنا في مسألة النصاب فنقول إن المادة /49/ من الدستور حدَّدت النصاب بالثلثين من أعضاء المجلس النيابي حيث ورد : " يُنتخب رئيس الجمهورية بالإقتراع السرّي بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، وَيُكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الإقتراع التي تلي ". أي الغالبية المطلقة للإقتراع وليس للنصاب، علماً أن الجملة لم تَنْته عند عبارة " في الدورة الأولى " بَلْ تمَّ عطفها على عبارة "ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الإقتراع التي تلي"، وهنا إنتهت الجملة المفيدة. والواقع الواضح الثابت أنَّه لا يمكن إفتتاح الجلسات وإنعقادها بدون توفُّر نصاب الثلثين. وبالتبسيط يُمكن القول إنَّ هناك نصاب حضور لا تُفتتح الجلسات وتنعقد بدونه وهو الثلثان، ونصاب إقتراع يفوز فيه مَنْ ينال الأكثرية المطلقة من الثلثين. والقول بغير ذلك خرق سافر للدستور. أمَّا القول بأن النصاب في الدورات التالية للأولى هو النصف زائد واحد فهو بدعة مخالفة للدستور من أجل مصالح مُعينة أو غايات أخرى حيث يُمكن لكتلة نيابية واحدة أن تنفرد بإنتخاب الرئيس رغماً عن سائر الكتل والنواب وخلافاً لإرادة الشعب ومصلحة الوطن والإستقرار .
ويُصبح الرئيس تابعاً لتلك الكتلة ولم يَعُدْ لا رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن "!


من هنا نقول إذا كان النصاب الإفتراضي في الدورات التالية للأولى النصف زائد واحد ، يكون النصاب في مجلس النواب الحالي /65/ نائباً ، وبالتالي يفوز من ينال /33/ صوتاً ، فهل يبقى الرئيس لكل لبنان أم لهذه الكتلة أو لهذا العدد؟ وإذا ترشح أكثر من إثنين يتدنَّى الفوز إلى حدود العشرين صوتاً! فهل يُراد لرئيس البلاد وللوطن الوقوع في مثل هذه الحالة ؟
لاشك أن هذا إستخفاف بمقام الرئاسة لا يجوز، وعدم إكتراث بالشعب والوطن والمؤسسات. وعلى هامش البحث، لا بدَّ من القول إن القلق والخوف ليس على موقع مسيحي أو إسلامي بَلْ على زوال الوطن أو تفتيته، والخطر يحيق بنا من كل الجهات ولا سيما من التنظيمات الإرهابية ومن الإستعمار القديم والجديد ومن العدو الصهيوني وسائر القوى الغاشمة التي تُريد شراًّ بلبنان. دون أن ننسى مُخطَّطات إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط مِنْ قبل " سيئة الذكر " التي كانت تريد ترحيل المسيحيين من لبنان، لأن " سايكس _بيكو " لم تَعُد ملائمة. وعليه لا مَفَرَّ من نَبْذِ الإختلافات بين بعضنا
البعض، كلبنانيين ، والتقاتل على المصالح والكراسي والمغانم والتبعية للقوى الإقليمية والدولية .
فَلْنتَّفق على العيش الواحد أو المشترك ( لمن يخاف الواحد ) ، و " الإنصهار الوطني " وهذه العبارة واردة في الدستور، وَلْنُطبِّق هذا الأخير بجميع مواده وبنوده وكل الإصلاحات السياسية التي نصَّ عليها، بالطرق الدستورية وليس في اللقاءآت والقمم والشارع ، والتي تشمل أكثر بكثير من مجموع ما ورد في " البرامج " و " الإعلانات " و " المبادرات " و" المذكرات " .
ونعود وَنُلحُّ على ضرورة ووجوب إنتخاب رئيس الجمهورية، مع علمنا بِمَنْ يُعطِّل في الداخل والخارج، وَلْنعدِّل ما يستوجب التعديل في الدستور وعلى الأخص بالنسبة لتحديد مهلة مُلْزمة للنواب لإنتخاب الرئيس وإلغاء المادة /62/ من الدستور التي تنيط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء لأننا في نظام طائفي مذهبي لا ثقة لمكوِّنات الوطن ببعضهم البعض .
علماً أنه لا مخالفة دستورية في ظل المادة /62/ في عدم إنتخاب الرئيس، ولكن مخالفة وطنية وأخلاقية . فَلْنتعاون لِدَرْءِ الأخطار من أي جهة أتت حتى لا نكون كالأطفال الذين عناهم " تولستوي " بقوله : " إننا كالأطفال نَفُكُّ أجزاء الساعة ونجعلها لعبة ثم نُدْهَشُ بعدها لأن الساعة لا تدور " . وأخيراً فَلْنُقْلِع عمَّا يثير الفتن والإستفزاز والإنقسام الذي يسيء إلى الوطن قبل الأشخاص ، من مثل الإستفتاء ونحن في نظام جمهوري لا رئاسي، أو الإنتخاب من الشعب على دورتين إحياءً للسيء الذكر المشروع " الأرثوذكسي " وهذا يسيء إلى المطالبين به وكلها تخرق أحكام الدستور . أو مثل الرئيس القوي بَدَلَ الوطن القوي والدولة القوية العادلة وكأننا في حلبة مصارعة أو ملاكمة. ونُذكِّر بموقف " نابليون بونابرت " بعد إحتلاله مدينة " فيمار " الألمانية وذهابه لزيارة شاعر ألمانيا الكبير " غوتيه " منحنياً أمامه تهيباً فأنهضه الشاعر . وفي ذلك كتب " نابليون " الإمبراطور القوي الجبار الغازي المستعمر ، ما يفوق ويعلو على القوة والجبروت : " إنَّ قصيدةً واحدةً تَتَوهَّجُ فيها عناصر الجمال والإنسانية والرحمة والمحبة يُبْدِعُها شاعرٌ حق فَتَدْخُلُ القلوبَ ووجدانَ الأمَّة وتذكي الإحساس بإحترام الحياة والأحياءِ أنْفَعُ لِفرنسا ألف مرَّة من جميع فتوحاتي ". هنا تكمن قوة " نابليون " الحقيقية بالعقل والحكمة والإنسانية والمحبة، كما تكمن قوته وعظمته بالقانون المدني الفرنسي المسمَّى بإسمه " Code Napoléon "، وليس بالبطش والإحتلال والغزو .


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم