
تشير الوثائق الاسرائيلية الى أن ديفيد بن غوريون وموشيه شاريت وبنحاس لافون وموشيه دايان خططوا سنة 1954 لإنشاء دولة مارونية في لبنان، ودولة كردية في كردستان. وتبيَّن من مضمون المراسلات التي جرت بين مؤسسي اسرائيل الأربعة أنهم إتفقوا على تعميم نموذج الدول الطائفية والعنصرية في المنطقة بحيث لا تبقى دولة اليهود كياناً إستثنائياً.
بعد حرب 1948، وحصول اسرائيل على إعترافات الدول الكبرى، مارس ديفيد بن غوريون "سياسة قفز فوق الحواجز"، أدت الى إقامة علاقات متينة مع ايران وتركيا واثيوبيا. واعتُبِرَت تلك النقلة الجديدة بمثابة إلتفاف على مقاطعة الدول العربية.
مطلع الستينات، وجدت اسرائيل في عزلة الأكراد وحرمانهم من وطن قومي يجمعهم، بتحريض من كمال اتاتورك، سبباً لاقناع الملا مصطفى البارزاني بضرورة إنشاء كيان مستقل.
وبدأت الاتصالات سنة 1962 بين نائب وزير الدفاع الاسرائيلي شمعون بيريس وممثل البارزاني كمران علي بدرخان. وكان ذلك أثناء إنعقاد مؤتمر الاشتراكية الدولية في جنيف.
ودشن تلك العلاقات ديفيد كيمحي يرافقه وفد عسكري رفيع المستوى. ثم تبعه رئيس الحكومة ليفي اشكول، ووزير الخارجية ابا ايبان.
أما وزير المال ارييه إلياف فقد إصطحب معه وفداً من الأطباء قدَّم للأكراد مستشفى ميدانياً متطوراً كهدية لمقاتلي الملا مصطفى.
في أيلول 1963، زار الزعيم البارزاني تل أبيب حيث إجتمع برئيس الحكومة اشكول ووزير الخارجية ايبان ووزير الدفاع موشيه دايان ومناحيم بيغن وغولدا مائير.
ثم قام بزيارة ثانية سنة 1973 دون أن يحقق الهدف المطلوب لأسباب تتعلق بموقف شاه ايران الذي أدار ظهره لهذه القضية، وحرم الأكراد من النقل اللوجستي عبر بلاده.
بعد سقوط نظام صدّام حسين (2003) تجددت آمال الأكراد، وقام الزعيمان جلال طالباني ومسعود البارزاني بزيارة ودية لبغداد. وكانت الغاية من وراء تلك المحاولة إحياء الحقوق القومية للأكراد ضمن نظام ديموقراطي فيديرالي.
ومع أن الحكومة المركزية ترددت في تطبيق إستقلال شمال العراق أو الاعتراف بحكومته وبرلمانه وجيشه وعلمه ونشيده القومي... إلا أن الواقع يشير الى إحتمال قيام دولة كردية من دون تفتيت الكيان العراقي.
وأبلغ الأدلة جاء بعد سيطرة المقاتلين الأكراد هذا الأسبوع على مدينة "تل أبيض" الاستراتيجية على الحدود مع تركيا.
وقال المراسلون إنه بعد مضي خمسة أيام من الهجمات، المدعومة بغارات التحالف الدولي، تمكن البيشمركيون من فرض سلطتهم على أهم مدينة في محافظة الرقة.
وكان تنظيم "الدولة الاسلامية" قد إستولى على كامل محافظة الرقة. ولكنه خسر في الأشهر الأخيرة أكثر من خمسين بلدة وقرية لمصلحة الأكراد. وربما تكون هذه الخسارة موازية لخسارة مدينة كوباني (عين العرب).
ويثير تقدم الأكراد في الجانب السوري من الحدود مخاوف تركيا التي تخشى أن يبادر أكراد سوريا الى تأسيس إقليم مستقل على غرار أكراد العراق.
ويتردد في الأندية السياسية التابعة للأمم المتحدة أن التقدم الذي يحرزه الأكراد ناتج عن وجود أجواء إيجابية لدى الدول الكبرى التي منعت في السابق تطبيق "إتفاقية سيفر" التي نصَّت على إقامة دولة كردية مستقلة سنة 1920. ثم جاءت إتفاقية لوزان بعد ثلاث سنوات لتلغي بنود "إتفاقية سيفر"، الأمر الذي نتج عنه توزيع الأكراد على أربع دول هي تركيا والعراق وسوريا وايران.
والثابت هو أن شركات النفط الاميركية المتعهدة مشاريع التنقيب عن النفط والغاز في كردستان هي صاحبة الدور المؤثر في خلق جو دولي مواتٍ لتأسيس دولة كردية. ومن المؤكد أن تفكيك العراق وسوريا سيساعد على تحقيق هذه الخطوة المتأخرة 95 سنة.
على الجبهة السورية، تعرَّض دروز محافظة إدلب الأسبوع الماضي لاعتداء مسلح ذهب ضحيته أكثر من عشرين شخصاً من طائفة الموحدين. وإتُهِمَت "جبهة النصرة" و"حركة أحرار الشام الاسلامية" بافتعال الحادث لمصلحة جهة مجهولة. خصوصاً أن الدروز الذين يشكلون ما نسبته ثلاثة في المئة من مجموع الشعب السوري (23 مليون نسمة)... إختاروا الوقوف على الحياد.
ردود فعل زعماء الدروز في لبنان كانت ميّالة الى التهدئة والابتعاد عن مواقف الاستفزاز والتشنج، مع الحرص على التنبيه الى إحتمال إستغلال اسرائيل للحادث. لذلك حذر رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي"، النائب وليد جنبلاط، من مخاطر الأصوات المشبوهة التي تخرج من الادارة الاسرائيلية أو من عملائها الذين يطمحون الى شق دروز سوريا.
تؤكد مصادر رسمية في اسرائيل أن النظام السوري لم يعد قادراً على ضبط وحدة النظام بسبب التفكك الديموغرافي الذي طال كل المحافظات تقريباً.
ورداً على سؤال حول ما هو المطلوب من "دولة اليهود" إذا إستمرت الحرب الأهلية في سوريا... كتب المعلق يوسي ميلمان يقول: إن عملية غزو لبنان سنة 1982 فشلت في إنشاء دولتين جديدتَيْن... دولة درزية في الشوف، ودولة مارونية في محاذاتها. وكان لسوريا في حينه الدور الأكبر في افشال مخطط شارون المستوحى من مشروع بن غوريون وشاريت ولافون ودايان. علماً أن القوات الاسرائيلية وزعت على المواطنين أكثر من نصف مليون نسخة من الكتيب الذي يضم كل مقومات الدولة الدرزية بحدودها الجغرافية الواضحة. كذلك تولى الرئيس بشير الجميّل رسم خريطة الدولة المسيحية (المارونية) والعمل على تحقيقها من موقع سلطة الرئاسة. ولكن واشنطن قررت فجأة رفع غطاء الحماية عن بشيرالجميّل بعدما هددت موسكو بعملية إنزال عسكري واسعة في سوريا لمنع تنفيذ المشروع الاسرائيلي. وهكذا إنسحبت القوات الاسرائيلية من الشوف في منتصف أيلول 1983، تاركة للرئيس أمين الجميّل فرصة إلغاء إتفاق 17 أيار.
بقي السؤال المتعلق بمستقبل النظام السوري، وما إذا كان الرئيس بشّار الأسد سيختار اللاذقية عاصمة لدولة العلويين. خصوصاً أن الصحف الاوروبية بدأت تتحدث عن ضم علويي طرابلس وجوارها الى الدولة المحتَمَلة.
مصادر الأمم المتحدة تنفي إعتراف المنظمة الدولية بحدود دول جديدة في الشرق الأوسط، وتؤكد ثبات حدود سايكس - بيكو، مع تعديل بسيط منقول عن نظام البناء في بريطانيا، وهو يسمح بتغيير هيكلية البيت من الداخل شرط المحافظة على حدوده الخارجية ثابتة لا تتزعزع!
كاتب وصحافي لبناني