الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

فخامة العميد

الياس الديري
الياس الديري
A+ A-

من أين أبدأ بالكتابة عن العميد ريمون إده، لمناسبة احتفاليّة التكريم التي تقيمها "جمعيّة أندية الليونز الدولية" في بيت المحامي بعد ظهر اليوم؟


من أين أدخل إلى هذا "العالم المختلف" الذي كان يتجسّد بأحلى وأنظف أدواره عبْر شخص العميد، وأخلاقه، وقيمه، وثباته على إيمانه بلبنان الواحد والشعب الذي يؤلّف أمة؟
كان هذا الرجل الذي لا يتكرّر واثقاً من أن الشعب اللبناني سيقبل بلبنان أكثر مما كان يقبل به سنة 1921، ثم بعد الاستقلال سنة 1943: ولي أمل أن هذا الشعب سيعرف أنه من الأفضل له أن يعيش على مساحة 10 آلاف كليومتر مربّع من أن يعيش في مساحة أوسع، ولأسباب شرحها يطول.
من أبرز صفات ريمون إده وميزاته أنه نظيف. نظيف في السياسة، في الدفاع عن الوطن، في التمسّك بالنظام الديموقراطي والحريات، في علاقاته مع أصدقائه والآخرين.
حتى خصومه كانوا يعترفون له بنظافة الكفّ والضمير والمواقف السياسيّة، وكل ما يصدر عنه من تصرّفات وكلمات. ويؤكّدون أنه أصلح الذين يأتون إلى رئاسة الجمهورية، إذا أتاحوا له فرصة العبور.
وجميع من عرفوه عن كثب ومن بعيد يؤكدون أنه لم يقصد يوماً من السياسة غاية شخصية، حتى رئاسة الجمهورية كانت بالنسبة إليه فرصة لإعطاء مثال جديد، ونموذج جديد، وأسلوب جديد في قيادة البلاد والتعامل مع المصلحة العليا.
كان أندر من أن يتكرّر في شخص آخر. ولأن خصومه الألداء كانوا يخشون نظافته واستقامته ضحوا وبذلوا وعملوا ما لا يُعمل كي يحولوا دون وصوله إلى قصر الرئاسة، وخصوصاً يوم كانت الصلاحيات مجتمعة بمجملها في حوزة رئيس الجمهورية.
في مرحلة المواجهة العنيفة مع الشهابيّة والمكتب الثاني، وبعد انتصار الحلف الثلاثي في الانتخابات النيابية، اخترقت دودة الخلافات الحلف... فتفرّق العشّاق وبقي العميد وحيداً. قال لي على الأثر: خيّ، كابوس وزاح عنّي. الآن تحرّرت من التردد واللف والدوران. كنت أتناول حبّتين من المهدئ قبل دخول اجتماعات الحلف. الآن خلصنا من المهدئات.
من حالاته وحكاياته الغريبة أنه حين كان يقف خطيباً في مجلس النواب، كان خصومه يلاقونه بالتخبيط على الطاولات تشويشاً واحتجاجاً، وكي لا يسمع النواب والصحافيّون كلامه من جرّاء "المخبّطين".
إلا أنه كان يواصل الكلام: أنا نائب الأمة، ومن واجبي أن أدافع عن حقوق الشعب، ولن ترهبني قوة على وجه الأرض.
يوم طلبت منه أن يصف نفسه للناس، احمرّ وجهه ضاحكاً: إني أكره الكذب والنفاق والتدجيل وسياسة اللف والدوران، واختلف من هذه الناحية مع السيد ميكيافيللي، كما أكره أن أموت في فراشي. المصادفة أخذتني الى السياسة.
ما أحوج لبنان اليوم إلى العميد أو من يشبهه!


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم