السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

هَشاشة "سايكس بيكو" وأقفال أردوغان

المصدر: "النهار"
براء صبري- صحافي كردي سوري
هَشاشة "سايكس بيكو" وأقفال أردوغان
هَشاشة "سايكس بيكو" وأقفال أردوغان
A+ A-

بُعيد هجوم "داعش" الوحشي على منطقة سنجار التابعة لإقليم كردستان العراق، دخل العشرات من المقاتلين الكرد السوريين المنضوين تحت لواء وحدات حماية الشعب للمساعدة في الدفاع ولإجلاء المدنيين المحاصرين في الهضاب، وذلك بالتوازي مع وصول تشكيلات من مقاتلي حزب العمال الكردستاني، التي تضم مقاتلين من اجزاء كردستان الأربعة الى الإقليم المذكور، للمشاركة ايضاً في الدفاع. ولم تكتمل أصداء هذا الدخول واجتياز حدود الدولتين السورية والعراقية حسب العهد الدولي، حتى كانت زمجرة العربات العسكرية لقوات البيشمركة تنطلق من قواعدها في إقليم كردستان العراق، للذهاب الى مدينة كوباني (عين العرب) لمساعدة التشكيلات المتواجدة في سنجار وكركوك وغيرها في الدفاع عن المدينة أمام هجوم "داعشي" كاسح آخر، مروراً بالمناطق الكردية في تركيا ومصحوبة بضجيج الأهالي الفرحين بالأحداث التاريخية الفريدة على جنبات الحدود رغم سوداويتها.


 


تعتبر تلك التحرّكات الحديثة والكبيرة في المنطقة، والتي تجاوزت مفاهيم قرن كامل من الحدود بالنسبة للوزن الكردي المُفترض أن يكون قد أصبح ضعيفًا ومهمّشًا بعد سني الاضطهاد والتشتت في الدول التي عاشوا فيها، وبمثابة انقلاب سياسي وذهني لا نظير له لصالح القضية الكردية الشاملة. فهذه التجاوزات لم تكن الا دليلاً على مدى هَشاشة اتّفاقيّات السيدين مارك سايكس وجورج بيكو، ولم تترسخ وضوح تلك الهشاشة الا بالفعاليات المجتمعية المصاحبة في الجوارات الكردية لتلك الأحداث. فمن سياسيين يجتازون الحدود بين تركيا وسوريا للمساعدة معنوياً وإعلامياً وآخرون يحتفلون بالانتصارات الكردية في المدن والجامعات الإيرانية وفي ظل نظام قمعي، وما زاد من تلك الحقيقة وضوحاً ما حدث من تفاعل ومتابعة لأكراد البقاع الأخرى للانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة، والتي من المفترض انها شأن داخلي لدولة مجاورة. غير ان هياج صفحات التواصل الاجتماعي وفيض حبر الأقلام الداعم لحزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) وبخاصة في كردستان سوريا، كانا عنوانًا واضحًا لمرحلة لم تعد تعطي للفواصل صفة واعتبارًا، ولم تعد للقواطع السياسية فاعلية. فعلى الرغم من كل هذه الأهوال المعاشة في سوريا مثلاً، كانت أصوات الزغاريد تعلو في مدنها الكردية بُعيد إعلان نتائج تلك الانتخابات، والتي اعتبرت انتصارًا تاريخيًّا للحزب المذكور في طلاق بائن مع الذاكرة القطعية بين الأشقاء، والتي تشكلت بفعل العوامل الخارجية وغير القليلة والمتواترة لعقود.



لم يفد وريث أحد رجالات الذاكرة القطعية تلك السيد رجب طيب أردوغان استخدامه لآخر الخيارات المتوفرة لديه في تعزيز تلك الفواصل والتمسك بتنضيدها وتحديثها، وذلك بإقفال المعابر الحدودية مع المناطق الكردية السورية والمنتشرة بكثرة بين تلك المناطق المعزولة أساساً منذ بداية الحرب السورية، والدولة التي يتزعمها والمفترض دعمها للشعب السوري بالإضافة الى تشدده في منع اي تسلل للراغبين بالوصول الى تركيا من المدنيين، للخلاص من واقع الحال، وما حوادث الضرب العنيف على مدنيي تلك الأنحاء، والتي وصلت الى حد القتل أحياناً الا دليل على ذلك الإرث، والتي تفسر كردياً سورياً على انها عقاب على الهوية القومية المتمايزة، في حين تحدّث أحدهم في الصحافة الإيرانية بلغة الناقد للتصرّف التركي معللاً تلك الإجراءات بالخوف من التمازج بين الأكراد على جانبي الحدود، وتزايد التقارب والوعي المتناسق المنحى في عملية تشبه مراجعات فكرية مجتمعية لإحياء خط قومي واحد دون اهتزازات وثقوب يفرضها واقع الفرقة، مما يؤثّر على الاستفاقة القومية لدى أكراد تركيا، وبالتالي يزيد الخطر على هيكل الدولة التي تضمهم، والتي فيما يبدو من لغة المقال ان صاحبه كان يدرك ويرتاب من التسريب التوافقي المتسارع الوتيرة للاكراد في تركيا رغم انتقاده المعلن والتي لن تعرف التوقف فيما يبدو لتتجاوز أسوار البلد الذي صدر منه المقال ايضاً.



ذلك الإقفال الذي في واقع الحال لم يفد أصحابه في شيء سوى زيادة الاستقطاب الاجتماعي والاستنكاف الحقيقي عن الحلول السياسية والتباعد الذهنوي المجتمعي، فتلك الانتخابات ومترافقاتها عرّت الواقع وأكّدت بما لا يقبل شكًّا بأن زيادة الأقفال على الأبواب القديمة للمحافظة على ما تبقى من هياكل لسجون السيدين "مارك سايكس" و"جورج بيكو" المظلمة مغلقة على الكثير من شعوب المنطقة الشرق أوسطية، وازدادت وزناً ما سيسارع من وتيرة سقوط تلك الأبواب مع أطرها المثبتة بمسامير غربيّة صدئة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم